ثروة رامي أبو غزالة من القعر إلى القمة
رغم الشهرة الواسعة لسلسلة مطاعم "البيك" في السعودية، فإن القليل يعرفون تلك العائلة التي تقف خلفه، وما حكايتها، وكيف أوصلت محلاً صغيراً في جدة، ليحتل المركز السادس لأفضل ثمانية مطاعم تقدم وجبات سريعة خارج الولايات المتحدة.
تلك هي قصة عائلة أبو غزالة في السعودية التي اشتُهرت بسلسلة مطاعم "البيك" وأصحبت العلامة التجارية الأكثر رواجاً داخل السعودية، تعرف من خلال هذا المقال إلى أبرز ملامح ثروة رامي أبو غزالة من القعر إلى القمة.
ثروة رامي أبو غزالة
البداية مع أبو غزالة البيك كانت عام 1974، في مدينة جدة بالمملكة العربيّة السعوديّة، وكان ذلك حينما لاحظ شكور أبو غزالة، عدم وجود مطعم للوجبات السريعة في السعودية، فالفكرة كانت غير منتشرة بعد في الخليج عموماً؛ ففكر في فتح مطعم صغير يقدم الوجبات السريعة، وفكر في استيراد علامة تجارية عالمية بسعر معقول، وهكذا استثمر شكور كل مدّخراته التي اكتسبها بالجهد والعمل المتواصل، ووقّع اتفاقية وكالة حصرية مع شركة "بروست" الفرنسية تتيح له استخدام خلطات بهارات ومعدات خاصة للدجاج المقلي، وكان أوّل من أدخل مفهوم الدجاج المقلي على طريقة "البروست" في كل أسواق المملكة.
في ذلك الوقت كانت جدة تتوسع في اتجاه الشمال، منطلقة من المدينة القديمة، ووجد شكور موقعاً مثالياً ببناية الدخيل الجديدة، عند تقاطع طريق المدينة المنورة مع شارع فلسطين، وسرعان ما بدأ ببناء أول مطاعمه.
ولكن لسوء الحظ توقف المشروع، لأن إمدادات الطاقة الكهربائية لم تكن قد وصلت إلى هذه البناية الجديدة، ولكن شكور لم يتخلَّ عن حلمه أو يتنازل أمام التحديات، وسعى لإيجاد حلول لها، فعمد إلى تحويل مستودع قديم استأجره على طريق المطار في حي الشرفية، أولَ مطعم "بروست" في المملكة ، وكان ذلك في سبتمبر 1974 ومن هنا بدأت ثروة رامي أبو غزالة في التوسع.
.
أول القصة نكهة
بدأت قصة البيك، (كلمة تركية، تدل على لقب كان يعطيه العثمانيون لبعض موظّفيهم)، حينما بدأت كثير من الأسر في المملكة، بتناول الطعام الجاهز، بسبب ضيق الوقت للطهي، لارتفاع معدلات العمل.
وهنا فكر الراحل أبو غزالة، بإنشاء مطعم صحي ومميز للوجبات السريعة، فتعاقد مع شركة "بروست"، ولكن لم يكن هناك إقبال كثيف في البداية عليه .
حيث إن الجمهور، لم يتقبل فكرة الدجاج "البروست" بسهولة؛ فلم يكن يزور المطعم أكثر من مئة فرد على مدار السنة، وكان أبو غزالة هو من يطبخ بنفسه، ويقابل الزبائن، فقد كان متكفلًا بالأمر كله .
مرض أبو غزالة
وحينما بدأ الرزق يشق طريقة إلى يد أبو غزالة، داهمه مرض السرطان، فوقع طريحاً للفراش، ثم ما لبث أن تُوفي، ولكن حلمه لم يمت، رغم تراكم الديون عليه، وإلغاء وكالة "بروست" للمطعم .
في تلك الأثناء كان الابن الأكبر إحسان، تخرج في كلية البترول والمعادن في المملكة، فاضطر إلى ترك المجال والعمل على تحقيق حلم والده، وليتمكن أخوه الأصغر رامي، من إكمال تعليمه، وينقذا ما يمكن إنقاذه ليكمل ثروة رامي أبو غزالة.
