رفيق الحريري: من معلّم مدرسة.. إلى رئيس حكومة
الرجل: سبتمبر /ايلول 1994
حين جاء رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة اللبنانية في الثاني والعشرين من اكتوبر / تشرين الاول 1992 استبشر اللبنانيون خيرا بهذا الرجل الذي ولد من عائلة بسيطة في صيدا جنوبي لبنان وذاع صيته فيما بعد، حتى اضحى واحداً من اغنى مئة شخصية في العالم، وفقاً لمجلة "فورتشون Fortune"، الامريكية المعروفة. ولقد رأى اللبنانيون ان وجود رجل من طراز رفيق الحريري، وهو رجل الاعمال الواسع الشهرة، مؤشراً واضحاً إلى بداية خروج بلدهم من نفق الحرب المظلم الذي امتد 17 عاماً. ولا غرو ان يمنحوا ثقتهم لرئيس حكومتهم الجديد ويتخوفوا في الوقت نفسه من فشله او إفشاله، في بلد وصفت ارضه بالرمال المتحركة. ولقد تسلح الحريري بتلك الثقة ومضى يخطط لإعمار البلاد وإعادتها الى عصرها الذهبي كما اعلن ذلك بصراحة.
ومن يتعرف إلى نشاة الحريري ومسيرته العملية، لا بدّ ان يدرك مدى انعكاسها على شخصيته وتصرفاته وطباعه.
ولد الحريري في مدينة صيدا جنوبي لبنان 1944. والده بهاء الدين كان مزارعاً. اشقاؤه: شفيق (اسمه حسب السجلات وليد)، وهو حائز على الإجازة من كلية التجارة في جامعة بيروت العربية. وبهية وهي نائبة في البرلمان اللبناني سنة 1992، وحائزة على شهادة دار المعلمات، وعملت مدرسة لمدة عشر سنوات.
اما رفيق فقد درس المرحلة الابتدائية في مدرسة فيصل الأول المجانية التابعة لجمعية المقاصد الاسلامية، ثم تابع المرحلة الثانوية في ثانوية المقاصد في صيدا، ونال شهادة التوجيهية المصرية سنة 1964. وعمل في قطاف الحمضيات في صيدا، ثم في قطاف التفاح في البقاع بعد نهاية موسم الحمضيات. ويقال انه اشترى فيما بعد تلك الارض التي عمل فيها وتذكره بأيام الشقاء. التحق بكلية التجارة في جامعة بيروت العربية سنة 1965، وعمل اثناء دراسته محاسبا في "دار الصياد" نهاراً وفي جريدة "الانوار" ليلاً، ليتمكن من اعالة نفسه. وفي الجامعة تعرف الى "حركة القوميين العرب". وانضمّ اليها، مثلما تعرف إلى زميلته العراقية نضال بستاني، فتزوجها قبل ان يكمل دراسته الجامعية.
في عام 1966 سافر إلى المملكة العربية السعودية، بعد ان قرأ إعلاناً نشرته جريدة "النهار" البيروتية لطلب معلمين في المملكة. وهناك عمل مدرساً للرياضيات في "ليسيه جدة"، ولكنه انتقل بعد سبعة اشهر الى "مؤسسة ناصر الرشيد"، ليعمل مدققاً للحسابات، واستمرّ في عمله هذا سنتين. لكن مدقق الحسابات قفز قفزة مهمة حين اسّس سنة 1970 شركة خاصة اسمها "سيكونيست"، تمكنت سنة 1977 من الاشتراك مع شركة فرنسية تدعى " أوجيه" في انشاء فندق في الطائف خلال تسعة اشهر، بعدما اعتذرت جميع الشركات الاخرى عن اتمام ذلك خلال هذا الوقت. وكان الملك خالد بن عبد العزيز، رحمه الله، يرغب في انشاء هذا الفندق في فترة قياسية لاستضافة مؤتمر القمة الاسلامية، وبعد هذا النجاح الذي حققه الحريري جرى دمج شركة "سيكونيست" بشركة "أوجيه" التي اشتراها وأطلق عليها اسم "سعودي اوجيه" ومنح الجنسية السعودية سنة 1978.
