هكذا يرفع التركيز معدّل استيعابك
محمد النغيمش
من أكثر الأسئلة التي توجه إليّ في الدورات التدريبية والمحاضرات العامة، ما يتعلق بصعوبة التركيز أثناء الاستماع إلى حوارات الناس. وكان ذلك قبل انتشار حمى الهواتف الذكية التي بددت ما تبقى لدينا من تركيز ، بعبارة أخرى صارت حاجتنا إلى التركيز في ما نسمع أكبر من أيّ وقت مضى.
قبل أيام كنت أتصفّح دراسة علمية حديثة، صادرة عن دورية الإنصات الدولية، حيث قدم لنا الباحثون في جامعة سويسرية دليلاً علمياً جديداً يؤكد قوة التركيز في رفع معدل استيعاب الكلام المسموع، وأنه كلما زادت حصيلة مفردات اللغة، أسهم ذلك في سهولة استيعاب اللغة التي يتعلمها الفرد.
وهذا يعني علمياً أننا حينما نصغي إلى حوار بلغتنا الثانية، فإن استيعابنا يرتفع كلما كانت لدينا مجموعة أكبر من المفردات، تماماً مثل حل لغز الكلمات المتقاطعة؛ فكلما عرفنا كلمات أكثر، كنّا أسرع من غيرنا في فهم الحل.
وبعكس ما هو شائع، تبيّن أن المقدرة على التركيز ذات أهمية أكبر للإنصات، مقارنة بتأثير التركيز على الاستيعاب أثناء القراءة. ذلك أن الإنصات يتطلب تركيزاً أعلى في فهم المرء لما يتناهى إلى أسماعه مقارنة بنص مكتوب.
صحيح أن البحث الذي كان بعنوان "دور التركيز ومفردات اللغة ومفهوم الذات في مدى الاستيعاب أثناء الإنصات والقراءة" ،قد أجري على 345 طفلاً في الصف السادس، لكن نتائجه واقعية، ويمكن أن نستفيد منها جميعاً. فقد جمع لنا الباحثون، مثلاً، طائفة من دراسات سابقة كان فحواها ان مسألة تقوية التركيز، هي أمر يمكن تعلمه من خلال عددمن التمارين عبر الحاسوب، أو ممارسة رياضات بدنية أو ذهنية التي أظهرت "نتائج جيدة"، خصوصاً لمن يعاني صعوبات بالغة في التركيز.
ومن طرق رفع التركيز، أنه إذا تكلم محدثنا نقبل عليه بكل جوارحنا، مستشعرين أننا نخاطب أهمّ شخص في هذا العالم. لا ضير أن نمثل في البداية من دون تكلف، لأنه مع مرورالوقت، سوف يتحول الأمر إلى فعل تلقائي وعفوي فينا. وسيُصبِح الأمر سهلاً إذا تدربنا على ألا نرفع أعيننا عن المتحدث، ولا ننشغل بما يجري حوله. هكذا يرتفع التركيز تدريجياً، فينمّ عن خلق رفيع نمارسه من دون أن نشعر. ومن أكثر ما يعجبني في الشعوب الغربية، أنه ما أن يتحدث الشخص، حتى ينصبّ جل تركيزهم عليه؛ يالها من فضيلة راقية نحن أولى بها.
التركيز في الكلام المسموع مسألة في غاية الأهمية، لأن التهاون بها يضيّع علينا معلومات مهمة لايمكن أن تعاد. مثل الإنصات إلى مناظرة أو محاضرة مهمة على الهواء مباشرة. كما أنه، ليس من مكارم الأخلاق أن ننشغل عن المحدث ثم نزعجه بأسئلة استفهامية، لا تؤكد سوى أننا لم نُعرْه اهتماماً يذكر!
وحتى نكون منصفين، فبعض الحوارات التي تبثّ السلبية وتثبيط العزيمة بعيداً عن الطرح الموضوعي، يجب ألّا نعيرها اهتماماً، خصوصا إن كانت صادرة من فرد، ليس لديه خبرة في ما يسديه إلينا من نصائح.
إن محاولة رفع مستوى التركيز، أثناء تحدث الآخرين إلينا، هو سلوك يمكن اكتسابه بتقليد نماذج مشرّفة من حولنا، فكم من سلوك حميد اكتسبه صاحبه بالمران