عائلة المؤيد البحرينية.. قصة نجاح من دكان صغير إلى 300 وكالة عالمية
تقف اليوم عائلة المؤيد كعلامة بارزة في مجال الأعمال التجارية الحُرة في مملكة البحرين، لتصبح شعلة مضيئة يقتدي بها كل شاب اختار العمل التجاري الحر، فلا يكاد يذكر تاريخ البحرين، حتى تبرز عائلة المؤيد التى تعد من أعرق العوائل التجارية في المنطقة، وعندما يأتي الحديث عن اقتصاد البحرين تبرز هنا قصة البيوت التجارية، وياتي في مقدمتها بيت "المؤيد".
كانت تلك العائلة التجارية طول العقود الماضية حاملة لواء المال وحامية قصور العمل، وإذا كان دور البيوت التجارية كبيرا في بناء الاقتصاد البحريني في بداياته الأولى، فقد تميزت عائلة المؤيد بأعمالها الخيرية والتطوعية والاجتماعية إلى جانب إنجازاتها على صعيد المساهمة في بناء الاقتصاد الخليجي، كانت انطلاقة تجارة المؤيد من محل متواضع للغاية يديره رجل واحد تم افتتاحه في عام 1940 في سوق المنامة.
واليوم نمت وتطورت لتصبح واحدة من أكثر المجموعات التجارية المتكاملة والمتنوعة الأنشطة في مملكة البحرين، وكان لانضمام فاروق المؤيد الابن البكر من بين سبعة أبناء ورئيس مجلس إدارة المجموعة الحالي لوالده في العام 1966، أثراً هاماً في نمو أعمالها، ففي سن الثانية والعشرين من العمر وبعد تخرجه من الجامعة وحصوله على مؤهل في تخصص الهندسة الميكانيكية، قرر فاروق الانضمام الى والده ليتعلم فنون التجارة في متجر باب البحرين من خلال العمل كبائع لكل ما تتعامل فيه الشركة، ليتسلم الجيل الثالث بذلك من عائلة المؤيد زمام الاعمال، لتدير اليوم أكثر من 300 وكالة عالمية لأسماء تجارية كبرى وشهيرة، و لتصبح واحده من أعرق الشركات العائلية في البحرين، والخليج.
مسيرة الاجداد
عن قصة عائلة المؤيد يسرد لـنا فاروق المؤيد رئيس مجلس إدارة المجموعة بالقول: لم يستطيع أجدادنا العرب أن يواصلوا حياتهم في إقليم نجد، بعد أن بخلت عليهم السماء بأمطارها زمنا طويلا وجفت الواحات في الصحراء، ونضبت آبار المياه، وفرشت المجاعة بؤسها على هذه البقعه من جزيرة العرب، لتدفع الباحثين عن حياة أفضل إلى الهجرة في بلاد الله الواسعة .
لم يكن قرار رحيل هؤلاء الأجداد يسيراً عليهم، بل كان مؤلماً وقاسياً؛ إذ كيف يتركون أرض آبائهم وأجدادهم إلى بلاد غريبة لا يعلمون عنها شيئا، لكنهم قوم تجار فطروا على حب المغامرة، ولايهابون المجهول، لذا قرروا شد الرحال للهجرة، وبعد سفر شاق وطويل، وصلوا إلى اقليم الدشتية على الساحل العربي من الخليج العربي، وعندما استقروا به لم يجدوا أفضل من الجد عبد الله ليكون مسؤلا عن أحوال القبيلة ولقبوه (عبد الله الرئيس)؛ وعندما فكر هذا الجد بعد عدة سنوات في الزواج لم يجد أفضل من قبيلة الجواسم، المعروفة في ذلك الإقليم ليتزوج إحدى فتياتها.
مضت الحياة به مع زوجته وأبنائه الثلاثة سهلة يسيرة، إلا أن الحنين إلى أرض آبائه العرب ظل يطغى على قلبه بالحسرة ويجدد الأمل في أن يستقر يوما هو وأبناؤه في بلد عربي آخر، وكأن الله سبحانه أراد أن يحقق هذه الأمنية لأبنائه عندما قضت الظروف أن يرحل أجدادنا فيما بعد إلى البحرين ليستقروا بها.
يوسف المؤيد مؤسس الكيان التجاري
يقول فاروق المؤيد: "كان والدي الشيخ يوسف المؤيد يرحمه الله مؤسس هذا الكيان التجاري لم يتجاوز الثانية من عمره عندها فقد والدته عام 1920، لكن حنان زوجة أبيه الاولى عائشة أحمد بهزاد عوضته عن فقدان أمه عائشة حسن إبراهيم، إذ أصبحت أما ثانية له، أحبته واهتمت به كثيراً وعاملته كابن من أبنائها الأربعة، وكان لها ابنا محباً ووفياً حتى آخر يوم في حياتها.