یقول رامي عن عائلته وقصة والده: كان الناس یأكلون خارج المنزل، فكان ھناك حاجة ماسة إلى مطاعم صحیة تلبّي حاجتهم، وخصوصاً العمال والموظفین الذین تمتد فترات عملھم ساعات طویلة خارج المنزل، فجاءت الفكرة من الوالد في البحث عن مطاعم نظیفة تقدم وجبات صحیة للمجتمع، لأن المطاعم كانت شعبیة وغیر نظیفة، فأخذ یبحث في السوق المحلي عن دراسة جدوى، لمثل ھذه المطاعم، لكنه للأسف لم یجد، فقرر السفر إلى خارج المملكة، لیعود ومعه أول توكیل لشركة "بروست"، وھو المصطلح الذي تعارف علیه الناس فیما بعد عن مثل ھذه الوجبات.
ویضیف: كانت ھذه الوكالة محصورة في مدینة جدة.
ویكمل رامي: لم یكن مع الوالد في بدایته أي عمالة تُذكر، بل كان ھو الذي یجھز الوجبات، ویستقبل الزبائن، ویحاسبھم، ویعمل كل شيء، وبما أن الفكرة كانت جدیدة على المجتمع، كان ھذا الأمر صعباً، وكان تقبّل الناس بطيئاً، لأنھم تعودوا على دجاج "الشوایة".
وظھر الفرع الأول للشركة عام 1974، في المطار القدیم بمدینة جدة، حیث لم یكن العمل مطمئناً للوالد، وھذا یعود إلى قلة الزبائن، حیث لم یكن عددهم یصل إلى 100 شخص سنویّاً.
ویضیف: رغم ذلك فإن الوالد كان شدید الإصرار على النجاح.
المنعطف الخطر
كان المنعطف الخطر في حیاة عائلة أبو غزالة، كما يرويه المهندس رامي: بعد سنتین توفي الوالد، وكنا (إحسان وأنا) في المرحلة الجامعية، فجاءنا خطاب من الشركة التي كان الوالد متعاقداً معھا، تخبرنا فيه، أن الوكالة أُلغیت بسبب موت الطرف الآخر (الوكیل)، فأصبح العمل ضائعاً، حیث لم تكن لدینا رؤیة لإكمال المشوار، وبعد سنتین من الحادثة تخرج إحسان أبو غزالة في الجامعة تخصص بترول ومعادن، فأخذ یفكر في طریقة لیكمل المشوار الذي بدأه الوالد، فوجد فوضى كبیرة في انتظاره مثل الخسائر، ووجود مؤسسات كانت لدینا تعمل في غیر مجال المطاعم، وإحسان لم یزل في مطلع العمر، فاتّخذ قراراً جریئاً جداً، وھو أن یصفي كل الأعمال الموجودة، ویبقي على المطاعم فقط، ویتابع: وھذا القرار أثّر فینا حتى ھذه اللحظة، عبر حصر عملنا في مجال المطاعم، بالرغم من أنه في غیر اختصاصنا.
الصدمة الثانیة، كما یقول رامي عن ھذه المرحلة: بعد تخرجي في الجامعة عقب الحادثة بسنتین، جاءت رسالة من البنك بمدیونیة على المؤسسة بالملایین، فمنحنا البنك خیاراً من اثنين، إما أن نسدد الدیون على دفعات لمدة سنتین، وإما الحجز على كل الممتلكات، ولكن بسبب وجود حافز لدینا على إكمال المشوار الذي بدأه الوالد، اخترنا التوقیع على كمبیالات، ودفعناھا على مدى سنتین، وكان التقشف شعارنا في تلك المرحلة، فكنا نعمل في مكاتب صغیرة جداً، وضیقة حتى السقف، كنا نحني رؤوسنا عندما نقف، وألغینا الشاي والقھوة في المكاتب .
