واصف كابلي لـ "الرجل" 3 قرون من التجارة وحريق فرق العائلة
جدة – عبدالهادي حبتور
تتكئ عائلة الكابلي التجارية على خبرة تراكمية لأكثر من ثلاثة قرون في مكة المكرمة بدأت نشاطها في استيراد وبيع المجوهرات بجانب الحرم المكي الشريف، واستمرت لجيل الأحفاد الذين توسعوا وعملوا في تجارة الحلويات، الألعاب، والملابس النسائية.
يصف الدكتور واصف كابلي البدايات بأنها كانت صعبة لاسيما على جيل المؤسسين الذين بعثر حريق في محلاتهم بجانب المسعى شمل الإخوة السبعة الذين كانوا يمتلكون سبعة محلات للمجوهرات في ذلك الوقت، وهاجروا إلى دول عديدة.
وفي حواره الموسع مع مجلة "الرجل" قال كابلي أن دخول الشباب السعودي إلى سوق العمل لابد له من تجربة سابقة وخبرة، فمن السهولة للمتخرجين من الجامعات فتح أعمال خاصة بهم، لكنه الخسارة ستكون النتيجة الأوفر حظاً لعدم امتلاكهم للخبرة والإدارة المحترفة.
وأشار الدكتور واصف بأن مستقبل المنتجات السعودية على خارطة الاقتصاد العالمي إيجابية ومبشرة، مبيناً أن الشركات السعودية اتنافس الكثير من الشركات العالمية في الجودة والأسعار المنخفضة لوجود الدعم لبعض السلع والدعم اللوجستي للصناعة.
• بداية دكتور واصف، حدثنا عن النشأة المكان والزمان ؟
في الواقع، العائلة كانت في مكة المكرمة وبدأ أجدادنا منذ قرابة 300 سنة في تجار المجوهرات عند المسعى، كانوا سبعة إخوة لديهم سبعة محلات، لكن في أحد السنوات حدث حريق كبير في هذه السوق واحترقت محلات الاخوة جميعها، الأمر الذي جعل بعضهم يهاجر إلى ماليزيا، وآخر ذهب اليمن، وآخر مصر، وأحدهم السودان، لكن جدي لوالدي بقي في مكة المكرمة.
واستمر جدي في تجارة المجوهرات، كما كان عالماً في مجال الفلك، وأذكر هنا أنه كان أول من أدخل السيارة مع سائقها إلى مكة المكرمة، لكن الشريف صادرها منه في ذلك الوقت، وبعد معاناة الحرب العالمية والسفر الطويل في التجارة، ازداد الضغط على والدي فقرر الالتحاق بوظيفة من أجل تامين متطلبات الأسرة، لكنه استمر في العمل التجاري بشكل خفيف. كان وقتها رئيساً لنقابة السيارات في مكة المكرمة، وكان تعيينه من الملك فيصل مباشرة، وعاش 30 سنة في هذه المهنة حتى تقاعد.
بالنسبة لي درست في معهد العاصمة النموذجي او معهد الأنجال بالرياض، عدت بعدها الى إكمال دراستي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وكنت أمارس التجارة منذ الابتدائية وهو ما دفعني لرفض الابتعاث للخارج، أتذكر أنني كنت أتاجر في الفصوص والعقيق والسبح، ثم استيراد الساعات، والاجهزة والراديوهات.
وفي الجامعة كان من أحد زملائي من عائلة بشير شودري أكبر وكيل للحلويات في ذلك الوقت، فاتفقت مع ابنه على فتح محل حلويات في جدة امتداداً لعمل والده في مكة، وكان ذلك في أواخر السبعينات الميلادية، بعدها فتحت محل ألعاب أطفال، ثم تزوجت وشاركتني زوجتي العمل، وإثر ذلك فتحت محل ملابس نسائية ونجح لأن زوجتي هي من يختار ما ترغبه النساء، ومن هذا المنطلق أشجع النساء للعمل في التجارة، بعدها توسعت واشتريت قهوة الشباب في الشرفية، وعملت مكانها معرض دورين يحوي ألعاب وحلويات وملابس، واسميته دنيا الشباب.
منعطفات حادة في حياته
في الحقيقة هناك نقاط تحول كثيرة أثرت في حياتي، لكن من أبرزها نقطة تحول وأنا في المرحلة الإعدادية كان وقتها عمري 16 سنة في العام 1964م، قرر الوالد أن يعطينا إجازة للسفر ومبلغ من المال مقابل أن نعمل في ألمانيا في مصانع أحد أصدقائه.
