بعيداً عن التغريدة.. فلنتعرف على التغرودة الإماراتية
قبل التغريدة بسنوات طويلة جداً كان هناك التغرودة.. وهي في الواقع لا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بتويتر وتغريداته.
التغرود أو التغردوة أو فن التغرود هو موروث ثقافي إماراتي عماني مشترك. موروث يختزن الذكريات والتاريخ ويحكي حكايات عديدة عن حياة البادية وأهلها وعاداتهم.
الفن هذا جزء من شعر القبائل البدوية وعليه فهو يحفظ تاريخها وقيمها وعاداتها الاجتماعية وحتى ثقافتها وحكمتها.
ما هي التغرودة ؟
التغرودة فن غنائي شعري بدوي، كان الرجال يؤدونه خلال ترحالهم وهم على ظهر الخيول والجمال خصوصاً في الرحلات الطويلة.
تمتاز قصائد التغرودة بانها قصيرة وتدور حول موضوع واحد لكنها لا تقل عن سبعة أبيات وقد تزيد عن ذلك بقليل.هي على وزن الرجز ولكن البيت فيها شطر واحد ولجميع أبيات التغرودة قافية موحدة . تنشد بشكل جماعي في صورة نغمية ثابتة قائمة على إستطالة حروف المد في نغمة متموجة وهي صورة مسموعة لحركة سير الركاب.
ولكنها أحياناً كانت تؤدى خلال جلسات السمر أو خلال المناسبات الإجتماعية وبالتالي تنشد جلوساً.
كانت تقال خلال الرحلات الطويلة وفي مناسبات الحروب، وفي التحديات المواجهات واللوم والتقريع والعتاب، ولكنها كانت وسيلة خير أيضاً لحل الخلافات وإبداء الرأي.كانت أيضاً تنطوي على الحكمة والفخر وبطبيعة الحال مديح الخيل والإبل جزء اساسي منها. بعض منها كان غزلي وبعضها نقدي ولكنها جميعها تخضع للقواعد نفسها بغض النظر عن الغرض منها.
تاريخها وأهميتها
إنتشرت بشكلها التقليدي في البداية بين القبائل البدوية في المناطق الغربية للإمارات ومدينة العين وبعض التجمعات البدوية حول المناطق الجبلية لرأس الخمية والفجيرة وذلك وفق عدد من المؤرخين الإماراتيين. في هذه المناطق كانت الثقافة السائدة هي أن يقوم كبار السن بإلقاء الشعر على مسامع أفراد العائلة ثم انتشرت وتوسعت الى التجمعات السكنية التي نشأت بالقرب من أسواق الجمال في أبوظبي ودبي والشارقة وأم القيوين.
الشعر هذا لم يكن يكتب بل كان يتم تناقله شفهياً وهو توثيق تاريخي لخصوصية إجتماعية وثقافية لتلك المناطق من الإمارات العربية. يمكن لمس أثرها في موروثات ثقافية اخرى اذ تأثرت بها فنون العيالة والونة، كما أن بعض الأمثال الشعبية التي تردد على ألسنة الإماراتيين مصدرها التغرودة.
لم يكن دورها التسلية والترفيه عن النفس خلال الرحلات الطويلة بل كانت أشبه بنظام شعري متكامل للتواصل.. فمن خلالها تنقل الرسائل للأحباء والأقارب، ومن خلالها كان يتم إبداء الرأي بقضايا معينة وحتى أنها كانت وسيلة لحل النزاعات بين الأشخاص والقبائل.
أنواع التغرودة
تغرودة البوش
تسمى أيضاً شلة الركاب أو همبل الركاب أو همبل البوش. تنشد على ظهر الجمال وكان يتم إستغلال صوت حركة الجمال كإيقاع لترديد الأبيات الشعرية، ولكن الإيقاع هذا كان محصوراً بسرعتها الأولى بعد المشي لانه وبمجرد إنطلاقها فإن الإنشاد على ظهرها سيكون مستحيلاً لان الراكب بالكاد سيتمكن من التقاط انفاسه.
نوع الانشاد هنا جماعي وكان يتم وفق نغمات ثابتة قائمة على إطالة لفظ الحروف وذلك تكون صورة طبق الأصل عن حركة سير الركاب. يمكن أن يتم إنشاده بشكل منفرد ويمكن أن يصار الى تأديتها من خلال شخصين بالتناوب ولكن بغض النظر عن العدد فان التغرودة لا تصاحبها أي ألات موسيقية. وإنطلاقاً من الصفة النغمية لتغرودة البوش تتنوع التسمية مثل الغيروز، الغارود، الغرودة .
تغرودة الخيل
تغرودة الخيل هدفها تحميس الخيل أو الفرسان. هي إنشاد وفق أسس التغرودة ولكن تتخللها صيحات تنشط الخيل وراكبه. شلات تغرودة الخيل قد تكون في مدح الخيل أو في التحفيز قبل المشاركة في السباق. تتميز هذه التغردوة بتمحورها حول الشجاعة والاقدم والمبادرة ونجدة الضعيف والمظلوم.
المحافظة عليها
الإمارات بذلت وما تزال تبذل الجهود الكبير للمحافظة على فن التغرودة. وقد حققت إنجازاً كبيراً في العام ٢٠١١ عندما قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو» بإدراج التغرودة ضمن قائمة التراث الإنساني الثقافي غير المادي. ولكن الامر بالتأكيد لا يتوقف عنها، فالجهود مستمرة خصوصاً وأن وفق بحث قامت به هيئة أبوظبي للسياحة والثفافة لم يبق على قيد الحياة من حملة هذا الشعر الا عدد قليل أما عدد شعراء التغرودة فقدر عددهم بحوالي ٣٠٠ شاعر.
الإدراج هذا يعني أن هناك التزامات من قبل الإمارات تجاه هذا التراث لناحية التدوين والمنهجة والتوظيف في مجالات الحياة المختلفة وذلك لحفظه من الضياع والنسيان.
التغرودة هي جزء أساسي من مختلف المهرجانات السنوية أو من سباقات الهجن التي تقام سنوياً، وذلك لتعريف الاجيال الجديدة عليها ولإبقائها حية من خلال تناول مواضيع معاصرة.
وقد أصدر الإمارات عدداً من القوانين التي تهدف لصون التغرودة ومنها توفير الدعم المالي لشعراء التغرودة المميزين، تدريسها كمادة في أكاديمية الشعر، نشر المجموعات الشعرية والدراسات والبحوث حولها وتنظيم الامسيات الشعرية في المناسبات والاحتفالات الوطنية والاقليمية. ناهيك عن نشر القصائد في المجالات والحرص على إستضافة الشعراء في القنوات الوطنية.