يضيف فاروق : "كان والدي وأخيه عبد الرحمن يسكنون في غرفة واحدة في الطابق الأول من بيت العائلة الكبير الواقع في فريق الفاضل بالمنامة، وعندما يحين فصل الصيف كانا ينامان مع أمنا عائشة على السطح المفتوح، الذي تطل عليه الغرفة وكانت علاقته بأخيه عبد الرحمن قوية منذ الصغر وبالرغم من اختلاف شخصيتيهما إلا أن ذلك لم يمنع من نمو وتطور صداقتهما.
هنا قصة بيتنا التجاري
بدأ الأب يوسف المؤيد السفر بصحبة والده تاجر اللؤلؤ الذي كان يباشر تجارته بين البحرين والهند، ليتعلم منه فنون التجارة ومهارات التفاوض وتحمل مسئولية تجارة اللآلئ الثمينة. وإدراكاً منه لتقلبات الزمن وتغيره، ومع بداية ظهور اللؤلؤ الاصطناعي، أدرك أن تجارة اللؤلؤ قد أصبحت على المحك، ليتحول بعدها إلى التجارة العامة.
وفي العام 1940، ومع بداية الحرب العالمية الثانية قام بتأسيس شركة تجارية خاصة به، بفضل الهدية التي تلقاها من والده وكانت عبارة عن مبلغ من المال قدره 2000 روبية هندية (نحو 200 دينار آنذاك)، وقام من خلالها بشراء أول شحنة خاصة به شملت أصباغاً وعدداً ومعدات وأسلاكاً، ومصابيح كهربائية، وبن وشاي وخشب صندل، قام باستيرادها من الهند ليفتتح أول محل خاص به في شارع التجار.
وخلال فترة وجيزة أصبح المزود الخاص بشركة نفط البحرين (بابكو)، فضلاً عن البحرية البريطانية وسلاح الجو الملكي. وفي العام 1946، سافر يوسف برفقة مجموعة من رجال الأعمال والأصدقاء البحرينيين ممن يتحلون بالحيوية، وجميعهم يتطلعون لتأمين عدد من الوكالات الحصرية لعلامات تجارية عالمية التي تؤمن لأصحابها مكانة بارزة وعائدات مالية مجزية من المبيعات وخدمات ما بعد البيع.
وقد حظيت أسماء هذه المجموعة بالسمعة الرفيعة، حيث انطلق كل من أحمد وإبراهيم كانو وسلمان عواجي ويوسف المؤيد في رحلة على متن إحدى طائرات امبريال ايروايز البحرية انطلاقاً من القضيبية، حيث كانت المكان الذي ينطلق منه القادمون والمغادرون على متن تلك الطائرات البحرية، إلى مدينة الضباب لندن.
وخلال هذه الرحلة تمكن يوسف من الفوز بأولى وكالاته التجارية، بما فيها شركة جنرال إليكتريك ليكون بذلك أول من قام باستيراد الثلاجات إلى البحرين آنذاك.
وتطلعاً إلى المستقبل، كما هي عادته دوماً، باشر يوسف رحلات المبيعات إلى المملكة العربية السعودية، حيث سافر بمفرده في رحلات مكثفة وفق جداول شاقة، لتزدهر أعماله وتشهد نموه مطرداً بعد أن قام بتطوير عملية تصدير بضاعته انطلاقاً من البحرين.
وفي العام 1952، قام بنقل محله إلى مبنى جديد يتكون من ثلاثة طوابق للتجارة والإدارة يقع في باب البحرين. وكانت هنالك لافتة خارج المبنى كتب عليها: «موزعون لمنتجات 41 من أشهر الشركات»، واشتهر المحل آنذاك بتوريد مراوح جنرال إليكتريك التي كانت تشهد رواجاً كبيراً.
من جانب آخر، لم تكن مسيرة الشركة مكللة بالنجاح. ففي العام 1962، تعرض مخزونه بالكامل لحريق مروع.