وبالفعل سافرنا وكنا ثلاثة إخوة من مصر بسيارة أخي الأكبر الذي كان يدرس هناك، فتوجهنا إلى إيطاليا ومنها إلى المانيا حيث عملنا في المصنع لمدة شهر وكان أجرة الساعة 5 مارك، نعمل ثماني ساعات، كما كنا نعمل يومي الإجازة الأسبوعية السبت والأحد بضعف الأجر، وكنا نسكن في بيوت الشباب لتوفير المصاريف، كان نظامها أن تعيش اليوم الأول بمارك واحد، اليوم الثاني عليك المساهمة في النظافة، وفي الثالث تنزل المطبخ، بعدها تنظف الحمامات وتشترك في جميع النشاطات في هذه البيوت، ولاشك استفدنا من هذا البرنامج، وأعطتنا التجربة قوة في الاعتماد على الذات وتنظيم المصروفات والتوفير، وقتها أعطانا الوالد 10 آلاف ريال شيك مصرفي للطوارئ، ورجعنا بالشيك كما هو.
نقطة أخرى مهمة في حياتي، وهي عندما احترقت جميع محلاتي التجارية في أواخر السبعينات الميلادية، كنت وقتها مسافراً لعلاج الوالد، فشب حريق في المنطقة وحول جميع محلاتي إلى ركام، لكنني لم أستسلم وبدأت من الصفر، قمت بتسديد ديون الشركات وعملت بجد حتى استعدت تجارتي.
برأيك، ما هي أسباب ظاهرة التستر التجاري.. وما هي الحلول ؟
فبعض المهن من الصعب أن يكون فيها سعودة لا من ناحية المالك ولا العمالة التي تعمل فيها، مثل البناشر أو محلات السباكة والكهرباء أو الورش الصناعية أو خدمات الصرف الصحي.
- لكن ماذا عن المعاهد والكليات الصناعية والتقنية ومخرجاتها في المملكة؟
- للأسف مخرجاتها لا تتناسب لاحتياجات سوق العمل ولابد من التنسيق مع وزاره العمل والخطة الخمسية للدولة في التركيز على صناعه البتروكيماويات في مخرجاتها، عندما نعطي خريجي المعاهد الفرصة ومجال لفتح ورش لهم وتمول عن طريق صناديق التمويل الحكومية كل هذا يساعد الشباب ولكن سرعان ما يتعرضوا للخسارة لعدم وجود حاضنات أعمال أو الخبرة في إدارة العمل في نفس الوقت لا يمكن اقفال النشاطات الحالية للأجانب بل المطالبة بالسعودة التدريجية ليتدرب أبناؤنا علي هذه الأعمال وطرق إدارتها. فمثلاً دبي لها تجربه في مشاركه الأجانب في الخدمات كما أن لهذه التجربة إيجابيات وسلبيات واستطاعت أن تتجاوز هذه المرحلة بأنها أعطت للأجنبي والمقيم الحق في فتح المحل والعمل التجاري والصناعي والخدمي والعمل نظامياً بضمانات بنكيه وكفيل مواطن شبه شريك له.
- كيف تنظر إلى سوق العمل اليوم، بعد أشهر من عمليات التصحيح التي قامت بها وزارة العمل ؟
- في الفترة الأخيرة خفت وتيرة الحملات التفتيشية على الشركات والمؤسسات والكيانات الصغيرة وإن كانت لا تزال مستمرة تعطي فرصه للتصحيح وقد يحتاج وقت أطول للتصحيح ونشوء كيانات خدمات متوسطة وكبيرة. التشديد في التطبيق الفوري قد شل الحركة التجارية بشكل كامل، وكان ذلك واضحاً جلياً في الورش ومحطات الوقود وقطع الغيار وغيرها من الخدمات، لذلك تم غض الطرف وهذا الغض لا أراه صحياً أذا طال، وأري أن نعطيهم الحق أن يعملوا في النور تحت مظلة الأنظمة الرسمية وليس في الظلام وقد تكون هذه خصوصيه لبلاد الحرمين (الغربية) كما ذكرت آنفاً، وتجربتي في شركه الكابلي لا يمكننا التوسع أو الحصول على عمالة جديدة إلا إذا ارتفع مستوانا في برنامج نطاقات وهو ما نعمل عليه دائماً للاستفادة من الكثير من العمالة الماهرة وأصحاب الخبرة الموجودة في البلد من سعوديين أولاً لرواتب مغريه ونظام حماية وتطوير مستمر لرفع قدراته وبلوغ مناصب أعلى تحقق طموحاته. بشكل عام أعتقد أن النظام أفاد السوق كثيراً والتباطؤ في الحملات جعل التطبيق تدريجياً، وهدأ الخوف الذي حدث في السوق وقابله ارتفاع في نسب السعودة والتصحيح.
