أكبر خدع المديرين.. اعتبار الوظيفة غاية أسمى يؤثر سلبا على الأداء
في مذكرته الأخيرة التي أعلن من خلالها عن تسريح ٣٠٠٠ عامل والذين يشكلون ٧٪ من العاملين في شركة تسلا، ذكر إيلون ماسك الأسباب، شارحاً الضغوطات المالية الكبيرة التي تواجهها الشركة من أجل صنع سيارات كهربائية بتكلفة منخفضة. المذكرة تضمنت نداءً عاطفياً لافتاً، فماسك طلب من الموظفين، الذي يعملون وفق جدول عمل «قاس» للغاية والذين سيبقون ويعملون وفق جدول لعله أكثر قساوة، أن يتذكروا مهمة تسلا وثقافتها.
فكتب في المذكرة قائلاً: «هناك بعض الشركات التي يمكنها أن توفر توازناً أفضل بين الحياة المهنية والحياة الخاصة وذلك لأنها شركات أكبر وأكثر نضوجاً في مجالات عمل ليست تنافسية.. محاولة بناء منتجات تعتمد على الطاقة النظيفة بأسعار مقبولة يتطلب جهوداً جبارة وطاقة إبداعية لا تعرف الراحة، ولكن نجاحنا في تحقيق هدفنا أساسي من أجل ضمان مستقبل أفضل ومشرق لذلك علينا القيام بكل ما بوسعنا من أجل دفع هذه القضية للأمام».
ما قام به ماسك هنا وما يقوم به بشكل متكرر هو اعتبار ما تقوم به تسلا أو سبايس أكس غاية أسمى، فهو يعتبر أن ما تقوم به الشركة يصب في مصلحة البشرية جمعاء..
ماسك ليس الرئيس التنفيذي الوحيد الذي يلجأ لهذه المقاربة فهناك عدد كبير من المديرين ومن الرؤساء التنفيذيين الذين يعتمدون هكذا مقاربة أي اعتبار الوظيفة غاية أسمى خصوصاً من أوقات الشدة أو بعد عملية تسريح جماعية أو إعادة للهيكلة يذهب ضحيتها عدد لا بأس به من الموظفين. الغاية هنا هو تحميس ما تبقى من «الجنود» وجعلهم يقدمون كل ما لديهم من أجل «دفع» القضية للأمام. ولكن الدراسات والأبحاث أكدت أن هذه المقاربة يمكنها أن ترتد وبشكل سلبي على معتمدها.
اعتبار الوظيفة «غاية» أسمى والاستغلال
سواء كنت مقتنعا بذلك أو أقنعك مديرك بأن وظيفتك تمثل غاية أسمى أو أنت كمدير تقوم بذلك فهناك خيط رفيع بين ما تقوم به وبين استغلال العاملين في المؤسسة. مثلاً لو عدنا إلى رسالة ماسك فهو اعتمد تسمية «القضية» لوصف ما تقوم به الشركة وذلك من أجل تبرير عدم إمكانية قيام الشركة بخلق أي توازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية وكي يبرر جدول العمل القاسي الذي سيلزم العاملين بالمؤسسة به.
هذه المقاربة وغيرها من المقاربات التي تشبهها في الشركات هي استغلال للموظفين وبأبشع الطرق. فالوظيفة هي «الغاية الأسمى» وأهداف الشركة «قضية» يجب السعي و«النضال» من أجل تحقيقها وبالتالي كل ما يطلبه المدير يجب أن ينفذ لأن كل العاملين في نهاية المطاف يسعون «لخير» ما عام للجميع.
بطبيعة الحال هناك بعض الوظائف التي تعتبر «غاية أسمى» مثل القطاعات الاجتماعية التي تملك هدفها الإنساني كالذين يعملون في مجال حماية الأطفال من العنف أو مساعدة المحتاجين أو في جمعيات العنف ضد المرأة وغيرها، هؤلاء عادة يعملون وسط موارد محدودة للغاية وبالتالي ساعات عمل لا تنتهي ولكن المشكلة هنا هي أن القناعة العامة «المعممة» حتى بين هؤلاء هو أنه إن كان الشخص يعمل في مجال يخدم صالحا عاما ما لفئة معينة فإن الرضا الذي يحصلون عليه نابع من واقع أنهم يجعلون العالم مكاناً أفضل وبالتالي ساعات العمل الطويلة جداً والراتب الضئيل يصبح مبرراً. وهذا هو الاستغلال بأوضح صوره.
ولكن وبغض النظر عما تؤمنون به فإن بعض الأمور غير ممكنة بدنياً، فهناك عدد محدود من الساعات في النوم وهناك عدد محدد يمكن للشخص خلالها أن يعمل بشكل فعال. فمثلاً في القطاعات الاجتماعية، فإن معدل ارتكاب الأخطاء يرتفع وبشكل كبير كلما زاد معدل ساعات العمل كما أن نسبة «الغش» في النتائج ترتفع وذلك لأن الموظف لم يعد يملك الطاقة ولا الوقت ولا القوة لتحقيق ما هو مطلوب منه.
بالعودة إلى الشركات الضخمة التي تروج لمبدأ الغاية السامية للوظيفة التي تسعى إليها فإن المخاطر عديدة لأن الموظف المنهك بسبب «القضية» سيرتكب الأخطاء والأخطاء ستؤدي إلى الفشل والغاية الأسمى ستتحول إلى وحش يلتهم حياة الذين يسعون إليها.
ملياردير جديد يوميا.. ماذا عن حياة 3.8 مليار شخص فقير حول العالم؟
المعنى والغاية لا يمكن فرضهما بالقوة
التركيز على المهمة والغاية التي لها معنى يمكن القول بأنه «تريند» في مجال الإدارة في عصرنا الحالي. فهناك توجه «لاستغلال» حاجة البشر للرضا عن نفسها من أجل التحفيز. في دراسة شاملة أجريت عام ٢٠١٧ تبين بأن عددا كبيرا من الشركات حول العالم تستخدم أسلوب الإدارة الفعال لتحقيق غايات لها معنى من أجل تحفيز الموظفين وزيادة نسبة التزامهم كما أنه يتم استخدام الأمور نفسها من أجل تضليل العاملين حول طبيعة العمل الذي يقومون به أو حول ما الذي يمكن للشركة بالفعل أن توفره للعاملين .
على طريقة أفلام هوليوود.. كلمة سر تحرم 100 ألف شخص من مستحقاتهم (فيديو)
اعتبار الوظيفة غاية أسمى لا يرتبط بشكل دائم بإنقاذ العالم، بل هو «دعوة» للموظفين بأن يتوحدوا مع الغاية الكبرى للشركة وبما أن الموظف يحاول العثور على معنى للعمل الذي يقوم به ويسعى لأن يشعر بالانتماء فإن بالفعل يتوحد مع الغاية العظمى للشركة.
الشركات تستفيد من هكذا التزام ومن اعتبار الوظيفة غاية أسمى لأن معدلات الإنتاجية ترتفع كما أن معدل الرضا عن الذات عند الموظفين يرتفع. ولا ضرر في اعتماد الشركات هكذا مقاربة في حال كانت صادقة وشفافة ولكن حين تقرر بأن «ستصنع» وتفبرك غاية ما من أجل الحصول على فوائد توحد الموظفين معها فحينها نحن نتحدث عن غش وخداع.