عائلة فتيحي.. درب الذهب بدأ من دكان صغير
اقترن اسم عائلة فتيحي في المملكة العربية السعودية بالذهب والمجوهرات، فمن دكان بسيط وسط مدينة جدة قبل نحو 110 سنة، إلى شركات عملاقة داخل وخارج البلاد، تضاهي أرقى الماركات الأوربية، في عالم ليس كل ما فيه متعلق بالبراعة في التجارة، بل يحتاج وقبل كل شيء إلى ذوق رفيع وأصابع خبيرة، في مواكبة الموضة وإرضاء أهواء عالم منفتح.
صعود نجم عائلة فتيحي لم يكن وليدة صدفة، فالبدايات تعود إلى الجد الأكبر المعروف بشغفه بالمشغولات الفضية منذ عام (1887)، غير أن الخطوة العملية كانت بافتتاح حسن فتيحي أول (دكان) يحمل اسم العائلة في سوق الصاغة الشهير في قلب مدينة جدة، وذلك في عام 1907، وتوسعت هذه الحرفة وازدهرت تجارتها على يد العائلة منتقلة من جيل إلى جيل.
تبخير الدكان
بدأ الابن أحمد حسن فتيحي (مواليد 1942) في اكتساب المهنة عن والده منذ نعومة أظافره، كان يرافقه بشكل يومي إلى الدكان، وكان لهذا دوراً كبيراً في صقل موهبته التجارية، اقتصرت مهمته في البدايات على تحضير البخور وتبخير المحل، وهي عادة كانت منتشرة في أسواق جدة أيام زمان، ولكن بالإضافة إلى التبخير، كان يراقب ويتعلم طرق البيع واستقبال الزبائن والتعامل الجيد معهم، ويلتقط من والده والعاملين في الدكان كل ما له علاقة بالتجارة والصياغة.
وفي مرحلة لاحقة، أصبح الابن أحمد يساعد في صياغة الفضة بالكور القديم اليدوي، وشيئاً فشيئاً وجد نفسه غارقاً في عالم الذهب والمجوهرات، وكان يعمل لدى عائلة فتيحي، عمال أندونيسيين قدماء في المهنة، كانوا يحضرون للحج حيث كانت العائلة تعمل في تجارة الذهب في مكة وتسكن في جدة.
ومع ازدياد الأرباح وتوسع الأعمال، اشتد مرض الوالد حسن فتيحي، فطلب من الابن التفرغ للعمل معه وترك الدراسه، واستجاب الابن لوصية والده وأصبح وجهاً معروفاً لدى الزبائن مع قلة المحلات في ذالك الوقت.
لكن أحمد بالإضافة لعمله ومواظبته على التواجد في محل والده، لم يترك الدراسة نهائيا، بل استمر في الدراسة من المنزل وتمكن من الحصول على شهادة الثانوية التوجيهية عام 1960، وثم تزوج بعدها باربع سنوات، فكافأه والده وادخله كشريك بالثلت.
كليو ذهب إيطالي
الانطلاقة الخارجية لأحمد فتيحي كانت من خلال زيارته أوروبا لأول مرة في عام 1962، فقد شعر برتابة "الموديلات" التي يتم طرحها في أسواق الصاغة في المملكة، ومن ثم فكر في التجديد، وكان هذا دافعه للسفر إلى إيطاليا وهو لم يبلغ العشرين من عمره بعد، في محاولة منه لاستطلاع جديد التصميمات الأوروبية في عالم المجوهرات ليحاكيها في متجر أبيه.
عاد إلى البلاد ومعه كيلو ذهب إيطالي مشغول ليصبح أول صائغ سعودي يستورد الذهب الإيطالي, وبعد تلك الزياره فكر في الطريقة المثلى للتوسع بتجارته، لذلك اقترح على أبيه أن يؤسس شركة خاصة ذات مسؤولية، وبالفعل اقتنع الوالد بالفكرة وتم تأسيس الشركة عام 1965، فكانت أول شركة سعودية ذات مسؤولية محددة صدرت في الملكة العربية السعودية طبقاً لنظام الشركات. وفي العام نفسه، تحولت هذه الشركة المحدودة إلى شركة تضامنية لتصبح "شركة حسن وأحمد فتيحي التضامنية" واستمرت تلك الشراكة نحو 13 عاما ثم انتهت هذه عام 1978.
