اذا وُصفت بانك رجل "ميتروسكشوال" ..فما معنى ذلك؟
الرجل-دبي:
مع تطوّر العلم الحديث تصبح الاشياء الحديثة قابلة للمنافسة امام عقل الانسان، ممّا يجعله يحسب الامور بلغته الخاصة، ولهذا السبب تتقدم بنا الحياة وتتغيّر كل المفاهيم، بل تنشأ اجيال بمفاهيم مختلفة، حتى اصبحنا مصنّفين تحت اطارات علمية وثقافية. فالأفكار الحديثة في محلّ منافسة وصراع مع الافكار القديمة، حتى في نطاق العقل الواحد والانسان الواحد، ولكن اثبتت جميع العصور أن الافكار الحديثة هي الفائزة دائماً، بسبب صياغة تصنيفها تحت قائمة التقدم والتحضّر الفكري.
وتقول د. جيهان عبدالقادر الرئيسة التنفيذية لمستشفى الاكاديمية الامريكية للجراحة التجميلية ان هناك نموذج يحمل عنواناً جديداً قد يثير الجدل بين الرجال والنساء، ولكنه واقع متداول وفي نموّ واضح، أصبح ظاهرة موجودة في مجتمعاتنا الشرقية والخليجية، وهو الرجل "الميتروسكشوال".
وتضيف قبل كل شيء لا بد من تعريف معنى المصطلح الذي يطلق على هذا النموذج من الرجال: وهو مصطلح اجنبي الاصل، وليس له ترجمة لغاية الآن في قاموس اللغة العربية، مصطلح مركّب من دمج كلمتين من اللاتينية الأولى"الهترو سكسشوال" وتعني الرجل الطبيعي المنجذب الى الجنس الآخروالثانية"المتروبولين"، وهي مجموعة بلدان تتوسطها مدينة كبيرة توفر جميع الخدمات المميّزة لمن يستوطن بها؛ اذن هو تركيبة لفظية تجمع بين اثنين لمفهوم واحد.
موضحة في حديثها لـ"الرجل" هذا المصطلح اصبح يطلق عالمياً على الرجل دون خدش مقصود في رجولته، حيث يقصد به الشاب الذي يمتلك المال لإنفاقه على تفاصيل ظهور صورته بتميّز دقيق امام الجميع، النساء او الرجال او حتى امام نفسه. هو الرجل الذي يحرص على زيارة متاجر التسوّق بصورة متكررة للتبضّع بأجمل صيحات الملابس،وصالونات التجميل ومصفّفي الشعر وتقليم الاظافر والعناية بالأقدام،وعيادات التجميل للوصول الى قمة الجاذبية الرجولية والمحافظة على الشباب ومحاربة السمنة والشيخوخة، والنادي الصحي الرياضي، ليستمتع برشاقة القامة وارتسام العضلات بتميّز.وجزء من شخصيته ايضاً هو أن يكون رمزاً من رموز المدينة باذلاً كل جهده في المشاركة في المناسبات الاجتماعية،عامة كانت أو خاصة.
وتشير الدكتورة جيهان الى ان هذا المصطلح وُلد على يد الصحفي البريطاني مارك سيباسون عام 1994،عندما لاحظ توجّهات النخبة من الرجال الى هذا النوع الانيق من اسلوب الحياة الذي يعتمد على الرفاهية ويطمح للنجومية الحياتية، واهتم تقريره بتتويج اللاعب الاسطورة ديفيد بيكهام سفيراً ورمزاً لظاهرة "المتروسكسشوال" التي تخصّ الرجال فقط، بعيداً عن اساءة الهوية الجنسية أو السلوكيات.
و يؤكّد المحللون النفسيون ان للفضائيات المتبنّية للدعاية والاعلان دواً مهم في تكوين هذا النموذج الجديد من الرجال، ابتداء من اختيار نجوم الفن وتتويجهم سفراء لمنتوجات عدة، مثل مصففات الشعر او العطورات أوغيرها من منتجات تطورت اليوم، ليكون نخبة الرجال سفراء لمستحضرات تجميل والعناية بالبشرة التي كانت في السابق مقتصرة على النساء فقط،حسب مفهوم المجتمع علناً.
