مجلة الرجل ترصد أبرز ملامح سياسة الأمير محمد بن سلمان الخارجية
في التاريخ محطات مهمة تصنعها أحداث واشخاص. وفي المسيرة السعودية يعيش السعوديون محطة مهمة في حياتهم. اختارها بعناية قائد البلاد وحاكمها الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإعطاء الشباب فرصة لقيادة بلدهم وصناعة مستقلبهم. ومن هنا يأتي تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد تدشيناً لمرحلة جديدة في التاريخ السعودي المعاصر.
فيديو| الشيخ سعد الشثري في مقاله لـ «الرجل»: عرفت عن ولي العهد الذكاء والإنتماء للوطن
خارطة جديدة للتحالفات
اوجد الأمير محمد، خارطة جديدة للتحالفات تخدم تصوره العام لمستقبل البلاد وأمنها، ادرك ان الايديولوجيات لا تصنع سياسة والعصبيات لا تبني علاقات وطيدة، عَبر بالمملكة نحو ما تصحّ تسميته بـ " تحالفات الاضداد"، خدمة للمصلحة العامة، اعاد ترتيب علاقات المملكة بأشقائها العرب، وتحالفاتها مع شركائها الخارجيين، بفكر مبني على المبادئ الثابتة، وبناء شبكة مصالح متبادلة تخدم الشعوب وتقرب القرار السياسي بين الحكومات.
ففي الشأن الاقليمي، ركز على تعزيز الامن الاقليمي العربي ووقف بقوة ضد تدخل الاخرين في الشؤون الداخلية العربية. كما فتح صفحة جديدة للعلاقة مع مصر، قاطعاً الطريق على الاعداء المشتركين قائلاً في هذا السياق" العلاقات مع مصر صلبة وقوية ولا تتأثر بأي شيء، والشائعات يروج لها الكارهون للسعودية ومصر، ودعاية إيران والإخوان تسعى لإيجاد شرخ في العلاقة السعودية - المصرية"، ولم يُبق الكرة في ملعب السياسة، فذهب ابعد من ذلك معطياً الخطوة طابعها العملي "إن فرقاً مختصة تعمل حالياً على التجهيز لجسر الملك سلمان إلى شمال سيناء، وسيتم وضع حجر الأساس للجسر قبل 2020 ".
ان تكون وجهاً قيادياً في عقده الثالث يطل على بلاده والاقليم والعالم، فهذا لا بدّ بحاجة الى رؤية تترجم الى خطة عمل تتحول الى افعال، وقد تكون صياغة رؤية ما مسألة ليست بالغة الصعوبة، اما ان تترجم الى ارقام، وأفعال، ومشاريع ونتائج، فذلك ما يحوّل الرؤية الى قيمة وطنية تجعل صاحبها يستحق صفة القائد، وتدفع مجتمعه وجمهوره وحتى منتقديه، للتحلق حوله و السير بالاتجاه الذي تفضي اليه هذه الرؤية.
واستطاع الامير محمد، أن يغير من قواعد اللعبة مع الولايات المتحدة التي شهدت العلاقات معها في السنوات الاخيرة لرئاسة باراك اوباما، تراجعاً أثر في وضع المنطقة كلها. وكان من نتائج ذلك أن اختيرت السعودية وجهة خارجية اولى لرئيسها دونالد ترامب، في زيارة رفيعة، مع وفد من كبار شخصيات الادارة الامريكية، الزيارة تركت انطباعاً ايجابياً كونها أول زيارة خارجية احتفت بها الصحافة الامريكية والعالمية. وأثمرت عن ثلاث قمم دولية مهمة.
لم ينظر الامير محمد، الى العلاقات الاستراتيجية مع زعيم العالم الولايات المتحدة الامريكية، على انها منتهى الآمال ومحطّ الرحال، على العكس من ذلك فتحالفه مع واشنطن لم يمنعه من طيّ سجل ما شاب العلاقات مع روسيا، خلال العقد الماضي، خاصة بعد تدخلها عسكرياً في الشأن السوري، فشهدت العلاقة مع روسيا تطوراً واضحاً، كما أن التنسيق النفطي بين البلدين عاد بأسعار النفط عالمياً الى الاستقرار.