الاستقلال في العمل
التحول المهم في مسيرة صعود أحمد فتيحي كرجل أعمال، بدأت من خلال الاستقلال بأعماله، حيث افتتح أول محل خاص به يحمل اسم "أحمد حسن فتيحي" في عام 1970 برأسمال قدره مائتي ألف دولار أمريكي (200.000 دولار أمريكي ) آنذاك.
وبعد نجاح تجربته الأولى نحو الاستقلال بالعمل منفرداً، افتتح محلا ثانيا في جدة في عام 1973، غير العمل في التجارة لا يسير وفق نسق واحد، فكانت أول نتكاسة لأعماله في عام 1975، حيث خسر كل ما يملكه 550 ألف دولار أمريكي واضطر لبيع منزله.
غير أن طموحه ودأبه لم يتوقف عند تلك الكبوة، فأخذ يعمل بجد وبلا توقف إلى أن افتتح محلين آخرين في عام 1976، ثم محلين آخرين في عام 1977، وثلاثة فروع أخرى في عام 1978، ليبلغ عدد المحلات التي تحمل اسم "أحمد حسن فتيحي" تسعة محلات منتشرة في مدينتي جده ومكة، كانت إيجارات هذه المحلات السنوية تناهز الأربعة ملايين سنوياً.
أقوى 5 بنوك في المملكة.. هذه قصة بدايتها
مركز تجاري
في عام 1980، راودته فكرة تجميع محلاته في محل واحد متعدد الطوابق تقدم به خدمات فردية ومميزة تحت إشرافه، وفي عام 1984م افتتحت "شركة أحمد حسن فتيحي" أول مركز متكامل بأدوار متعددة يدار بواسطة شخص واحد في مدينة جدة على طريق المدينة، وقد بُني على طراز عالمي تحت إشراف شركة أوربية مشهورة على غرار مبني متجر "هاوردز" في لندن الذي يمتلكه المصري الملياردير محمد الفايد و"جالاري لافييت" في باريس ويعتبر قمة في الفخامة باحتوائه على جميع متطلبات الرفاهية من ذهب ومجوهرات وساعات وإكسسوارات وعطور وملابس رجالية وأقمشة وملابس نسائية، بلغ عدد موظفيه آنذاك 350 موظفاً منهم 115 فني صياغة في مصنع الذهب والمجوهرات.
ذلك غير مصنع المجوهرات المتخصص الذي يتكفل بتنفيذ أي تصميم يراه العميل في مخيلته إلى واقع يرضيه، واستطاع أحمد حسن فتيحي أن يطور الاسم ويزيد من نجاحه ليس فقط على مستوى المملكة، ولكن أيضاً على مستوى الدول العربية والآسيوية من خلال جهود مكثفة من الدعاية والإعلان بجانب جودة البضائع وتفردها.
ويعتبر مركز فتيحي جدة أول المعلنين السعوديين في قنوات التلفزيون المصري التي كان يصل إرسالها إلى الملكة العربية السعودية، وعندما تمت الموافقة على الإعلانات في التلفزيون السعودي كان مركز فتيحي أو المعلنين به أيضاً.
التوسع بالتاريخ والأرقام
افتتحت الشركة في عام 1990 مركز بيع الجملة في جدة -بغرض أن يخدم كافة أفرع الشركة- ولقد روعي في تصميمه أحدث أنظمة التخزين، وفي عام 1993 افتتحت الشركة مركز تجاري مماثل في وسط العاصمة الرياض بعد أن تأخر افتتاحه عامين بسبب الظروف التي كانت تمر بها المنطقة من ظروف اقتصادية نتيجة لظروف حرب الخليج.
وتحولت في عام 1992إلى شركة ذات مسؤولية محدودة تحمل اسم "شركة أحمد حسن فتيحي المحدودة" برأسمال مدفوع بالكامل قدره 200 مليون ريال سعودي، قدرت قيمة الشركة في عام 1994م بـ 600 مليون ريال سعودي أي ما يعادل حوالي 165 مليون دولار أمريكي. وتم بيع 20 % من أسهم الشركة إلى 28 شريك آخر واحتفظ مع عائلته بالـ 80 % المتبقية.
اشترت شركة "أحمد حسن فتيحي المحدودة" في عام 1996 الاسم التجاري العالمي العريق في مجال المجوهرات الماسية "مارينا بي" وسلسلة الفروع الخاصة به التي تتواجد في جنيف وميلانو ونيويورك وباريس وأرقى شوارع لندن التجارية في "نيوبوند ستريت"، وينتشر وكلاء وموزعوا هذا النوع الاسم العالمي في اليابان والإمارات العربية والهند وبعض العواصم العالمية الهامة.