- لديك تجربة جيده في توظيف الشباب والفتيات السعوديين، كيف تصف إنتاجيتهم والتزامهم بالعمل ؟
- صحيح كنت من أوائل الناس في عمل النساء والشباب فمنذ أكثر من 35 عاما أسعى لعمل وتوظيف الشباب وتدريبهم مع مواصلة دراستهم والمرأة تحديداً لقت اهتمام ورعاية، كما ذكرت زوجتي تعمل معي في التجارة خاصة العطور والأزياء، وكانت تسافر معي وتشرف على تدريب الموظفين على البيع والشراء وحتى اختيار الموظفين، كذلك كنت أوظف فتيات في السكرتارية والمراسلات وقسم المراسلات للرد على المكالمات والأعمال الإدارية، وكنت أشجع الفتيات بتوظيف بنات أخواني وزوجاتهم للعمل معي في الشركة تأكيداً على أن الجو آمن وأسري، وللعلم فإن مديرة شؤون الموظفين لدينا إمرأة وهي من تختار الموظفين في الشركة ووضعت خطه لتوظيف وتدريب ٨٤ وظيفه للسعوديين بمختلف درجاتها العلمية وخاصه القادمين من الابتعاث من دول عده للاستفادة من اللغات ونقل ما تعلموه لتطوير نشاطي في ١٢ فرع في أنحاء المملكة.
- كم تبلغ نسبة الفتيات في الشركة حالياً ؟
- إذا ما قسنا نسبتهن في الإدارة العامة بجدة تتجاوز 40 في المائة تقريباً وربما هن الأغلبية، وإنتاجيتهن أفضل من الشباب لأنهن يحافظن على الوقت دائماً ولديهن دقة وتحدي في عملهن في الحسابات وأداء المهام بحرفية عالية، وربما هناك مشكلة في التغيب لدى الفتيات بسبب حالات وفاة أو المناسبات الاجتماعية مثل الزواج، إلى جانب الحمل والولادة وغيرها وقد يتجاوزن ما أعطاهم نظام العمل.
- من واقع خبرتك بماذا تنصح الشباب الراغبين في فتح أعمال تجارية جديدة؟
- أعتقد أن دخول الشباب إلى سوق العمل لابد له من تجربة سابقة وخبرة، فمن السهولة لمن هو متخرج مهندساً ميكانيكياً فتح ورشة خاصة به، لكنه سيخسر لأن لديه مهنة لكنه لا يملك إدارة وخبرة، ومن وجهة نظري من الأفضل أن يشتغل في جهة معينة لاكتساب الخبرة والإدارة حتى لا يسقط مبكراً ويذهب رأسماله، وأنصح الشباب بالشراكة عبر أكثر من شخص ليعطيهم قوة مع بعض. كما أنني أرى مسؤوليه كبيرة على الغرف التجارية الأخذ بيد الشباب ومساندتهم بالخبرة للوقوف على أقدامهم.
- هل يعمل أبنائك في الشركة، وهل علمتهم أصول التجارة قبل الانخراط فيها ؟
- بالتأكيد، ولحسن حظي أن زوجتي من أهل الطائف وكان أفضل وأكبر محلاتي في الطائف، فكنت دائماً أجعل أولادي يعملون في المحل، حالياً أحفادي يعملون في الشركة مثلهم كأي عامل في التعامل، والآن ابني الكبير هو المسؤول الأول عن العمل، لكنه عمل قبلها في شركات أخرى ليتعلم ويكتسب الخبرة العملية بعيدا عن النظرة الفوقية بحكم انه ابن مالك الشركة، وأخيه الأصغر سوف يلتحق به بعد أن ينهي بعد الدورات التدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية.
- إذا ما انتقلنا للوضع التجاري في المملكة، كيف ترى قدرة التجار على المنافسة في الأسواق الخارجية ؟
- حقيقة الخيرات لدينا كثيرة وبأسعار منخفضة مثل التمور هناك كميات كبيرة وبعضها يتلف لعدم التخزين أو الحفظ الصحيح، المؤسسات الكبيرة تستطيع تخزينها وإعادة تعبئتها وتغليفها للتصدير الذي يتم بشكل مباشر، هناك أيضاً جازان فيها المانجو والجوافة والباباي والخضار بكميات كبيرة لكن ليس لدينا التجار الكبار الذين يقومون بإعدادها للتصدير لأسباب كثيرة لوجستية وغيرها ومنها صعوبة النقل والتخزين السليم ونتمنى أن نرى شركات للتخزين لإعادة التغليف والتبريد والتصدير والتسويق داخل وخارج السعودية، وهذا التنسيق يمكن إعطائه لمستثمرين أجانب كبار يقومون بكل الأمور كالتغليف والتبريد والنقل ويطلب منهم توظيف سعوديين في هذه الشركات بشكل تدريجي، الأنظمة الجديدة للمواصفات والمقاييس وهيئه الغذاء والدواء لها أثر كبير في حل كثير من مشاكل التجارة والميناء والجودة في المنتج والمستورد، فمن قام بتطبيقها وتواصل مع الأجهزة المعنية قبل الاستيراد مكنته من الفسح المباشر ولم يعد للمغامر حق دخول السوق بدون خبرة والمتاجرة بسلع متدنية غير مطابقه للمواصفات للدخول الرسمي إلا بالتهريب.