وبراي الخبيرة التجميلية هذا النموذج الجديد هو نموذج حقيقي وليس خيالياً، لأن المستهلك الخيالي لا يقوم بشراء المنتوجات التجميلية والمستحضرات المختصة بالعناية بالبشرة، ولا يتجه الى عيادات التجميل من اجل العناية بقوامه ومظهره، حيث اكدت الدراسات الحديثة ان عمليات التجميل عند الرجال في تزايد مستمر تصل نسبته الى 25% ارتفاعاً في السنوات الماضية. وتؤكد الدراسات ان نسبة هذه العمليات سترتفع الضعف مستقبلاً، بسبب اهتمام الرجل بنفسه من الداخل والخارج،نتيجة تغيّر العصر بفضل وسائل الاعلام المتعددة بهدف الاهتمام الذاتي وتعزيز الثقة.
مضيفة ان ولادة هذا النموذج الجديد جعلت أسواق الاكسسوارات الرجالية تنمو بشكل واضح، مثل الساعات والنظارات وربطات العنق، والأحزمة والحقائب والقبعات ومستحضرات التجميل الرجالية. بالاضافة الى النصيب الأكبر في عمليات التجميل وبالاحرى تقنيات محاربة الشيخوخة.
ولكن لماذا هذا التحوّل والجرأة في الأداء المتألق في ابراز الجمال؟! فبعد ان كانت المرأة تطالب بمساواتها مع الرجل في الامور الحياتية الطبيعية، أصبح الرجل اليوم منافساً بحتاً في ماراثون طب الجمال وأصبح مهتماً بأمور كانت في السابق متعلقة بها حصرياً. يعزو الخبراء سبب هذا التحول في الشخصية وتكريس الاهتمام، الى كون هذه الامور ثقافة متطورة؛ فالجمال وطب الجمال ثقافة، بينما يعزوها خبراء نفس آخرون إلى التغيّرات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم والضغوط الناتجة عنها، وممّا لاشك فيه ان اللياقة والتأنّق والجاذبية وأسرارها موضوع ذو أهمية، فيما يراها البعض الاخر رغبة فطرية مجسّدة عند الذكر والانثى، ولكنها في حالة تطور مستمرّ.
ظهور هذا المصطلح كسر الصورة النمطية السائدة في المجتمع للرجل، فبعد ان كانت صورته السينمائية في الشرق مجسّدة في رجل قاسي الملامح، شرّير النظرات و التقاسيم، اصبحت شخصية مختلفة بكل المعايير حتى في المظهر والجسد، حيث يمثل جسد الانسان ثروته الازلية منذ الولادة، الجسد الذي نكون معه ومن دونه لانكون، فلم لا؟ ونحن لا نستطيع التجرد منه ما دامت هنالك حياة؛ اذن فلنتعامل معه دون غموض وبكل حرية، فمعه نعيش ونتكاثر، نحب ونكره، نبني ونصنع، نفكر ونبحث.
الجسد بارتباطاته الكاملة مع العقل والاداء الفكري والاداء المظهري، ليس له حدود، بل هو عنصر غير منفصل عن مجموعة متكاملة في مخلوق واحد هو الانسان.
وتخلص د. جيهان للقول "الانسان الحديث في هذا المجتمع الحديث، هو من يقرّر نموذجه الانيق بكل المعايير وبكل الابعاد، ما دام لم يخدش دينه وأسس مكوناته، خاصة انه لوحظ مؤخراً ان التقاليد اصبحت مرجعيات شكلية لا تنظم وجود الانسان وأفعاله كما كانت في السابق. الانسان هو من يقرّر مصيره ويدير المجتمع وليس المجتمع من يديره".