وقد كسب الحريري اثناء عمله في السعودية احترام الكثير، نظراً لوفائه لأصدقائه وامانته وقدرته على النجاح.
وقد سألت "الرجل" بعض معارف الحريري في السعودية الذين قالوا إنه لا يزال على اتصال بهم ولم يغيّره كرسيّ الرئاسة.
وعن بداياته ذكر احدهم الذي قال إنه عرف الحريري منذ عام 1982، أنه شدّ انتباهه قدرة الحريري على متابعة التفاصيل الدقيقة، وهي من المميّزات القليلة التي تراها بين رجال الاعمال اليوم. وقال إنه كان يحرص على تنفيذ وعده قبل الموعد، ولهذا السبب برز سريعاً بين رجال الاعمال الآخرين. وعندما سألته "الرجل" الا تعتقد ان علاقاته وتوافر الاعتمادات المالية الكبيرة لتنفيذ المشاريع في السعودية هي التي جعلت منه رجلاً مهماً ومليونيراً؟ قال يجب ان نتذكر ان كثيراً من رجال الاعمال في السوق السعودية انسحبوا او انكمشت اعمالهم كثيراً، بسبب الهبوط الحاد الذي منيت به السوق، بعد تراجع اسعار النفط، بل أفلس عدد منهم وتوقفت مشاريع كثيرة الا عند الحريري. فقد زاد نجاحاً في وقت صعب للغاية، وظل محافظاً على وعوده باستكمال مشاريعه حتى الخاسر منها. إن هذا اكسبه الكثير من الاحترام في المجتمع السعودي والعربي عموماً.
تزوّج رفيق للمرة الثانية، السيدة نازك عودة سنة 1976 التي كانت متزوجة سابقاً، ولها ابنة هي جمانة (متزوجة من نزار محسن دلول)، وله منها 3 أولاد: ايمن (1978)، فهد (1970)، هند (1984).
وللحريري خمسة اولاد ابنه الأكبر بهاء من مواليد سنة 1966، وزوجته قمر شهاب. وقد فجع الأب بوفاة ابنه حسام الدين في حادث سير في الولايات المتحدة، سنة 1991 وأطلقت الجامعة الامريكية في بيروت اسمه على أحد مبانيها، والولدان المذكوران من زوجته الاولى.
وتابع الحريري خطوات نجاحه وتوسع شركاته وممتلكاته حيث أنشأ "المؤسسة الاسلامية للتعليم العالي" في صيدا سنة 1978. كما اشترى سنة 1979 جميع اسهم "سعودي اوجيه" ثم اسس شركة " اوجيه انترناشيونال" في باريس التي تملك "سعودي اوجيه" 99% من اسهمها، وتولت هذه الشركة الدراسات الفنية وتقديم الخدمات الضرورية لتنفيذ المشاريع الكبرى التي تتولاها شركة "سعودي اوجيه". وفي عام 1980 أنشأ المجمّع الثقافي والطبي في كفر فالوس في جنوبي لبنان وهو يتألف من مستشفى وكلية للطب وأخرى للهندسة ومدرسة مهنية وأخرى ثانوية ومجمّع رياضي كبير. وقد دمرته ميليشيات جيش لبنان الجنوبي التي عصفت بمنطقة شرق صيدا.
وفي عام 1980 اسس شركة "اوجيه لبنان" التي تولت فيما بعد اعادة تأهيل بيروت وصيدا وطرابلس. ثم اقام عددا من المرافق في صيدا وبيروت، واشترى سنة 1984 "ليسيه عبد القادر" في بيروت وأنشأ ثانوية رفيق الحريري في صيدا. وفي سنة 1986 اشترى المدرسة الانجيلية في بيروت التي صارت تعرف بثانوية رفيق الحريري الثانية.
اما عمله الأبرز على صعيد مساعدة الطلاب، فكان في عام 1983 حين أنشأ مؤسسة الحريري للإنفاق على تعليم الطلاب وتقديم المنح والقروض اليهم لمتابعة دراستهم الجامعية في لبنان وخارجه. وتنفق هذه المؤسسة سنوياً 80 مليون دولار على شكل منح ومساعدات وتنتشر فروعها في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وتخدم 30 ألف طالب لبناني.
