التفاوض وإبرام الصفقات.. علوم تدّرس دولياً من منظور الدبلوماسي «هنري كيسنجر»
كثيرون كتبوا عن الدبلوماسي هنري كيسينجر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، ولكن المفاجآت عنه لا زالت قليلة.
وتناول الأكاديمي والمؤلف المشارك في كتابة نسخة "كيسنجر المفاوض"، جيمس سيبينيوس ما يمكن أن يتعلمه مفاوضوا الأعمال من آليات هنري كيسنجر في عمليات عقد وإبرام الاتفاقيات والصفقات مع قادة العالم الأمر الذي تسبب في تشكيل جيوجرافية أماكن وسياسات عامة دولية بالإضافة إلى إصدار العديد من القوانين في القرن 21.
كما أن هذا الكتاب لايشرح مهارات ذلك البارع التفاوضية والدبلوماسية فحسب ولكن يتناول أيضاً كيفية إضافة خبرات هذا الرجل سابق عصره لممارسات رجال الأعمال والصفقات والاتفاقيات القائمة بصورة يومية في الوقت الحاضر.
فينود خوسلا.. من أكثر رجال الأعمال تأثيراً في وادي السيليكون
في لقاء صحفي وجهت عدد من الأسئلة للأكاديمي سيبينيوس تدور رحاها حول ما تحتويه صفحات كتاب " كيسنجر المفاوض" التي يمكن التعلم منها وتطبيقها عملياً حاليًا.
ما الأمر الذي تعلمته من علم التفاوض مع كيسنجر ولم تلاحظه من قبل؟
وعنه يحيب السيد جيمس سيبينيوس قائلاً إن مفاتيح التفاوض قبل وخلال إجراء هذه العملية تجمع بين أمرين للمفاوض الأشهر في التاريخ كيسنجر، الأمر الأول يتمثل في التقاط لقطة عامة على استراتيجيته الأوسع بينما يأتي الأمر الثاني في صورة يتم التقاطها عن قرب لنظيره مع السعي لتحقيق التقارب والعلاقات بين الأفراد لتعزيز مصالحه الأساسية.
ويضيف الكاتب سيبينيوس أن هذين المفهومين يساعدا في تقديم رؤى تكميلية وإرشادات وتوجيهات تكتيكية، مشيراً أيضاً إلى أن هذا النهج الذي يتبعه كيسنجر لايعد مقسماً لخطوتين حيث أن اللقطة العامة هي الاستراتيجية القائم عليها إجراء التفاوض المراد تنفيذه وهو المتمثل بالضرورة في الرصد المقرب لتفعيل عملية التنفيذ.
ومن ضمن إجاباته على مضمون هذا السؤال ما ذكره سيبينيوس بخصوص كثيرين من القائمين على عمليات التفاوض موضحاً أن مفاهيمهم التفاوضية تتجه صوب منظور التقاط لقطة عامة وصورة مكبرة لاستراتيجيتهم الأوسع عند إبرام اتفاق معين، وفي المقابل هناك نوع آخر من المفاوضين يلقون بشكل أساسي الضوء على التقاط صور أقرب لنظائرهم فحسب من خلال التركيز على طرق الاتصال وشبكات التواصل التابعة لهم ومدى مصداقيتهم ونوعية الثقافات المعبرة عنهم. ومن ضمن ما أذهل السيد جيمس اهتمام كيسنجر بخلق العلاقات والروابط مع شركائه والتي تقدم إضافة عظيمة لأدواره المؤثرة بغرض إتمام الصفقات.
كيف للمنظورين العام والمحدد أو المقرب أن يلعبا دوراً في عالم المفاوضات التجارية؟
هنا يجيب السيد جيمس سيبينيوس بقوله إنه غالباَ يرى أن أنجح المفاوضين تجارياَ هم القادرون على التكيف مع هذين المنظورين ويطرح مثالاً للتوضيح مشيراً إلى أنه عندما تراجعت شركة "لازارد" المصرفية الاستثمارية بشكل مثير للجزع في جداول الدوريات لعمليات الاندماج والاستحواذ في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، قرر رئيس الشركة مايكل ديفيد ويل أن يشارك المصرفي الاستثماري الأمريكي بروس وايسرشتاين لإحياء الشركة مجدداً. وعند إبرام عقد التفاوض بين الطرفين كان واضحاً أن نهجهم يتبع أسلوب التظرة الأشمل والأوسع بهدف استيعاب استراتيجات بعضهما البعض من منظور عام.
