دراسة: الحرارة الشديدة تُسرّع الشيخوخة البيولوجية وتُغيّر الحمض النووي
كشفت دراسة حديثة أن التعرّض طويل الأمد لدرجات حرارة مرتفعة قد يُسرّع عملية الشيخوخة البيولوجية ويُحدث تغييرات دقيقة في الحمض النووي، مما يشبه تأثيرات التدخين والكحول على الجسم، ويُسلط الضوء على خطر التغيّرات المناخية على صحة الإنسان.
بينما يعرف الجميع التأثيرات السريعة والواضحة للتعرّض المباشر لأشعة الشمس، كضربات الشمس والإجهاد الحراري، إلا أن دراسة أمريكية حديثة كشفت أن الضرر الحقيقي قد يكون أكثر خفاءً، وأكثر خطورة على المدى الطويل. فقد توصّل فريق بحثي من جامعة جنوب كاليفورنيا إلى أن التعرّض المزمن لدرجات حرارة مرتفعة يُمكن أن يؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية للجسم، من خلال تغييرات دقيقة تطال الحمض النووي.
وفقًا لما أوردته منصة NPR الأمريكية، فقد نشرت الدراسة في مجلة Science العلمية، وشملت تحليل بيانات ما يزيد عن 3600 شخص من كبار السن في مختلف مناطق الولايات المتحدة، من ولايات حارة مثل تكساس وفلوريدا، إلى مناطق باردة مثل مينيسوتا ومونتانا.
تغيّرات جينية لا تُرى.. ولكنها تُسرّع التقدّم في العمر
يشرح الباحث الرئيسي، البروفيسور إيونيونغ تشوي، أن الشيخوخة البيولوجية لا تتطابق بالضرورة مع الشيخوخة الزمنية. فبينما تُقاس الأخيرة بالسنوات، تعتمد البيولوجية على مدى تغيّر أداء الخلايا والأنسجة في الجسم. هذا التغيّر يحدث نتيجة تأثيرات كيميائية متراكمة على الحمض النووي، تُعرف بـ"العلامات اللاجينية".
ويشير تشوي إلى أن الحرارة المرتفعة تؤثر في طريقة عمل الجينات، وليس بنيتها. ما يعني أن الإنسان قد لا يُصاب بطفرة جينية، لكن نشاط جيناته يتبدّل، فتعمل بعض الجينات بدرجة أقل أو أكثر، ما ينعكس سلبًا على وظائف الجسم الحيوية.
الحرارة تُعادل تأثير التدخين وشرب الكحول
توصّلت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأكثر حرارة في أمريكا يكبرون بيولوجيًا بنحو 14 شهرًا مقارنةً بأولئك الذين يقطنون في المناطق الأبرد. هذا الفارق في "العمر البيولوجي" له تأثيرات ملموسة على مستوى المناعة، والأيض، ومعدل ظهور الأمراض المزمنة.
ويشبه الباحثون هذا التأثير بـ"أضرار التدخين وشرب الكحول" على الجسم، مؤكدين أن التأثير يتراكم على المدى الطويل، ومعه تتراجع قدرة الجسم على مقاومة الأمراض أو الاستشفاء من الإصابات.
تغير المناخ والخطر الصامت على الصحة العامة
في ظل تسارع وتيرة التغير المناخي العالمي، تزداد أيام السنة التي تسجل درجات حرارة مرتفعة بشكل غير مسبوق. وهو ما يضع سكان المناطق الحارة في مواجهة مباشرة مع "شيخوخة صامتة" قد لا يلاحظونها إلا بعد فوات الأوان.
ويحذر الباحثون من أن هذه النتائج تستدعي مزيدًا من الأبحاث المستفيضة، ليس فقط لفهم التأثير بشكل أعمق، بل أيضًا لتحديد طرق الوقاية أو عكس الضرر. ويُشير بعض العلماء إلى أن أنماط الحياة الصحية – كتناول الغذاء المتوازن، وممارسة الرياضة، وتقليل التوتر – قد تساعد في الحد من آثار الحرارة على الشيخوخة الجينية.
اقرأ أيضًا: احذر قهوة الماكينات.. الباحثون يوصون بالتنقيط الورقي
الوقاية تبدأ بالوعي
يرى الفريق البحثي أن الخطوة الأولى للحماية تبدأ بالاعتراف بالحرارة كخطر بيولوجي مزمن، وليس فقط مصدرًا للإزعاج الصيفي أو ضربة شمس عرضية. ويُنصح السكان، لا سيما في المناطق الحارة، باتخاذ تدابير يومية بسيطة مثل:
- البقاء في الظل أو الأماكن المكيّفة خلال فترات الذروة
- شرب كميات كافية من المياه
- ارتداء ملابس فاتحة اللون وخفيفة
- تقليل النشاط البدني في الهواء الطلق خلال موجات الحر