تحدثت عن احمد حسن فتيحي أهم الإذاعات العالمية وكتبت عنه أشهر الصحف والمجلات كأحد كبار مقتني المجوهرات في العالم، وتمّ تسجيل اسم "أحمد حسن فتيحي" في موسوعة الأرقام القياسية "جينس ريكوردز" .
التحول إلى شركة مساهمة
كانت رغبة أحمد حسن فتيحي أن يقوم بتحويل شركته المحدودة إلى شركة مساهمة، فواجه معارضة من الأسرة والأصدقاء بل والعاملين أيضاً الذين كانوا يشعرون بأنه لا حق لأي شخص آخر مشاركتهم في الشركة، لقد واجهته العديد من المصاعب من جهات حكومية وغير حكومية ولكنه في النهاية استطاع التغلب على هذه الصعاب ليصبح نواة يقتدي بها لتحذو حذوه بعد ذلك الكثير من الشركات العائلية التجارية الأخرى.
وصدر في 7/1/1998 قرار معالي وزير التجارة السعودي بالموافقة على تحول شركة "أحمد حسن فتيحي المحدودة" إلى شركة مساهمة مغلقة، وتعد شركة "أحمد حسن فتيحي - شركة مساهمة سعودية" أول شركة تجارية سعودية تتحول إلى شركة مساهمة، تتكون من 41 مساهماً، يمتلك أحمد حسن فتيحي وعائلته 85 % من أسهمها والــ 15 % الباقية يمتلكها 34 مساهماً.
وبذلك أصبحت أول شركة سعودية تنتقل من نظام "الشركات العائلية" إلى "الشركات المساهمة"، مما أتاح لها مساحة كبيرة من التحديث والتجديد والسرعة والشفافية، وفرضت الشركة وجودها أمام المنافسين سواء أكانت شركات عربية أو عالمية.
صاحب أكبر ماسة بالعالم
يسافر في أغلب الأحيان فتيحي بنفسه لحضور المعارض الدولية الأوربية لانتقاء البضائع التي يتم عرضها في مركزي فتيحي جدة والرياض والفروع، وله ذوق خاص متميز في انتقاء الألوان، كذلك يتميز بالحركة الدائبة والنشاط الذي لا يتوقف، وفي كثير من الأحيان يقوم بالبيع بنفسه والعمل بيده مع العاملين.
ويعرف عن الشيخ أحمد فتيحي تواجده الدائم في دور المزادات العالمية أمثال "سوثبي" Sotheby’s و"كريستي" Christie’s و تملكه لعدد من المجوهرات والحجارة النادرة كمقتنيات شخصية، حتى أنه سجل في موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية باعتباره صاحب أكبر ماسة في العالم على شكل "دمعة"، كما تم تقليده بوسام "نجمة التضامن" لما له من أثر في تقوية العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإيطاليا، وهذا الوسام يعد أرفع وسام إيطالي يمنح بناء على مرسوم جمهوري صادر من رئيس الجمهورية الإيطالية للشخصيات المتميزة.
كيف سيطور الذكاء الاصطناعي إدارة الثروات المالية؟ (إنفوجراف)
من العائلية الى العالمية
انتهجت المجموعة في المرحلة الأخيرة سياسة توسيع وتنويع استثماراتها من خلال تأسيس عدد من الشركات الكبرى في المجالات العقارية والتجارية والتي تمتلكها بالكامل مثل شركة "صدوق العالمية للاستثمارات القابضة"، والتي تأسست برأسمال 100 مليون ريال بهدف الاستثمار داخل المملكة وخارجها.
وكذلك شركة "مدماك الخليجية للاستثمار العقاري"، والتي تأسست برأسمال قدره 100 مليون ريال بهدف الاستثمار العقاري داخل المملكة وخارجها، واستحوذت المجموعة أيضا على نسبة 80% من رأس مال "شركة تجارة السلع الكمالية الثمينة المحدودة"، بقيمة إجمالية تبلغ 4 ملايين ريال، وشركة تجارة السلع الكمالية الثمينة المحدودة تعمل في بيع وشراء المعادن الثمينة والأحجار الكريمة والمجوهرات والإكسسوارات والتحف والأدوات المنزلية ومستلزمات الديكور، ولها 9 معارض في مدينة جدة والرياض والخبر تحمل اسم (فتيحي جونيور) و(بيبي فتيحي).
