ماذا تعرف عن نظام «اقتصاد السوق»؟
لطالما تم تداول مصطلح اقتصاد السوق ولكننا لا نعرف معناه حيث يشير إلى النظامَ الاقتصادي لليبراليّة الكلاسيكية، والتي تعتبر الليبراليّة الاقتصادية مكوّناً أساسيّاً لها، وفكرة الاقتصاد الحرّ جاءت من مبدأ عدم تدخّل الدولة في الأنشطة الاقتصاديّة للسوق، وإعطائه المجال لينظّم نفسه.
ويُعرَّف اقتصاد السوق الذي يطلقُ على اقتصادِ السوق اسمُ الاقتصاد الحرّ، أو الاقتصاد الرأسماليّ، بأنّه نظام اقتصاديّ قائم على منح الحريات للأفراد؛ أيّ لهم الحق في ممارسة النشاطات الاقتصاديّة التي يريدونها، كما يعتمد على الملكيّة الخاصة للوسائل المستخدمة في الإنتاج، ومن التعريفات الأخرى لاقتصاد السوق هو نظام تعتمد فيه القرارات الاقتصاديّة وأسعار الخدمات والسلع على التفاعلات بين شركات الأفراد في دولة ما.
فيديو| صحيفة أمريكية: وضع اللمسات النهائية لنقل «الهايبرلوب» إلي المملكة
وتعود نشأة اقتصاد السوق إلى العالِم الاقتصاديّ فريدريش هايك؛ حيث سعى إلى تصميم هذه النظرية لمواجهة الاقتصاد الكينزي والذي يعتمد على التدخل الحكوميّ للمحافظة على استقرار السوق، فرفض هايك التدخلات الحكوميّة في الأسواق مُعتبراً أنّ السوق قادر على تصحيح نفسه بشكل ذاتيّ، مع قدرته على تحقيق الرفاه والحرية لكافة الأفراد بعيداً عن أيّ قيود؛ لذلك اعتبر أنّ هذا النوع من الأنظمة الاقتصاديّة يُشكّل ضمانة مثاليّة للرأسماليّة التي تُساهم بتحقيق الازدهار للناس.
وتقوم منظومة "اقتصاد السوق" على افتراض أن قوى السوق مثل العرض والطلب هي أفضل ما يحقق التوازن والرفاهية دون أي تدخل من الحكومات بقرارات مثل تثبيت الأسعار وتوفير دعم للصناعات.
إنفوجراف| تفاصيل حوار الأمير #محمد_بن_سلمان_مع_الاتلانتك.. ماذا قال عن مثلث الشر ؟
ويرى مناهضو هذه المنظومة أن الجهات المركزية والحكومات لا يمكنها جمع وتحليل المعلومات بما يكفي لاتخاذ القرار الاقتصادي الصحيح بشأن السوق، وبالتالي، عليها التدخل. وأضاف المناهضون لهذه المنظومة أيضا أن تدخل الحكومات يحول دون وقوع الكثير من الفساد والاحتكار .
أما عن اقتصاد السوق الحديث فقد تضمن مجموعة من المتناقضات في ظل هيمنة رأس المال على تنظيم العملية الاقتصادية والغزو الحالي للاحتكارات الرأسمالية الدولية التي تطلق العنان لقوى السوق، وكذلك تفاقم نمط توزيع الدخول بين الشرائح الاجتماعية المختلفة في المجتمع الواحد أو بين المجتمعات المتقدمة والنامية، وتنامي ظاهرة البطالة.
ومن هذا المنطلق تزداد الهوة بين رأس المال والعمل، عبر تآكل الطبقات المتوسطة وتراجع أنظمة التأمينات الاجتماعية واتساع دائرة الفقر وانعدام المساواة في المستويات المعيشية للأفراد وسوء استخدام الموارد الإنتاجية، نتيجة توجه الاقتصاد الرأسمالي نحو إنتاج سلع غير مفيدة اجتماعياً، لكنها مربحة مادياً.
ويتمثل الهدف النهائي لأصحاب رؤوس الأموال الذين يسيطرون على السوق في تحقيق الزيادة في الطلب على منتجاتهم وتسويقها بدلاً من زيادة القدرة الإنتاجية للمجتمع. وقد أدى بروز ظاهرة «العولمة» إلى تقويض الحدود السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول، بما في ذلك تحرير المبادلات التجارية وانفتاح الأسواق على بعضها. أي إعادة التأكيد على الدور الذي يلعبه اقتصاد السوق على المستوى العالمي. وهذا ما يكرس سيطرة الشركات العالمية على السوق، والتي تتبع بغالبيتها للدول الصناعية المتقدمة.
بالدليل.. السعودية ستنافس دول العالم في كافة المجالات خلال سنوات قليلة
وقد اعتادت هذه الدول التي تشكل الفاعل الرئيسي في النظام الاقتصادي الدولي، على تطبيق معايير مزدوجة، عبر مطالبة الدول النامية بتحرير تجارتها واعتماد اقتصاد السوق، بينما تتمسك من ناحيتها بسياسات الدعم والحماية وإغلاق أسواقها أمام المنافسين، وتكوين التكتلات التجارية. فهي تنادي بتحرير التجارة عندما تقتضي مصالحها التجارية الوطنية ذلك، ولكن عندما تتعارض مبادئ اقتصاد السوق مع مصالحها، فإنها تتجه نحو إقرار قيود تجارية لحماية صناعتها الوطنية. فالدول الصناعية الكبرى ليست معنية بفتح الأسواق، إلاّ لصالح صناعاتها وشـركاتها المتعددة الجنسيات.
لذا نجد انفتاح الأسواق مع انعدام التكافؤ في القدرات التنافسية للدول، يؤدي حتماً إلى دعم الأقوياء وإضعاف الضعفاء. فالدول النامية تنتج غالباً مالا تستهلك، وتستهلك مالا تنتج، وفتح أسواقها في ظل هذه الظروف سيؤدي على الغالب إلى فشل التنمية الاقتصادية لديها واستمرارها في إنتاج سلع أولية مهيأة للتصدير للدول المتقدمة، بينما لا تستطيع الصناعات لدى الدول النامية مجاراة التطور التقني لدى الدول الصناعية. ومن هنا تبرز تداعيات اقتصاد السوق في عصر العولمة.