وعلى الرغم من معاناته من خسائر جمة، جراء الحريق، مالياً ونفسياً، كافح يوسف ليستعيد مكانته البارزة في السوق تدريجياً. وفي ذلك الوقت، قرر يوسف وشقيقه عبدالرحمن تطوير الموقع القديم لبيت العائلة السابق على ساحل المنامة، وهي المنطقة التي تعرف الآن باسم شارع الحكومة ليقررا إقامة بناية مكونة من 8 طوابق لتصبح أعلى بناية في المنامة. وفي العام 1966 كانت «ناطحة السحاب» جاهزة للانتقال إليها، حيث انتقلت الشركة من مقرها في باب البحرين، حيث يعمل مكتب شركة يوسف خليل المؤيد وأولاده انطلاقاً من ذلك المبنى حتى يومنا هذا.
فاروق المؤيد يتذكر
كان والدي من عائلة ميسورة حيث كان جدي خليل المؤيد يتاجر في اللؤلؤ، وعندما أحس الوالد حينها بان تجارة اللؤلؤ غير مجدية حيث كانت تتعرض للعرض والطلب، قرر بأن يتاجر في أشياء أخرى وبدء بتجارة الأدوات الكهربائية، حيث ورد معدات وأدوات كهربائية من الهند وبدء ببيعها، كما عمل في عدة جوانب كانت تحتاجها البحرين آنذاك حيث كانت حقبة الخمسينات فترة نمو بالنسبة للبحرين.
أنا انضممت إلى والدي بعد تخرجي من الدراسة وحصولي على شهادة الهندسة الميكانيكية في عام 66، حينها كانت تجارتنا لا بأس بها؛ حيث حصلنا على نصف وكالة فورد للسيارات في العام نفسه، وتوسع والدي في التجارة وعملنا في تجارة المكيفات والأدوات المنزلية، ولكن في أعقاب حرب 1967م تعرضت شركة فورد للمقاطعة الاقتصادية، هي وشركة فولكو فكانت نكسة كبيرة بالنسبة لشركتنا آنذاك, لذلك سعينا أن نحصل على وكالات أخرى، وبتوفيق من الله حصلنا على عدة وكالات.
70 عاما عمر بيتنا التجاري
مجموعة شركات يوسف خليل المؤيد وأولاده تعد اليوم من أكبر مجموعات الأعمال التجارية وأكثرها تنوعاً لتمثل مصدر إلهام، ويعود الفضل في كل ذلك وما وصلت إليه المجموعة اليوم لذلك الرجل، ألا وهو يوسف خليل المؤيد طيب الله ثراه، حيث أرست حكمته وعقليته المتبصرة دعائم نجاح المجموعة وتطورها بشكل راسخ، لقد ارتبط اسم يوسف بعمله ارتباطاً وثيقاً من جميع الجوانب، منذ البدايات الأولى لتأسيس تجارته في العام 1940 وحتى وفاته في العام 1996، حيث مثل مصدر إلهام بالنسبة لنا وتمكنت المجموعة بفضله من تحقيق نمو مطرد خلال الأوقات الجيدة والسيئة على السواء.
من هو يوسف المؤيد؟
المرحوم يوسف خليل المؤيد كان قد ولد في العام 1918 وهو الابن السادس لعائلة كبيرة الحجم، وبدأ نشاطه التجاري منذ أن كان في السادسة من العمر، عندما قام بشراء كمية من الحلوى والفول السوداني في طريق عودته إلى منزله بعد انتهاء اليوم الدراسي، ومن ثم قام ببيعها على أصدقائه وبعض أفراد العائلة، محققاً هامش ربح قليل. واصل دراسته في إحدى مدارس المنامة حتى سن الثالثة عشر ثم تتلمذ على يد أحد المدرسين الخصوصيين الذي قام بتعليمه اللغة الإنجليزية.
مساهمته في تنمية البحرين
انطلاقا من إيمانه بدور رجال الأعمال المقتدرين في المساهمة بالمشاريع الاجتماعية التي تهدف الى توفير راحة المواطن، إلى جانب مساندة القطاع العام في سد احتياجات المجتمع. فقد حرص يوسف المؤيد منذ سنوات طويلة على رصد جزء من أرباح المؤسسة لمساعدة الأسر الضعيفة الدخل شهريا، إلى جانب تبرعه الدائم للجمعيات الخيرية العديدة في البحرين، أنشأ يوسف مركزا لمعالجة الإدمان على الكحول والمخدرات لإنقاذ الشباب من الوقوع في براثن هذه المواد السامة، ليعودوا إلى آبائهم أصحاء قادرين على أن يعيدوا بناء حياتهم بعزيمة وإيمان، ويكونوا مواطنين صالحين في بلادهم، وبعد عامين استطاع إنجاز هذا المشروع بعد أن بلغت تكاليفه 155 ألف دينار، وقام وزير الصحة جواد سالم العريض بافتتاحه رسميا في 5 يناير 1989م .