هل تتذكر كل شيء بشكل خاطئ ؟.. دماغك يشوه الحقائق !
العقل بشري عضو مذهل، فيه الكثير من الأسرار المعروفة وغير المعروفة التي لا يمكن للشخص سوى أن يقف مذهولاً أمامها.
الذاكرة وعملية التذكر من الأمور، ورغم دراستها بشكل مفصل، ما تزال تحتفظ بالكثير من أسرارها.
بشكل عام الغالبية الساحقة من البشر تعتبر بأن الذاكرة هي أغلى ما تملك، فهي تسجل كل حدث يمر في حياتها وعليه توفر الإمكانية بالعودة الى ما يريد كل شخص العودة إليه وتذكره وعيش اللحظة مجدداً.
حسناً.. نحن على وشك أن نبلغكم بأن كل ما تظنون بأنكم مررتم به هو غير حقيقي الى حد ما.. أو في الحد الأدنى مشوه وغير دقيق ولا يعبر عن الحدث الفعلي بدقة.
صور إنسانية مؤثرة تتصدر قائمة الفائزين في مسابقة «سوني» العالمية لعام 2018
كيف تخزن الذكريات في الدماغ؟
الآلية بشكل كامل غير واضحة للعلماء ولكن خلال السنوات الماضية تمكنوا من فهم البنية الجزيئية للذاكرة اذ أظهرت الدراسات أن الذاكرة تخزن ضمن تراكيب عديدة في الدماغ.
نوعان من الذاكرة في عقولنا، قصيرة الأمد وطويلة الامد، النوع الأول يمكن تقسيمه الى قسمين الذاكرة القصيرة جداً و الذاكرة القصيرة.. ففي الحالة الأولى تعمل الإشارات الحسية المرتبطة بإحدى الحواس على إثارة مواقع حسية محددة في الدماغ ثم وبعد مرور أجزاء من الثانية تختفي معظم المعلومات من الدماغ في الوقت الذي تخزن فيه المعلومات المرتبطة بحدث معين في جزء الدماغ الأمامي وهنا نكون قد أصبحنا في الذاكرة القصيرة. وحينها ينقل الحصين جزء من تلك المعلومات للتخزين في مركز الانفعال في الدماغ لمدة طويلة.
أما في الذاكرة طويلة الأمد فما يحصل هو أن بعض الانظباعات تكون ذات أهمية وبالتالي تقاوم الإختفاء فيتم تخزينها والمحافظة عليها.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة فذكرياتنا الشخصية تحتوي على أنواع مختلفة من المعلومات، بعض هذه المعلومات دقيق جداً حول مكان وكيفية حدوث الأشياء بالإضافة الى المشاعر المرتبطة بهذا الحدث أو ذاك.. وهي المجموعة من التجارب الشخصية تعرف بإسم الذاكرة العرضية. أما «البت» فهي حقائق عامة عن العالم وعن أنفسنا وعن الناس الذين نعرفهم وهي تعرف باسم الذاكرة الدلالية. ومن هنا تصبح الأمور أكثر تعقيداً لكونها ترتبط بتدفق المعلومات والأعصاب ومناطق مختلفة في الدماغ، وهذه الأمور المعقدة لن ندخل في تفاصيلها إذ أن الهدف هو تقديم لمحة عامة عن آلية تخزين الذكريات.
توقف عن التذكر.. أنت تحور واقعك
في حال كنت تجد نفسك تسترجع الذكريات بين وآخر فأنت على الأرجح لم تعد تتذكر الواقع كما هو بل نسخة تم تحويرها مرة تلو الأخرى عن الواقع.
الدراسات وجدت أن الدماغ وبشكل دائم يخوننا ويقوم بتحوير ذكرياتنا في كل مرة نفكر بها.
لتسهيل الفكرة عليكم، لنفترض أن ذكريات تتعلق بحدث ما لونها أبيض، في أول مرة تتذكرها فإن دماغك سيلونها بلون معين ثم في المرة الثانية سيتذكرها باللون وليس بيضاء كما كانت عليه في البداية ثم سيضيف إليها لوناً إضافياً وهكذا دواليك حتى تبتعد بشكل كبير عن الواقع كلياً ويصبح لدينا ذكريات مختلفة بشكل أو بآخر عن الحدث الذي حصل فعلياً.
تذكر حدث ما بعينه يجعل المعلومات التي يتذكرها الشخص أقل دقة وذلك لأنه عوض تذكر «الذكريات» الأصلية بشكلها الخام فإن الشخص يتذكر آخر مرة تذكرها فيها وبالتالي تذكر التحوير والتعديل الذي أدخل عليها على أنه الحقيقة الراسخة.
الامر أشبه بلعبة الهاتف البشري التي كنا نلعبها حين كنا أطفالاً، حيث نهمس بكلمة في أذن احدهم ثم ينقلها الى الآخر حتى تصل الى آخر شخص في اللعبة مشوهة بالكامل ولا علاقة لها بالكلمة الفعلية.. وكذلك هو الأمر الامر بالنسبة للذاكرة. الاخطاء تتراكم وعليه فإن التفاصيل الفعلية تختفي فاسحة المجال أمام الاخطاء لتترسخ على أنها الحدث الفعلي.
فالذكريات ليس صورة مطبوعة يتم إستراجعها وإعادتها كما هي بحالتها الاصلية، هي صورة غير واضحة بسبب المرات السابقة التي تم تذكرها فيها. النتائج التي توصلت اليها الدراسات هو ان الذكريات ووفق عدد مرات تذكرها يمكنها أن تصبح اقل دقة وحتى في مرحلة ما قد تصبح خاطئة كلياً.
قصة يعاد تحريرها في كل مرة
لا تفكروا بالذاكرة وكأنها ملف محفوظ بل أشبه بقصة يعاد تحريرها في كل مرة يتم تذكرها. والمعضلة الأكبر هنا هو أنه كما سبق وذكرنا الذكريات ترتبط أيضاً بمجموعة من المشاعر الخاصة بهذه التجربة او تلك، وعليه فإن المشاعر أيضاً يتم تحويرها وقولبتها لتتناسب مع القصة الجديدة التي تروى في عقولنا وتخزن في ذاكرتنا.
الذاكرة هي ما نحن عليه الآن، لانه في كل مرة يتم تعديل وتبديل القصص والمشاعر المرتبطة بها فحينها «الحياة السابقة» برمتها يتم تعديلها ما يعني أن الذكريات بشكل أو باخر تجسد الواقع الحالي.. لكوننا نعيد كتابة القصص وفق ما نحن عليه الان.
لذلك إن كان هدفكم المحافظة على ذكرياتكم كما هي من دون تشويه توفقوا عن التفكير بها.. اتركوها بشكلها الأصلي وصيغتها الصحيحة وإلا وجدتم أنفسكم تعيشون حياة سابقة «في عقولكم» لا علاقة لها بما حصل فعلياً.
وفي حال فكرتم بالامر فإن الواقع هذا مخيف، لانه لو إفترضنا أنك تتذكر حادثة ما جمعتك بصديق ما فأنت حالياً تتذكره بشكل مختلف عما هو عليه وكذلك الأمر بالنسبة لصديقك ما يعني أن ما حدث فعلياً بتفاصيله الدقيقة لم يعد لو وجود في ذاكرة أي منكما.. الفكرة مربكة ومخيفة في الوقت عينه بالفعل!