إذا كنت قائداً ناجحاً تحقق العديد من الإنجازات، وتجني مبالغ طائلة من المال، وتصعد بسرعة الصاروخ على سلم الترقيات، فمن المحتمل أن يزعج هذا زملاءك في العمل للغاية، ويثير في نفوسهم شعوراً بالحقد الشديد تجاهك. وجد بحث جديد أن الأشخاص الذين يحققون تقدماً كبيراً في حياتهم المهنية بإمكانهم التفوق على زملائهم من خلال طريقة بسيطة للغاية تتمثل في مشاركة الإخفاقات التي واجهوها، والمصاعب التي عايشوها في طريق النجاح.
تقول البروفيسور أليسون وورد بروكس الأستاذة المساعدة بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، إنه إذا كنت ناجحاً للغاية، فإن إنجازاتك ستكون واضحة للجميع، ما يجعلك قادراً على إلهام الآخرين من خلال السماح لهم بمعرفة أخطائك.
ترى البروفيسور أليسون أننا من خلال هذه الطريقة سوف نقضي على الشعور بالاستياء الذي يصاحب الحسد، ونبدله بنوع من الإعجاب، مؤكدة أنه أحد أفضل الطرق للتأكيد على نضالك، وبذْلك الكثير من الجهد للوصول إلى ما أنت عليه الآن.
شاركت أليسون في كتابة ورقة بحثية في فبراير 2018 بعنوان "تخفيف الحسد الضار: لماذا يجب على الأشخاص الناجحين الكشف عن إخفاقاتهم"، ووجدت أن الاعتراف بالإخفاقات والانتكاسات التي نمر بها غالباً أمر غير بديهي؛ لأننا نميل إلى التحدث عن الإنجازات وإخفاء الفشل، إلا أن هذا الأمر يؤذي القادة الناجحين ويجعل الآخرين يحسدونهم.
الحقد الشديد شعور مدمر؛ لأنه يجعل الناس يشعرون بالنقص الشديد؛ لأنهم لا يتوقفون عن مقارنة أنفسهم بغيرهم، وربما يدفعهم في بعض الأحيان إلى التفكير في إمكانية تدمير الأطراف الأخرى. كذلك أظهرت أبحاث أجريت في وقت سابق أن هذا النوع من الحسد قد يكون ساماً في بيئة العمل، ويؤثر على إنتاجية الموظفين ويدفع الموظفين إلى التصرف بشكل أقل تعاوناً، ما يضعف العلاقات بين الزملاء، وتلقي كل هذه الظروف بظلالها على الشركة والمؤسسة فتعيقها عن تحقيق أهدافها.
تقول أليسون إنه عندما يشعر الناس بالحقد الشديد، فإنهم يقومون بأعمال وتصرفات مسيئة لإلحاق الأذى بالأشخاص الآخرين، يميلون إلى تقويض زملائهم الناجحين ومنعهم من تحقيق أي إنجاز.
الكشف عن إخفاقاتك لن يؤذي صورتك الشخصية
أجريت دراسة على الإنترنت من أجل اختبار مستويات الحقد الشديد والحسد الضار في بيئات مختلفة، والتعرف على استراتيجيات للتصدي لها. طلب من المشاركين في الدراسة قراءة سيرة ذاتية خاصة بشخص وهمي حقق نجاحاً مهنياً كبيراً، وفي النهاية وجدت الدراسة أن الأشخاص الذين لم يقرأوا إلا عن الإنجازات التي حققها هذا الشخص شعروا بالحقد الشديد عليه، أما هؤلاء الذين ألقوا نظرة على إخفاقاته وفشله لم يسيطر عليهم هذا الشعور السلبي الخبيث.
كما توصلت دراستان أخريان إلى أن تحدثك مع الآخرين عن إخفاقاتك لا يؤثر سلباً على صورتك في ذهنهم، ولا يقلل من شعورهم بالإعجاب لك، ولكن على العكس فإنك سوف تصبح أكثر احتراماً في أعينهم، وسوف يقدّرونك أكثر، خاصة إذا كنت مديراً؛ لأنك في هذه الحالة سوف تؤكد للموظفين أنك شخص مثابر وتتحدى الظروف لكي تصل إلى القمة، ما يحفزهم على القيام بالمثل.
كيف تتحدث عن الأخطاء؟
تقول أليسون إنه بإمكاننا التحكم في شعور الآخرين وطريقة تعاملهم معنا أكثر مما نظن. على سبيل المثال عندما نختار أن تكون مهذبين أو غير مهذبين، وعندما نقرر مجاملة شخص ما أو تجاهله، فهي كلها أمور تؤثر كثيراً في طريقة تعامل الآخرين معنا ونظرتهم إلينا.
أثبتت أغلب الدراسات والأبحاث أن المديرين يكونون أهدافاً سهلة للحسد، خاصة عندما يصعدون بسرعة على سلم الترقيات، بالإضافة إلى حصولهم على امتيازات لا يحصل عليها زملاؤهم، لذلك من الأفضل أن يتحدث المدير عن الانتكاسات والمشاكل التي واجهته في وقت سابق من حياته لكي يبدو أكثر مصداقية، عوضاً عن التركيز على ذاته.
تحدث المديرين عن الانتكاسات التي مروا بها والإخفاقات التي واجهوها تساعد باقي الموظفين على مواجهة العقبات، كما أنها تحفزهم على السعي لتحقيق النجاح. تنصح أليسون بأن يضفي المدير طابعاً إنسانياً على الاجتماعات التي يعقدها مع فريقه، وأن يتحدثوا جميعاً عن مشاكلهم، وأن يتطرق إلى ماضيه ويخبرهم عما مر به من مصاعب في السابق، لهذا الأمر العديد من الفوائد، من بينها تعزيز الروابط وتحسين القدرة على التواصل والتعاون.
استراتيجية مفيدة للباحثين عن وظائف
تناسب هذه الاستراتيجية الباحثين عن عمل أيضاً. إذا طلب منك التحدث عن نقاط ضعفك خلال إحدى مقابلات العمل فلا تستخدم العبارات المألوفة، والتي يكثر استعمالها مثل "أعمل بجد"، عوضاً عن ذلك تحدّث عن مشاكلك الحقيقية وما تعلمته من تجربتك السابقة في العمل لكي تحلها.
تساعدك هذه الاستراتيجية كثيراً في تعزيز علاقتك بالآخرين، وهو ما أكده أساتذة الإدارة في الجامعات، وقالوا إن معظم ما يقوم به كل إنسان هو محاولات فاشلة، إلا أن هذه الإخفاقات غالباً ما تكون غير مرئية، في حين أن النجاحات تكون واضحة.
أكد أساتذة علم الاجتماع أن التحدث عن الإخفاقات يعطي الآخرين انطباعاً جيداً، ويساعدهم على تقبل نوبات الفشل التي يمرون بها. في الوقت نفسه يجدك الناس أكثر تواضعاً عندما تكشف عن إخفاقاتك وفشلك، ولا تتحدث طوال الوقت عن نجاحك وإنجازاتك.