السؤال كبديل عن القول.. سلاح سري كيف تستخدمه؟
من الناحية النظرية الكل يحب «الحشرية» والأسئلة التي تؤدي إلى تعلم شيء ما. ولكننا في المقابل نقوم بوضع الذين يملكون الإجابات، لا الذين يطرحون الأسئلة في مكانة أعلى مميزة. قد تسمع وبشكل متكرر الغالبية تتذمر من الذين يشرحون ما يعرفونه بشكل متعالٍ أو بأسلوب يجعلنا نبدو وكأننا أغبياء، ولكننا نشجع هؤلاء على القول والإبلاغ لأن هذا هو المقبول والذي يتم تقديره. وهكذا نبدأ بوضع الضغوطات على أنفسنا كي نكون نحن أيضاً من الفئة التي تقول وتبلغ.
هناك تناقض كبير بين ما نقول بأنه من القيم الهامة وبين ما توضحه لنا «نتاجات الإنسان». الثقافة العامة لمختلف الشعوب تقول بأنه تقدر المقاربات المتواضعة والتصرفات المتواضعة، ولكن نتاجات الإنسان، مثل صورنا على إنستجرام الأكثر شعبية، الرئيس التنفيذي الذى نقدره ونحتفل بإنجازاتها، ونجم الفريق الذي يحصل على كل الدعم والمديح رغم أن الفريق فاز بسبب الجهود الجماعية وغيرها تقوض المبدأ «المثالي» هذا.
لماذا السؤال أهم من القول؟
يمكن القول بأن المحادثات التي نجريها مع أي كان سواء في حياتنا اليومية الشخصية أو في مكان العمل تفتقد إلى أمرين، الحشرية والاستعداد لطرح الأسئلة التي لا نعرف الإجابات عنها.
في حفلات والمناسبات الاجتماعية أو المهنية، أو خلال محادثة تدور بين الزوجين أو محادثات بين المدير ومدير آخر أو بين مدير والموظفين، الكل يملك القدرة على معرفة متى يقومون بمحادثة غير ناجحة، أو متى قاموا بإسكات الآخر، أو متى فوتوا على أنفسهم الفرصة القيام بمحادثة لها قيمتها و أهميتها في الوقت المناسب. ولكنهم لا يملكون القدرة على معرفة الطرق والمقاربات الأخرى التي كان من شأنها أن تؤدي إلى حوار أكثر انفتاحاً وصراحة واحتراماً للآخر.هناك بطبيعة الحال بعض المقاربات التكتيكية التي يمكن الاعتماد عليها من أجل إصلاح الوضع والعودة إلى النقطة الأساسية.
الكل لعله سمع أو تم إبلاغه في مرحلة ما بأن الأسئلة بنهايات مفتوحة أفضل بكثير من الأسئلة التي تكون الإجابة عليها بنعم أو لا.. ولكن القاعدة الذهبية هذه لا تحل المشكلة بشكل دائم.
سؤال مثلاَ «أخبرني أكثر عن نفسك» مثالي للمقابلات التلفزيونية، أو لصحافي، ولكن في الحياة اليومية وفي مكان العمل الغالبية الساحقة غير مستعدة للحديث عن «قصتها» أو قد لا تكون قد حضرت نفسها نفسياً للحديث عن قصتها. السؤال هذا أو أي نوع من الأسئلة التي تشبهه لا يشبه أي سيناريو اجتماعي يتوقعه الآخر.
إن كنت كمدير أو كموظف هدفك الصريح والصادق البحث عن المعلومات فأنت كما الغالبية لا تعرف طرح نوعية الأسئلة المناسبة.
كيف تُحقق نجاحًا كبيرًا على طريقة رجل الأعمال الفرنسي المغربي طه بوقديب؟
هناك عدة أنواع من الأسئلة، تلك التي تشجع على الإجابة، تلك التي تؤدي الى إهانة الآخر، والأسئلة البلاغية. ولكن عندما يملك الشخص رغبة صادقة لمعرفة ما الذي يريد معرفته أو بفهم الآخر فإن الأسئلة المناسبة تظهر وبشكل تلقائي وطبيعي وكذلك لغة الجسد فأحياناً مجرد النظر إلى الآخر بطريقة توحي بأننا نهتم بما سيقوله أكثر من كافية.
الأمر هذا أشبه بالاستفسار المتواضع الذي لا تعقيدات فيه. مثلاً «إذاً ( مع نظرة مترقبة) ما الذي يحدث؟ أو ما الذي أتى بك إلى هنا؟» وحتى كلمات مثل «أكمل» و«هل يمكنك أن تقدم لي مثالاً؟» تكفي من أجل حث الآخر على تقديم المعلومة.
ولكن وبشكل متناقض الأسئلة مثل « كيف حالك؟» لا تصنف ضمن خانة الاستفسار المتواضع لأنها أقرب إلى سيناريو اجتماعي يؤدي إلى الإجابة نفسها « بخير، كيف حالك أنت؟». الأمر نفسه ينطبق على الأسئلة بإجابات متعارفة عليها «كيف الأوضاع في العمل» الإجابة ستكون «جيدة، سيئة ،لا بأس».
تعديل بسيط في الكلمات يكسر «القالب» الخاص بهذه الأسئلة ويخدم الهدف. فعوض السؤال «كيف حالك؟»، يمكن القول «كيف تسير الأمور في حياتك/ عملك/ زواجك أو غيرها من الأمور التي تبحث عن إجابة عليها».
ولكن الأمر لا يتعلق بالكلمات فحسب بل يجب الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك وتحديداً إلى القناعات غير الواعية التي نكونها حول من له أهميته أو الحاجة لحماية سمعتنا. فالتواضع الذي تم استخدامه لوصف الاستفسار هو أشبه بمفهوم تعليمي يمكن الشخص من تمييز المجالات التي يعتمد فيها على الآخر في تلك اللحظة وليس النوع الذي يشعر فيه الشخص بالخوف من قدرات الآخر أو ممتلكاته مثلاً.
التواضع في السؤال.. مرعب
التواضع في الاستفسار يحول السؤال إلى فن، يمكن الشخص من خسارة المكانة والمنصب بشكل مؤقت. وهذا أمر يخيف الغالبية ولذلك يتم اللجوء إلى القول كبديل عن السؤال. فكروا بالأمر من هذا المنطلق، واقع أن شخصا ما أكبر سناً من الآخرين في مكان العمل لا يعني بالضرورة أنه يعرف أكثر من غيره. أو أن المدير يعرف أكثر من الموظفين.
الاستفسارات غير الصادقة يمكن رصدها بسهولة تامة أما الاستفسار المتواضع يضاعف الحشرية والرغبة بالتعلم والاهتمام بالآخر وبالتالي يقلل من نسبة التحيز والقناعات المسبقة التي يتم تكوينها عن هذا الشخص أو ذاك.
الوصول لتلك المرحلة يتطلب عقلية منفتحة وهذه العقلية يمكن الوصول إليها من خلال توسيع الآفاق، لذلك قوموا بتجارب جديدة، تعرفوا على ما هو مختلف، سواء خلال السفر أو من خلال القيام بأمور يومية مختلفة، اذهبوا إلى المسرح، قوموا بكتابة مذكراتكم.. قوموا بأي نشاط يساعدكم على تقوية حس الملاحظة لديكم ويتحدى قدرتكم على التفكير الإبداعي. خلال هذه الرحلة ستلمسون بأنفسكم حجم رغبتكم بالقول عوض السؤال، ولكن هذه المرة أنتم تعرفون بأنه عليكم التحكم بهذه الرغبة.
المصدر: ١