ثقافة العمل في نتفليكس.. قصص واقعية من داخل «غرفة الجحيم»
من لا يحب نتفليكس؟ فهي توفر لنا الأفلام وبأسهل الطرق الممكنة وتعرض لنا مسلسلات جديدة منفذة بحرفية عالية، وهي ككل شركة معروفة تأتي مع قصة نجاح مؤسسها الملهمة. ولكن خلف الجميلة هناك الوحش دائماً! والحديث عن بيئة العمل القاسية، بألطف تعبير ممكن، في الشركة يتم تداوله منذ سنوات ولكن صحيفة «وول ستريت جورنال» قررت الغوص في العمق وكشف المستور. باختصار ومن دون إطالة ثقافة العمل في نتفليكس داروينية بشكل يفوق الوصف.
ريد هاستينغز مؤسس نتفليكس تحدث أكثر من مرة عن سياسة الشركة القائمة على تسريح الموظفين «المقبولين» أو الذين يعتبر الأداء الخاص بهم مقبول وإبدالهم «بالنجوم» الذين يعتبر الأداء الخاص بهم ممتاز.
إليك ما لا تعرفه حول ثقافة العمل في نتفليكس.
في هذه الشركة اليابانية فقط.. النوم مقابل المال لتحفيز موظفيها على العمل
النظريات مثالية التطبيق.. غير مثالي
من الناحية النظرية الأهداف التي حددتها الشركة لنفسها مثالية. فسياسة الشركة التي تدعى «الحرية والمسؤولية» قائمة على هذه الأهداف:
- تشجيع الموظفين على اتخاذ قرارات مستقلة.
- مشاركة المعلومات مع الجميع.
- الصراحة المهنية المطلقة بين الموظفين.
- المحافظة على أصحاب الإنتاجية والأداء العالي.
نظرياً الأهداف رائعة وتؤسس ربما لمدرسة جديدة في إدارة الأعمال.. ولكن على أرض الواقع يوم واحد في نتفليكس أشبه بيوم في الجحيم؛ وذلك لأن التطبيق لا يتناسب وبأي شكل من الأشكال مع «رقي» الأهداف.
للمدير: قم بالطرد أو يتم طردك
هناك امتحان في نتفليكس يسمى «اختبار من يتم الإبقاء عليه»، ووفق هذا الامتحان يتم تقرير من هو «مقبول» ومن هو «نجم». المديرون في الشركة يقومون بمراجعة الأداء وفق سؤال واحد: أي موظف سأحارب من أجل إبقائه في الفريق؟ وبالتالي الموظف في خوف دائم والمدير في وضع لا يحسد عليه.
إليكم هذه القصة الحقيقة من نتفليكس بكل الدراما التي تتضمنها والتي هي ليست مبالغة مخرج.
مديرة تسويق سابقة في الشركة تعرضت للطرد وحين سألت عن سبب طردها كان أنه كان عليها طرد أحدهم بشكل مبكر. وهذا الـ«أحدهم» هو شخص وجدت فيه مديرة التسويق الإمكانيات، وبالتالي قررت مساعدته كي يتقدم ويتطور، ولكن الإدارة وجدت في هذه المقاربة دليل ضعف فتم طردها.
هذه الدولة هي الأكثر استخداماً للتقنيات الحديثة في المُعاملات المالية
دعم لسياسة الخوف
في غرفة اجتماعات في نتفليكس تحدث أحد الموظفين في العلاقات العامة عن خوفه الدائم من تعرضه للطرد، وكانت الإجابة: «جيد فالخوف هو الذي يدفعنا إلى الأمام». هذه الإجابة جاءت على لسان كارين بارغان رئيسة قسم الترويج للمسلسلات التي تنتجها نتفليكس، والتي لاحقاً أنكرت قولها لذلك، ولكنها في الوقت عينه أكدت أن مناقشة المواضيع «الغريبة» علناً من المقاربات المعتمدة في الشركة، وذلك من جعل «حث الموظفين على أن يصبحوا أفضل».
تسليط الضوء على الأخطاء
عندما يرتكب أي موظف في نتفليكس تصرفاً لا يرتقي الي المعايير المحددة فهو ملزم بتسليط الضوء على ما قام به أمام مجموعة من زملاء العمل.
مجدداً ننتقل إلى غرفة من غرف اجتماعات نتفليكس وننقل إليكم حلقة جديدة من مسلسل درامي مستمر.
«ريد هاستينغز كان في حالة من عدم اليقين عندما اكتشف بأن مديرة تنفيذية ذهبت برفقة عدد من أعضاء فريقها إلى صالون الحلاقة، حيث قمن بتصفيف شعرهن ولاحقاً اشترين المكياج، وذلك خلال الفترة التي كانت الشركة تخطط لإطلاق فرع لها في ميلان (هذا الحدث تم منذ سنوات). حينها طلب هاستينغز من المديرة تسليط الضوء على فعلتها تلك أمام العشرات من كبار المديرين التنفيذيين».
هذه المديرة غادرت الشركة في العام ٢٠١٧ ومن غير المعروف ما إن كان قد تم طردها، وهذا هو السيناريو المرجح، أو إن كانت قد استقالت.
أحد العاملين الكوريين في الشركة استقال؛ وذلك لأن سياسة الانتقاد العلني ذكرته على حد قوله، بـ«كوريا الشمالية حيث يتم إرغام الأمهات على انتقاد أولادهن أمام الجميع».
لقد تم طردك.. عد مجدداً للتعرض للمزيد من الانتقادات
وكأن الأمر لم يكن كافياً حين كان موظفاً حيث كان يتعرض للانتقاد القاسي والعلني، وحيث يقوم الزملاء بتقييم بعضهم البعض بشكل دائم.. فكان القرار بإلزام كل موظف يتم طرده بالعودة مجدداً حيث يتم الإعلان عن أسباب الطرد أمام الجميع. وطبعاً هناك البريد الإلكتروني الذي يتم تعميمه على الجميع، والذي يوضح سبب طرد هذا الموظف أو ذاك.
المواساة ممنوعة
لعل هذه النقطة هي الأسوأ؛ لأنها تتعلق بالتعاطف بين البشر والتماهي معهم.
قصتان من نتفليكس:
موظفان يراقبان زميلة لهما تقوم بإفراغ مكتبه وهي تبكي، أرادا مواساتها ولكنهما كان يخافان من تحولهما إلى الهدف التالي في حال قاما بذلك.
موظفة عرضت المساعدة على زميلة لها تعرضت للطرد للتو. بعد فترة قصيرة أبلغها قسم الموارد البشرية أن ما قامت به ليس «طريقة نتفليكس» بالتعامل مع الأمور وبأن هكذا تصرفات لا تصب « في مصلحة الشركة».
ورغم كل ذلك.. معدلات الاستقالة متدنية جداً
الشركة تدفع لموظيفها رواتب أعلى مما هو شائع في السوق، وربما هذا قد يكون السبب في واقع ان معدلات الإستقالة في نتفليكس ٣٪ والتي هي أقل بكثير من معدلات الاستقالة في مختلف القطاعات الأخرى والتي هي ١٨٪.
هاستينغز يدافع عن سياسة شركته التي يشبهها بفريق رياضي عليه امتلاك لاعبين يقدمون أفضل أداء ممكن، وكل لاعب يصبح عقبة أمام تحقيق الفوز يتم استبداله بـ«نجم».
ربما هو محق فشركته تحقق النجاحات الكبيرة ، فلا بد أنه يقوم بأمر ما صائب. ولكن السؤال الأساسي هنا: هل سياسات عمل كهذه قابلة للاستمرار؟
الوقت وحده كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.