وعندما بدأت تتكشف الاختلافات في ضوء رغبة رئيس مجلس إدارة الشركة في شراكة خاصة ويقابلها رغبة الشريك في الحصول على شركة "لازارد" العامة، بدأ فشل رئيس لازارد في الظهور رويداً رويداً وذلك بسبب عدم قدرة التنفيذي مايكل من فهم اهتمامات بروس الحقيقية وغياب المنظور المقرب لتنفيذ استراتيجيته، بينما سعى في المقابل الشريك الاستثماري بروس وايسرشتاين لعقد عدد من المفاوضات مع الرئيس ديفيد ويل، وعلى مدار سنوات قليلة حدث تقدم ملحوظ بين الطرفين ومصالحهم مما مهد الطريق لإحراز النجاحات للشركة في 2005.
هل التفاوض التجاري يختلف عن التفاوض الدبلوماسي أو السياسي؟
من جانبه، يري الأكاديمي جيمس سيبينيوس أن الفارق بين المفاوضات التجارية والأخرى الدبلوماسية كبير للغاية،. حيث أن التفاوض على الصعيد التجاري يركز على المصالح المالية والاستئجار وغيرها من الاعتبارات.
بالمقابل، يبحث المفاوضون الدبلوماسيون في الغالب على تطوير مجموعة أوسع من المصالح العامة ككبح ومنع الحروب، والسيطرة على السلاح، وتأسيس قواعد ورواكز التجارة وغيرها.
في عالم السوشيال ميديا والتواصل الاجتماعي، هل تعتقد أن إتاحة كل المعلومات بفعل الفضاء التكنولوجي الواسع يجعل المفاوضات أكثر تعقيداً؟ وماذا تظن تجاه أداء كينسجر مع صورة العالم الحالية؟
يعرب البروفيسور سيبينيوس عن ظنه في أن هنري كيسنجر كان سيكون مستعداً للتكيف مع العوامل الجديدة والتغيرات الراهنة مدللاً على رأيه بناءاَ على مقال كان قد كتبه هنري كيسنجر في عمر 95 وفيه تناول على نطاق واسع حول آثار الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدولية.
ويضيف الأكاديمي قائلاً إنه على سبيل المقارنة، وعندما تم تكييف أليات كيسنجر التفاوضية على فترة من الزمن تعود للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي تعد خالية من السفر الجوي والإذاعة والتلفزيون والاتصالات العالمية الآنية والأسلحة النووية أيضاً،. فكانت النتيجة أن العناصر الأساسية ومفاتيح التفاوض لهنري كيسنجر دائمة لا تتبدل أو تتغير باختلاف الأزمنة.
في اعتقادك مالذى يمكن أن يستفيده المفاوضون في عالم البيزنس وتجارة الأعمال من كينسجر ومؤلفك الجديد عنه؟"
ويقول البروفيسور الجامعي سيبينيوس إن ما وجدته في كل قراءاتي عن آليات هنري كيسنجر التفاوضية ترتكز على رؤى كيسنجر الرئيسية في التعاملات التجارية المشتركة، مشيراً إلى أنه قام بجمع عدد من التحديات التي أثارها صانع الصفقات الأشهر على مر التاريخ على النحو التالي:-
* كيفية إجراء تقييم واقعي لما إذا كان هناك اتفاق محتمل.
* كيف تتحرك العدسة ذات الزاوية الواسعة بعيدًا عن طاولة المفاوضات وتتمكن من خلق فضاء للتعامل والتوصل لنتائج مفضلة على منضدة إبرام التسويات والصفقات.
* كيف لدقة التسلسل وبناء التحالفات والتعامل مع أولئك الذين من شأنهم أن يعرقلوا الصفقة أن تكون بمثابة مفاتيح لتحقيق الفعالية متعددة الأركان.
* أهمية إدراك معاني وحقيقة بناء العلاقات والصداقات مع النظراء.
* كيف يمكن الجمع بين الحزم والتعاطف بشكل مثمر ويدر بالنفع.
* كيفية اقتناص الفرص في الظروف المحيطة المتغيرة مع الإبقاء على نفس المنظور الاستراتيجي.
* مدى أهمية المثابرة والإصرار باعتبارها مكون رئيسي للنجاح.
* آليات التأثير والتأثر لخلق الأطروحات والمقترحات وبناء المصداقية، والاستفادة مما يعرف بـ "الغموض البناء"، والشروع في تعاملات منفصلة بين الأطراف بدلا من التعامل معهم معاً.