دراسة تكشف دقة البشر في تقييم الجاذبية والهيبة البصرية
كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Evolution and Human Behavior أن البشر حساسون بشكل لافت حتى لأدق الفروقات في الجاذبية البدنية أو القوة الجسدية الظاهرة لدى الآخرين.
وأظهرت النتائج أن المشاركين كانوا أكثر ميلاً لاختيار الشخص الذي يتمتع بدرجة أعلى من الجاذبية أو الهيبة البدنية، كلما زادت الفروق بين الصور، بل حتى عند وجود فروقات طفيفة جدًا.
وتدعم هذه النتائج فرضية أن العقل البشري طوّر قدرة دقيقة على التقاط هذه السمات عبر التاريخ، لما لها من ارتباطات بالتفاعل الاجتماعي، والنجاح التزاوجي، وربما البقاء.
دراسة مزدوجة لاختبار إدراك الفروقات الطبيعية
أجرى باحثون من جامعة تشارلز دراستين متكاملتين: الأولى عبر الإنترنت شملت 446 مشاركًا، والثانية داخل مختبر مجهّز بمشاركة 56 شخصًا.
جميع المشاركين تراوحت أعمارهم بين 18 و40 عامًا، وطُلب منهم مقارنة أزواج من الصور تضم وجوهًا وأجسادًا لمقاتلين من رياضة الفنون القتالية المختلطة (MMA) يتمتعون بتباينات طبيعية في مظهرهم.
في كل مقارنة، عُرضت صورتان جنبًا إلى جنب، وطُلب من المشاركين اختيار الشخص الأكثر جاذبية أو هيبة، استنادًا إلى الحدس، وقيست مدة اتخاذ القرار بدقة.
نتائج متسقة وسريعة رغم فروقات طفيفة
أظهرت النتائج أن المشاركين كانوا قادرين على التمييز بوضوح حتى عندما كان الفارق بين الصور لا يتعدى نقطة واحدة على مقياس من سبع درجات. هذا الفارق البسيط أدى إلى احتمالية اختيار تتجاوز 80%، بينما أدى فارق نقطتين إلى اختيار شبه حتمي بنسبة تقترب من 100%.
لم تُرصد أي مؤشرات على وجود عتبة معينة لا يستطيع المشاركون بعدها التمييز، مما يشير إلى أن آلية الحكم البشري تعمل على نحو متدرج مع ازدياد الفروق، وليس بطريقة حدّية.
اقرأ أيضًا: دراسة: الأرز البني يحتوي على 40% زرنيخ أكثر من الأبيض
الجسم أكثر دقة من الوجه في الحكم على الهيبة
رغم أن القدرة على التمييز ظهرت في كل من صور الوجوه والأجساد، إلا أن دقة الأحكام كانت أعلى قليلًا عند مقارنة الأجسام، لا سيما عند تقييم الهيبة. هذا يشير إلى أن بعض الإشارات البدنية –مثل الطول أو حجم الكتلة العضلية – قد تكون أكثر وضوحًا للمراقب.
كما أظهرت بيانات سرعة الاستجابة أن المشاركين اتخذوا قراراتهم خلال فترة زمنية تتراوح بين ثانيتين وست ثوانٍ، وكانت الأحكام المرتبطة بالجسم تستغرق وقتًا أطول قليلاً من تلك المرتبطة بالوجه، ربما بسبب تعقيد تقييم البنية الكاملة مقارنة بالملامح.
العوامل الثانوية مثل الطول والوزن أقل تأثيرًا
حلّل الباحثون أيضًا تأثير الخصائص البدنية الأخرى، مثل العمر والطول والوزن، ووجدوا أنها تلعب دورًا ثانويًا نسبيًا مقارنة بدرجات الجاذبية والهيبة. على سبيل المثال، ميول المشاركين لاختيار الأفراد الأطول أو الأثقل وزنًا عند تقييم القوة كانت واضحة، لكنها ضعيفة نسبيًا عند ضبط التحليل وفق التقييمات الأصلية للجاذبية والهيبة.
ثبات في التفضيلات واختلافات طفيفة بين الجنسين
رغم أن بعض المشاركين أعطوا أولوية لعوامل معينة مثل الطول أو حجم الجسم، فإنهم أظهروا اتساقًا واضحًا في تفضيلاتهم عبر جميع المقارنات.
لم تُظهر النتائج فروقًا كبيرة بين الرجال والنساء في طريقة الاختيار، باستثناء فروق بسيطة في زمن اتخاذ القرار، قد تُعزى إلى اختلاف بيئة التجربة (مختبر مقابل منزل).
اقرأ أيضًا: دراسة تكشف نمط غذائي يحافظ على الجسم والعقل حتى السبعين وما بعدها
النتائج تسلط الضوء على آليات الحكم الاجتماعي الفوري
تشير هذه الدراسة إلى أن تقييم السمات الاجتماعية البارزة مثل الجاذبية والهيبة يمكن أن يتم بسرعة وبمستوى عالٍ من الدقة حتى في ظروف واقعية وغير متطرفة. لكنها تعترف أيضًا ببعض القيود، أبرزها أن جميع الصور كانت لرجال، مما يفتح الباب أمام دراسات مستقبلية تشمل صور النساء، أو تقيّم الأحكام في سياقات تفاعلية أكثر تعقيدًا.