واستثمارات في مصر
أما خارجيا فقد سعت "مجموعة فتيحي القابضة" إلى الاستثمار الاستراتيجي في السوق المصرية حين استحوذت على 5% من رأسمال "شركة النساجون الشرقيون المصرية"، وهي شركة مساهمة بقيمة إجمالية تجاوزت 153 مليون جنيه مصري، أي ما يعادل 105 ملايين ريال سعودي.
كما استحوذ الشيخ أحمد فتيحي -بصفته الشخصية- على نحو 10% من رأسمال "بنك التعمير والإسكان المصري"، في صفقة بلغت قيمتها 670 مليون جنيه (الدولار يعادل 5.3 جنيهات مصرية)، ليصبح بذلك صاحب أكبر حصة فردية في أسهم رأسمال المصرف الذي يعد أحد أهم المنشآت المصرفية والتنموية في مصر.
مجمع طبي للابن
رغم أن وليد ابن الشيخ أحمد الفتيحي نشأ لدى عائلة لها باع طويل في تجارة الذهب والمجوهرات، غير أنه انتهج طريقا آخر، ولأن التميز هو سمة ونهج العائلة، أصبح واحدا من أشهر أطباء المملكة على الإطلاق، أنهى وليد دراسة الهندسة من جامعة "جورج واشنطن" الأمريكية، وتخرج الأول على دفعته بـ"مرتبة الشرف الأولى"، ثم التحق بكلية الطب في الجامعة، حيث حاز على شهادة الدكتوراه في الطب، ثم أتم تدريبه وزمالته من المستشفيات التابعة لكلية طب جامعة "هارفارد".
وفتيحي الاب هو صاحب فكرة إنشاء المركز الطبي الدولي في جدة، وأشرف على جميع مراحله من اتفاقات واجتماعات وعقود وتصميم وتنفيذ، وهذا المركز تم افتتاحه في العام 2006م تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله الذي أثنى عليه لما يحتويه من أجهزة ومعدات طبية تضاهى أكبر المستشفيات والعيادات في العالم.
يدريب 120 فتاة
شكل أحمد فتيحي فريقا من الفتيات المتخصصات في بيع الذهب والمجوهرات، من أجل مقابلة زوجات رؤوساء الدول والشخصيات الهامة التي تزور المملكة.
يقول فتيحي"حاولت أحضار 56 فتاة من بنات العلائلات السعودية للعمل في هذه المهنة وأحمد الله أن عددهن الآن وصل الى 120 فتاة تعمل في هذه المهنة بعد ان دربتهن شخصياً بنفسي ولم يكن تدريبي على اساس مهنة المجوهرات بل دربتهن عن كيفية السلوك الذي يجب ان يؤدينه في حياتهن مع الآخرين وعودتهن على أن يكون هذا السلوك ليس في المحل فقط انما ايضا في بيوتهن".
وعودة لذكريات الطفولة..
يعود رجل الاعمال فتيحي الى طفولته متذكرا زيارة الملك فهد بن عبدالعزيز (يرحمه الله) عندما كان وزيرا للمعارف، حيث زار المدرسة التى يدرس بها واختير الطالب الصغير احمد حسن فتيحي للترحيب به فارتبك ولم يلق الكلمة المكتوبة، فطواها جانبا و رحب به بكلمة مرتجلة من بنات افكاره، لاقت الاستحسان والتشجيع من الحضور.
وتحدث فتيحي خلال لقاء جمعه مع شباب الاعمال في غرفة جدة عن ذكرياته عن مسجد عكاش وكيف كان الناس يخرجون من الباب الجنوبي للمسجد ويتداول التجار الحديث وكانوا يشترون من الباعة المنتشرين حول المسجد (جبراً للخواطر) لم ينس احد فتيحي الحديث عن حياته مع امه وانها كانت المعلم الاول له في دروس الحياة مشيرا الى ان الانسان ليس له ان يختار امه او ابيه او شكله ولكنها ارادة الله عز وجل.
ويتحدث فتيحي كيف تعلم من والديه التعامل مع الناس والتعامل مع الشارع والتعامل في المدرسة مشيرا الى ان هناك عشر اشياء يجب ان يحافظ عليها الانسان لكي ينجح في حياته منها: انما الاعمال بالنيات، وان يحب المرء لاخيه ما يحب لنفسه، وان الحلال بين والحرام بين، ويجب على المرء ان يعترف بالخطأ، وان يحسن الظن بالله عز وجل، وان يكون وفياً، وان يكون بارا بوالديه، وان هذه القواعد مهمة للنجاح، ولابد ان يتحكم الانسان في شهواته لان الله خلقنا بحساب والله يعلم عنا كل شيء وعلينا مخافة الله في جميع الامور.