اقرأ أيضًا:المطاعم في زمن كورونا.. نصائح ضرورية للحماية من العدوى
العمل في كل شيء
یتحدث رامي عن الجدیة في العمل التي ھي الأساس لتحقیق النجاح، ويقول: بالنسبة لي كان لا بدّ أن أعمل أنا بنفسي، فخلعت الثوب، ولبست زي المطاعم، وجلست فترة طویلة في المطاعم على ركبي نظّفت الحمامات، ومسكت المكنسة، وتعلّمت كیف أكنّس وأمسح الغبار، تعلّمت خدمة الزبائن، والكاشیر، فھذا عمل ضروري جداً.
المنافسة السيئة واستراتجية المواجهة
عن سلبیات المنافسة السیئة وإستراتیجیة المواجھة التي نفذتها عائلة أبو غزالة نحو ھؤلاء المنافسین، يقول: بعد أن بدأت تظھر تباشیر النجاح، واجھتنا مشكلة وجود 400 مطعم "بروست" في مدینة جدة وحدھا، ما أساء إلى كلمة "بروست"، لدرجة أن الناس اعتقدت أن كل مطاعم "بروست" سیئة، وغیر صحیة، فكان لزاماً علینا أن نمیّز منتجنا عن باقي المطاعم المنافسة، فبدأنا تدریب العاملین على فن الخدمة، وترتیب العمل، والجودة في المنتج حتى یلمس الزبون الفرق بیننا وبین المطاعم الأخرى؛ بروز العلامة.
ویتابع: وھنا جاءت فكرة الاسم الحالي لعلامتنا، وحتى ننفصل عن اسم "البروست"، اجتمعنا نحن العائلة، وبدأنا بكتابة قائمة كبیرة بأسماء مقترحة حتى توصلنا إلى ھذا الاسم، وھو مأخوذ من المصطلح العثماني.
كيف نجحت العائلة في صناعة النكهة؟
اعتمدت ثروة رامي أبو غزالة في نجاحھا على أربعة أعمدة رئیسة، إذا فُقد واحد منها، اختل التوازن، وھي: الناس، وھم الزبائن والعاملون، فقبل أن نتّخذ أي قرار كان علینا أن نراعي الفوائد التي سیجنیھا الزبون والعامل أیضاً.
الجودة، (جودة الوجبة والخدمات)، حیث لھا أولویة عندنا.
الربح الطویل المدى، فلا تفكر في الربح القصیر، فإن أي شيء یأتي بسرعة سیذھب بسرعة، فقد استمررنا أكثر من 25 سنة بسعر 10 ریالات، وكان بإمكاننا أن نزید في السعر، ولكن التزامنا بالربح الطویل ھو الذي ساعدنا على النجاح.
التفاعل مع المجتمع، أي شركة، أو فرد یفكر أنه یستطیع أن یعیش في مجتمع یظل یأخذ منه ولا یعطي في المقابل، فھذا عنوانه الفشل.
فھذه ھي الأربعة عناصر التي یجب أن تتوافر في أي عمل تجاري.
رسالة العائلة إلى العاملين معها
يقول الأخوان رامي وإحسان: رسالتنا أن نزرع ابتسامة في وجه الزبون، إننا دائماً نقف إلى جوار المحاسب، وننظر إلى الزبائن، ونعدّ كم شخصاً ابتسم أثناء خدمتنا له، فھذا أمر یسعدنا جداً.
الأمر الثاني ھو أعضاء الفریق: أفضل شيء في الحیاة أن ترى عیني الإنسان الذي یعمل معك براقتین، لأنه یأخذ في التعلّم، وینمو معك، وأن ترى عینیه تتحدیان الصعاب التي یواجھھا، ومن خلالھا فإنه یصل إلى مراكز لم یكن یحلم بھا.
ودائماً ما ننظر إلى العامل على أنه الرئیس التنفیذي للشركة، فمن وظیفتنا أن نوفر عناصر النجاح للعامل الذي یعمل معنا، حتى یقابل الناس وینجح في خدمتھم بصورة رائعة، فالمفھوم لإدارة شركتنا ھو أن أھم شخص في الشركة ھو الذي یقف لمقابلة الزبون، والشخص الذي یحضر الوجبات، ومن ھذا المنطلق ننظر إلیه على أنه الرئیس التنفیذي.