لغة المصالح
هي اذن لغة المصالح في العلاقات الدولية، ومفهوم عميق للشراكات الاستراتيجية، فأن تقيم علاقات شراكة اقتصادية نوعية مع اليابان، لا يعني ان لا تتمتع بعلاقة استثنائية مع العملاق الصيني، وفق خلطة تتجاوز مفهوم الايديولوجيات الى ادراك حقيقي لكنه المصالح والعلاقات. فلسفة تُبنى على المصالح (فليس هناك اعداء دائمون بل مصالح دائمة).
وأن نتحدث عن البراغماتية السياسية والنفعية الاستراتيجية، فهذا لا يعني ان لا خطوط حمراء لدى الرياض؛ انها ايران فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، يقول الامير محمد " كيف تتفاهم مع نظام لديه قناعة راسخة بأن نظامه قائم على إيديولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره ومنصوص عليها في وصية الخميني".
ولي عهد البحرين في مقال لـ«الرجل»: الأمير محمد بن سلمان لدية رؤية واضحة للتقدم والإزدخار بالمملكة
ايران تحبس انفاسها
وبالتأكيد اثار الامير محمد، بموقفه الحازم توجّس ايران، فهو لم يوارب او يماري في موقف بلاد الحرمين من سياسة طهران العبثية التخريبة في المنطقة، نافياً ان يكون من الحكمة ان تنتظر السيل حتى يصل الى باب بيتك قائلاً "نعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني، الوصول لقبلة المسلمين هدف رئيس للنظام الإيراني، لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران، وليس في السعودية".
الاستقلاية والقوة
ومما لا شك فيه يدرك الامير محمد بعمق معادلة مفادها، ان تملك امرك في السياسة لا بدّ ان تكون قوياً، ومن هنا بزغت فكرة شركة الصناعات العسكرية السعودية ، "لماذا لا استفيد من كوني "ثالث أكبر بلد في العالم ينفق على التسليح العسكري 99% منه خارج المملكة". يرى الامير محمد، انها " فرصة ضخمة جداً لخلق صناعات كبيرة داخل المملكة، وخلق وظائف وخلق تنمية، وما يميّز هذا الأمر أن القرار بيد الحكومة 100%، فالحكومة اليوم اتخذت قراراً تشترط فيه ربط أي صناعة لها بمحتوى محلي".
الاقتصاد ذروة السنام
ولعل ذروة سنام سياسة عراب التغيير السعودي هو الاقتصاد، فرؤية الامير محمد اثبتت، وباعتراف الداخل والخارج، ان تصوره لمملكة الغد، ابعد من مجرد رؤية، فهي تحمل ربما - بحسب اقلام كبار كتاب الصحف الغربية - صفة الثورة لتحقيق اهداف، طالما جرى الحديث عنها، دون السير نحو تحقيقها بشكل عملي، حيث يبدو مصطلح تنويع الاقتصاد وكسر الاعتماد الاساسي على النفط، ومنح الاقتصاد سلة جديدة من المداخيل، شعار الامير محمد، هو شعار ترجم الى فعل، ليس اقله قرار طرح "أرامكو" للاكتتاب العام؛ هذا الكيان النفطي السعودي العملاق وجوهرة اقتصاده، الأمير قرر ان يجعلها مشاعاً لكل من يملك رأس المال، خاصة أن لـ"أرامكو" خصوصيتها في المجتمع السعودي.
يدرك الامير ان تنويع الاقتصاد بحاجة الى حامل، والرؤية بحاجة الى استراتيجية، ففي اطار خططه لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليل اعتماده على النفط، يجري العمل على خطة لتأسيس اكبر صندوق سيادي في العالم، بحجم استثمارات يتجاوز التريليوني دولار، بتخصيص أقل من 5% لشركة "أرامكو " الوطنية النفطية التي ستتحول إلى أكبر المجموعات الصناعية في العالم. وهنا يقول الامير عبارته المشهورة" خلال عشرين عاماً سنصبح اقتصاداً أو دولة لا تعتمد بشكل أساسي على النفط". يضيف ولي العهد :"لا اهتم إذا ارتفعت أسعار النفط أو انخفضت، فإن حصل الارتفاع يعني اموالا إضافية، في اطار العمل من أجل مستقبل لا نفطي، وإن انخفضت فإن السعودية كأقل بلد يتكلف على إنتاج للنفط".
رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يكتب لـ«الرجل»: ولى العهد يمثل نموذجاً جديداً للقيادة العربية
شعلة مكوكية يعمل على مدار الساعة
لم يفارق الامير محمد، والده الملك سلمان، في حله وترحاله، لدرجة انه آثر اتمام دراسته في السعودية، ولم يغادر للدراسة خارجها، فاستحق ثقة والده وأمسك بمفاصل البلاد مستحقاً بذلك ثقة الملك المطلقة.
يعرف عن الأمير محمد، أنه شعلة مكوكية، وصاحب تطلعات اصلاحية واسعة النطاق، بلا مواربة او تساهل، فهو يقول "لن ينجو أي شخص تورط في قضية فساد مهما كان منصبه، سواء كان وزيراً أو أميراً". هذه العبارة اشعلت رواد مواقع التواصل، ووضعت خارطة عمل لمسؤولي البلاد جميعا، ولعل هذا التوجه، وهذه النظرة جعلته محط الأنظار، خصوصاً بعد أن جعل مدينة الرياض حالة عملية لرؤيته المستقبلية، قارعاً جرس العمل، ليأمر على سبيل المثال لا الحصر، جميع الوزارات بوضع مؤشرات أداء رئيسية، وإطلاعه عليها شهرياً، ويقوم بزيارات صباحية للوزارات ضارباً بخمولها، وتباطؤها عرض الحائط، محولاً اياها إلى وزارات حيوية تعمل على تطلعات مستقبل جديد، ليبلور نظرته الشبابية، وطموحه غير المحدود في دولة عصرية، منجزة، تسابق الدول المتقدمة داخلياً.
الأمير محمد، أثبت أن الرياض على استعداد للتضحية بالدم والوقوف ضد أي خطر يهددها، ويهدد منطقة الشرق الأوسط، واحتوت أجندته الخارجية عقد تحالفات قوية للسعودية، تمكّنها من تحقيق الاستقرار في المنطقة، رافعاً عصا الحزم تارة، وماداً يد الحوار تارة أخرى، خاض حرباً لإعادة الشرعية إلى اليمن، خاصرة المملكة الحساسة، عبر عاصفة الحزم. كما كان قائداً للتحالف الاسلامي الذي عمل عليه طويلاً، لخلق جيش اسلامي قادر على مواجهة أي تعدٍّ أو عدوان. كانت له جولة مكوكية بين الصين، اليابان، روسيا، أمريكا ودول أخرى، للبحث عن تحالفات وحلول سياسية قوية لقضايا المنطقة، ولعل المتابع لصحافة العالم يدرك الانطباع الايجابي الذي تركه الأمير لدى قادة كل بلد زاره.
يعمل الامير محمد، ما يتجاوز 16 ساعة يومياً، كما يقول فريقه الحكومي، ويرسم خطط مستقبلية لسعودية الغد، لم ينسَ قطّ، الجانب الخيري متأثراً بوالده في مجال العمل غير الربحي، حيث أسس مؤسسة خيرية تحمل اسمه، وهي 'مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية "مسك الخيرية"، التي يترأس مجلس إدارتها، والهادفة إلى دعم تطوير المشاريع الناشئة والتشجيع على الإبداع في المجتمع السعودي.
كل ذلك دفع احدى اهم الدوريات الامريكية، وأكثرها تأثيراً، مجلة السياسة الخارجية الأمريكية " فورين بوليسي " لاختيار ولي العهد، وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، في قائمة الأكثر تأثيراً في العالم، ضمن قائمتها السنوية لأهم 100 مفكر في العالم لعام 2015. المجلة قالت:"إن الأمير الشاب تمكَّن من إيقاف خصوم المنطقة والسعودية".
وإلى جانب منصبه في وزارة الدفاع، يرأس الأمير محمد بن سلمان مجلس الشؤون الامنية والسياسية، وكذلك مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي الذي يضمّ مجموعة من الوزراء، يلتقون أسبوعياً، للإشراف على جميع عناصر السياسة التي تمسّ الاقتصاد، أو القضايا الاجتماعية، مثل التعليم، والصحة، والاسكان.
ويؤمن الأمير محمد، بقدرات الشباب ويمنحهم الفرص، كما أنه اعطى للشباب السعودي فرص في مناصب قيادية. وهو في الوقت نفسه، يضع معايير تقييم مقننة تجعل الانتاجية وتطوير الاداء، هي الفيصل في تحديد استمرار المسؤول من عدمه. وهذا رفع من انتاجية العمل الحكومي وسرعة ادائه.