سيكولوجيا المال.. هكذا يتعامل عقلك مع الإنفاق والإدخار
هل سبق لك وأن تساءلت عن السبب الذي يجعلك تتعامل مع مالك بالطريقة التي تعتمدها؟
لعلك من النوع الذي يدخر ويشعر بالرضى حين تتراكم المبالغ في حسابك المصرفي وتشعر بالإنزعاج حين تنفق .. أو لعلك من النوع الذي ينفق كيفما إتفق والذي لا يفكر مرتين قبل رمي أمواله هناك و هناك لأنه يريد الإستمتاع بالحياة.
الغالبية تعتبر بأن عاداتنا في التعامل مع المال مكتسبة، أي أننا نتعلمها من أهلنا.. وهذا صحيح الى حد ما ولكن لا يمكن حصرها بهذا السبب فقط.. فضمن العائلة الواحدة هناك الإبن الذي ينفق بشكل عشوائي وهناك الذي يدخر رغم أنهما ترعرعا في المنزل نفسه ومن المفترض أنهما تعلما آلية واحدة للتعامل مع المال.
الدراسات الحديثة أثبتت بأن كيمياء العقل تلعب دورها الكبير في آلية تعاملنا مع المال.. وبالتالي العائلة ليست المؤثر الوحيد.
3 نصائح قدمها أغني رجل في العالم للمقبلين علي سوق العمل مستقبلا
نشاط الدماغ
في دراسة نشرت في «جورنال أو كونسيومر ريسرش» تم رصد نشاط دماغ المشاركين في تجربة خلال مرحلة إتخاذهم قرار الشراء. وراقب العلماء عن كثب نشاط الفص الجزيري وهو الجزء الذي يتم تفعيله عندما يختبر الشخص مشاعر أو مواقف سلبية. وتبين بأنه كلما زاد النشاط في تلك المنطقة كلما توقف الشخص عن القيام بما يقوم به ويزعجه.. وفي هذه الحال توقف الأشخاص عن الشراء وبالتالي الإنفاق.
في المقابل فإن فعل الإدخار، سواء من خلال وضع المال في البنك أو الحصول على خصم على سلعة معينة يجلب المتعة للشخص. الشعور بالإنتصار بسبب صفقة مثالية من المشاعر التي يختبرها الجميع، ولكن الذي يميلون الى الإدخار يشعرون بها أكثر بأشواط من غيرهم لأنها تريحهم من المشاعر السلبية المرتبطة بالإنفاق.
وعليه الخلاصة التي توصل إليها العلماء هي أنه كلما كان النشاط في الفرص الجزيري أكبر كلما كان الشخص من الفئة التي تدخر وكلما كان أقل كلما كان الشخص من الفئة التي تنفق. أي أن ذلك الجزء من دماغنا وحجم نشاطه يؤثر على حجم إنفاقنا.
وبما أننا كبشر نميل نحو التطرف في كل شيء فإن الذين يدخرون يمكنهم التحول نحو البخل والذين ينفقون يمكنهم الوقوع في مشاكل مالية عديدة. لذلك معرفة في أي خانة تقع يساعدك كثيراً على تحقيق التوازن المطلوب.
المنفقون للمال
لعلكم سمعتم بتجربة المارشميلو الشهيرة حين قام العلماء في الستينات بتقديم المارشميلو لأطفال في صفوف الحضانة وتم إبلاغهم بأنهم إن قاموا بتناولها فوراً فلن يمكنهم الحصول على أخرى ولكن إن إنتظروا لبعض الوقت سيتم تقديم واحدة أخرى لهم. تمت مراقبة الذين شاركوا في الدراسة حتى سنوات النضج وتبين بأن الذين تمكنوا من الإنتظار وبالتالي تأجيل شعورهم بالرضا والسعادة حققوا ناجحاً أكبر في حياتهم من الذين أردوا مشاعر الرضا الفورية ولم ينتظروا.
إن كنت من النوع الذي ينفق فأنت من الفئة التي تحتاج الى الرضا الفوري ولا يمكنها تأجيله. حين يكون المال أمامك فلا يمكنك مقاومة الرغبة بالحصول عليه فوراً رغم أنك تدرك بأنك لاحقاً ستحصل على كمية أكبر.
المدخرون للمال
في تجربة أخرى منح عدد من المشاركين خيار الحصول على ٥٠ دولار فوراً أو الإنتظار لعام والحصول على ١٠٠ دولار. الغالبية إختارت الحصول على الـ ٥٠ دولار فوراً.. وبالتالي فإن الفئة التي تدخر هي نادرة بالفعل وهي الفئة التي يمكنها تأجيل الشعو بالرضا.
العلماء يقسمون دوافع الفئة التي تدخر الى نوعين، الألم والمتعة. الألم حين يتعلق الامر بالإنفاق والمتعة حين يدركون بأنهم أدركوا بأنهم ادخروا ما يكفي.
لماذا الشعور بالرضا مؤثر جداً؟
البشر مبرمجون بطريقة تجعلهم وبشكل دائم يريدون شيئاً ما.. وفوراً. وهذا هو الرضا أو الإشباع الفوري. هو قوة يعترف بها تحرك تصرفاتنا المدفوعة بالرغبة الملحة لإختبار المتعة من دون تأخير.
هو النقيض كلياً لما يتم تعليمه لنا ولما نحاول جاهدين القيام به، تأجيل الشعور بالرضا. فالإنتظار صعب وكلنا نملك رغبة دفينة بالحصول على المتعة فوراً والتي ترغمنا على شراء هذا أو ذاك. وإن لم نحصل على هذا الرضا فالنتيجة هي التوتر أو القلق.
سيكولوجيا المال
بالإضافة الى الرضا الفوري المال يرتبط بالكثير من المشاعر القوية والعلماء حددوا هذه المشاعر وفق الترتيب التالي: القلق، الإكتئاب، الغضب، الشعور بالعجز، السعادة، الحماسة، الحسد، النفور.
المال يمكنه أن يمثل الإستقرار والآمان، فالإستقرار العاطفي مرتبط بالإستقرار المادي، كما يمكنه أن يكون سترة نجاة عاطفية ووسيلة لإبعاد التوتر والقلق. ولكن اللجوء للمال من أجل الحصول على مشاعر الآمان يبعد الفرد عن محيطه لان الآخرين سيصبحون «أقل قوة». المال يمكنه أن يصبح أداة لإرضاء الغرور لانه يمثل القوة إذ يمكنه أن يشتري الامور المادية، الخدمات وحتى الولاء.. وعليه يتحول الى أداة للهيمنة والسيطرة.
المال يمثل الحب، فهو للبعض البديل عن المشاعر كالشخص الذي يشتري لاولاده كل شيء كي يكسب حبهم. في المقابل هو للبعض الحرية، فهو يوفر الأداة اللازمة لملاحقة الأحلام والرغبات الشخصية وبالتالي الهروب من الأوامر والقيود.
بإختصار العلاقة بين المال والمشاعر معقدة وهي غير عقلانية على الإطلاق. فوفق علماء النفس البشر يصبحون أقل عقلانية وأكثر «جهلاً» حين يرتبط الامر بأمورهم المادية الخاصة. فالمعرفة التي يخيل للمرء أنها صحيحة حول الامور التي يصلح لها المال والآلية المثلى للحصول عليه ومضاعفته وإدخاره والسعادة المرتبطة به خاطئة تماماً.