الخدمة أساس المنافسة
یتحدث المھنس رامي عن ثروة رامي أبو غزالة، مؤكدًا أن المنافسة الحقیقیة في العمل بقوله: لیس المطعم الذي یعمل في مجالنا ھو المنافس، بل إن منافسینا ھم أي شخص یقدم خدمة، سواء كان بنكاً أو سوبر ماركت، أو شركة.
ویشیر إلى أن المنافس ھو كل من یقدم خدمة، ویقدمھا أفضل منا.
التعدي على حقوقنا
یقول رامي: ضریبة النجاح ھي التقلید الأعمى الذي قام به البعض، بالتعدیات على علاماتنا التجاریة في عدد من الأسواق العالمیة، ومنھا السوق المصریة، والذي أدى إلى تأخیر دخولنا السوق المصریة لبعض الوقت، إلاّ أننا نقدر التطور الكبیر في مصر على نطاق الحمایة الفكریة.
"البيك" أقوى علامة تجارية رواجاً
سلسلة مطاعم "البيك" هي سلسلة تُقدم للمستهلكين كل أنواع الأطعمة التي يرغبون في تناولها، وتتمتع بشهرة واسعة في كل أنحاء المملكة، حتى أنها تحظى بشهرة وشعبية أكثر من الذي تحظى به سلسلة "كنتاكي" في كل البلدان الأوروبية وجميع أنحاء العالم، وأهم ما يميز مطاعم "البيك"، عن غيرها هو تقديم دجاج بروست ذي جودة عالية ومذاق شهي.
السلسلة تُسهم بشكل كبير في صناعة المطاعم في السعودية، وتقود سوق صناعة المطاعم بكونها تحظى بشعبية بين عدد كبير من العملاء أكثر من سلاسل الأطعمة الأخرى.
وتحاول الكثير من المطاعم التفوق على سلسلة مطاعم "البيك"، ولكن يبدو أن هذا الأمر مستحيل بسبب المذاق المميز، وجودة المنتجات المقدمة، والأسعار المنخفضة والثقة التي تحظى بها السلسلة من عملائها.
واشتهرت بتقديم وجبة الدجاج المقلي مع البطاطا المقلية والمعروفة باسم بروست (بالإنكليزية: Broast) حيث لاقت وجبة البيك رواجاً وقبولاً كبيرين، بسبب مذاقها المميز الناتج عن خلطة البهارات والتوابل المستخدمة والسعر المناسب للجميع، فضلاً عن الخدمة الممتازة والجودة العالية.
ومع مرور السنين انتشرت فروع البيك بشكل كبير لتغطي كثيراً من أحياء مدينة جدة، ثم توسعت وفتحت فروعاً أخرى في مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف والليث والقنفذة، وينبع في المنطقة الغربية، والقصيم في المنطقة الوسطى.
ويصل عدد فروعها حاليا الى 63 فرعاً.
من التعثر إلى العبور
حكایة العبور الھادئ نحو شاطئ الأمان، یقول المهندس رامي: عقب ذلك أصررنا على أن نعرف كل شيء یتعلّق بمجالنا على أساس نستطیع إدارتة بشكل سلیم، فسافر أخي إحسان إلى فرنسا لدراسة علم "تكنولوجیا الإدارة"، التي من خلالھا استطعنا أن نصل إلى الاستقلالیة في العمل، بمعنى أن نتخلص من موضوع الوكالة، فقد كنا نشتري الخلطات فأخذنا نفكر في أنه عندما نتوسع في العمل یجب أن لا تكون الخلطات "السریة" من الشركات الخارجية، وھذا كان مكلفاً علينا، فاشتغلنا على الخلطات السریة، وجربناھا على الزبائن دون علمھم، فأخذت منا ھذه المرحلة تحضير المواد الأولیة، ونغلق الباب في محل سري لا یدري عنه أحد، نحضر فيه الخلطات، ثم نذھب بھا إلى مركز الإنتاج، وبدأنا بالاستغناء عن شراء الخلطات السرية من الشركات، وألغوا الوكالة، وبدأ المطعم بإعداد الخلطة السرية الخاصة به، وجرّبها على الزبائن لمدة ثلاث سنوات، وبالفعل زاد الإقبال ونجحت الخلطة، ونجح معها مطعم "البيك"، بعد أن كان على مشارف الهاوية.