محمد فهد الحارثي يكتب : لحظات لا تسترد
حين يغادرنا من نحبّهم، يأخذون معهم أشياءَ لا تُستردّ ولحظاتٍ لا تتكرّر. يغادروننا بحبّ وسلام وقبول، ويتركون مساحاتٍ هائلةً بامتداد النظر، من الصعب أن يملأها أحد.
ما أصعب الانكسار بفراق من نحبّ! مهما قلنا من كلمات، هناك شيء لا يُقال، والتعبير عنه يدخل ضمن فنون الصمت.
تمضي الحياة وتأخذنا أحداثها ومتغيّراتها، وتعتقد أنّ الضجيج سوف يلهيك عمّن تفتقد؛ كلّا، فمن الصعب إخفاء الشمس بيديك، ومن المستحيل إيقاف هدير الأمواج بجسدك. الواقع يظهر حتى لو بعد حين. تأخذك التفاصيل الصغيرة والكلمات العميقة، وترحل إلى عالم أصبح جزءاً منك، حتى لو لم تكن فيه.
يستمرّ الركض، وبطاقةِ الإيمان والتفاؤل، تمضي المسيرة؛ هي الحياة، جمالها في أنها حتى لو قست عليك، فإنها تستوعب انكساراتك، تمنحك بلسم النّسيان الذي يعطيك إجازة من أفكارك وركضك وذكرياتك.
نعم؛ يظل الافتقاد موجوداً حتى لو تحايلنا، وحتى لو أوهمنا أنفسنا كذباً، أننا تجاوزنا المرحلة. لكنّها مسيرة الحياة التي تجعلك تدخل في سباق مع الزمن ولهاث مستمرّ، وهي محطة تأخذك إلى محطة أخرى، ركض شبيه بسباق التتابع، حيث النهاية التي تراها، هي بداية لآخر. النقطة النهائية هي التي ترسمها في عقلك وليست التي تراها.
ويشرق صباح جديد، بوجوه نعرفها ووجوه جديدة، وقصص نعلم بداياتها ولا تشغلنا تفاصيلها، وأخرى نعلم أنها عابرة، ولكنّنا ننشغل بأحداثها. هي توليفة تتشكل من متناقضات ولها اسم مختصر، هو العالم.
لم ينته يومي بعد، هناك الكثير، وأجمل ما في الغد أنه يأتي بأسراره وقصصه؛ لا تستعجل الأشياء، هي مواقيت وساعات، ومن يتكيّف معها يتجاوز ألم الترقّب والانتظار.
بعضٌ من الحكمة وكثيرٌ من الإيمان والصبر، يجعلانك أقوى وأكثر تصالحاً مع الواقع. الأحداث الكبيرة تجعل ما بعدها أموراً نسبية، وتبتسم لأوهام تضخّمت يوماً في عالمك، وتكتشف لاحقاً أنها لا تستحق كلّ هذا العناء.
حينما نكون بجوار من نحبّ، ونكسب رضاهم وابتسامتهم، هذا هو الرصيد الحقيقي، هذا هو العنوان الرئيس، والبقية تفاصيل.
السطر الأخير:
تعلّمك الأحداث الكبيرة بساطة بقية الأشياء.