الاقتصاد ثم السياسة
وإطلالة الحريري الاقتصادية في لبنان سبقت اطلالته السياسية، او قد مهّدت لها، حيث سلطت الاضواء عليها في عام 1982، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. يومها وضع الرجل امكاناته بتصرف الدولة اللبنانية وقامت شركته "اوجيه لبنان" بعملية تنظيفات لإزالة الركام الذي خلفه الاجتياح الإسرائيلي في بيروت وصيدا، وعمدت الى تنظيف العاصمة وتأهيلها مجدداً وبناء ارصفتها واصلاح شبكات الماء والكهرباء والهاتف وإنارة شوارعها. وقامت بعملية تحديث شاملة لمدينة صيدا وتجميلها، كما تولت الشركة نفسها تأهيل مدينة طرابلس عاصمة لبنان الثانية، بعد الدمار الذي أصابها سنة 1983. وأسهم رفيق الحريري في مؤتمري جنيف ولوزان سنة 1984 الذي جمع سائر الفرقاء في لبنان، للبحث عن حلول انقاذية لوقف المعارك والتدهور في البلاد، كما كان له دوره الابرز في مؤتمر الطائف سنة 1989 الذي انهى الحرب ووضع اسسا وفاقية لمرحلة مابعد الحرب. وأدى هذا المؤتمر الى انتخاب رئيس للجمهورية هو النائب والوزير السابق رينيه معوض الذي اغتيل بعد ايام من انتخابه، لكن المجلس النيابي عاد فالتأم، رغم فظاعة الحدث، واختار الياس الهراوي رئيساً للبلاد، في موقف أكد اصرار اللبنانيين على طيّ صفحة الاقتتال. وقد كان الحريري على علاقة جيدة بالرئيس الهراوي الذي يقول إنه كان اكثر المتحمّسين لتسلمه رئاسة الحكومة، خلفاً لحكومة الرئيس رشيد الصلح التي اجرت اول انتخابات نيابية بعد انقطاع 17 عاماً. لكن الرئيس الهراوي يأخذ على صديقه الحريري ابتعاده عن التعاطي المباشر مع شؤون الناس والتقرب منهم، وهذا ما يفسّر ربما لجوء الرئيس الحريري في الفترة الاخيرة الى الإكثار من ظهوره العلني في اكثر من مناسبة، يذكر منها على وجه التحديد مشاركته المفاجئة في تشييع الذين قتلوا في الغارة الإسرائيلية الاخيرة على الزهراني.
إعلام وسياسة
ويعترف الحريري بأنه يحب الاعلام. ومن هنا يأتي امتلاكه لإذاعة "الشرق" في باريس التي أسست عام 1981، وتلفزيون المستقبل، وتلفزيون "المستقبل" في لبنان، و35% من اسهم شركة تلفزيون لبنان، وعدد من اسهم تلفزيون N.T.V التابع للحزب الشيوعي اللبناني، وبعض أسهم شركة CTV التلفزيونية. كما يملك امتياز مجلة "المستقبل" التي كانت تصدر في باريس، وجريدة "صوت العروبة" وعدداً من اسهم "دار النهار". ويشدد الحريري عند حديثه عن الإعلام على انه لم ينفق فلساً واحداً من اجل إسكات منتقديه او ضمّ مؤيدين له من الجسم الصحفي.
ومهما قيل في الحريري وفي ثروته التي تراوح بين الاربعة والستة مليارات دولار، فإن الكثير من اعماله شاهد على حبه لوطن نشأ على ارضه وعقد العزم على انقاذه، لا الابتعاد عنه في طائرة خاصة ويخت كبير.
المنشآت التي نفذتها "أوجيه"
اهم المشاريع والمنشآت التي نفّذتها "سعودي أوجيه":
- فندق إنتركونتيننتال في مكة.
- مركز الشروق الحكومي في الظهران.
- مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف في المدينة.
- المركز الحكومي في الرياض بتكلفة 3 مليارات ريال.
- مشروع "الفا" في الرياض الذي يضمّ مجلس الشورى والديوان الملكي.
- فندق "المسرّة" الدولي في الطائف.
- المدينة الحكومية في الدمام.
- قصر الأمويين في دمشق.