كيف تحمي صحتك النفسية من الأخبار السيئة وتتجنب "التصفح المُهلك"؟!
قد تفتح هاتفك لمطالعة بعض الأخبار أو قصص الأصدقاء، وفجأة، تجد الوقت قد مضى، دون أن تدري كيف بلغت الصفحة التي أمامك، فلم تشعر بالوقت الذي مرّ منذ أن فتحت الهاتف، فيما استمر تصفّحك للأخبار السلبية لساعات بلا توقّف.
وقد لا تلقِي بالًا لهذا الهوس بتصفح الأخبار السيئة، الذي على الحقيقة له آثار بالغة على صحتك النفسية والجسدية، بل قد يحول بينك وبين أداء مهماتك اليومية بنشاطك المُعتاد، فلماذا قد يصير البعض أسرى لشاشات الهواتف بهذه الطريقة؟ وكيف نحمي صحتنا النفسية من سيل الأخبار المنهمر بلا توقف؟
هوس تصفح الأخبار السيئة!
يُطلَق "هوس تصفح الأخبار السيئة Doomscrolling" على التمرير عبر شاشة هاتفك، مرورًا بكمية مفرطة من الأخبار على الويب ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم أنّها تُسبِّب مشاعر سلبية لك.
وهذا مختلف عن مُجرّد قراءة الأخبار أو البقاء على اطّلاع بالمُجريات، لأنّ سلوك التصفّح يصير مستمرًا إلى حدٍ ما، حيث صارت حياتنا أكثر ارتباطًا بالمنصات الرقمية، خاصةً مع تسابُق مختلف المنصات في وضع الأخبار أمام القراء بعناوين رئيسة جذّابة، بما قد يجعل هوس تصفّح الأخبار السيئة أمرًا لا مفرّ منه في بعض الأحيان!
كم ساعة تقضيها على الإنترنت يومياً؟
حسب بيانات موقع statista، اعتبارًا من الرُبع الثالث من عام 2024، أمضى مُستخدِمو الإنترنت 6 ساعات و38 دقيقة عبر الإنترنت يوميًا، وعمومًا ارتفع متوسط الاستخدام اليومي للإنترنت بـ19 دقيقة بين الربع الثالث من عام 2015 والربع الثالث من عام 2024.
لذا فقد تكون مُعرّضًا للأخبار السيئة لساعات طويلة خلال اليوم، دون أن تشعر بذلك على الحقيقة.
كيف تعرف أنّك مُصاب بهوس تصفح الأخبار السيئة؟
إذا كُنت تقضي عِدّة دقائق أو ربّما ساعات في قراءة "القصص Stories" أو المنشورات عبر الإنترنت، تلك المنشورات التي في الغالب من النوع الذي يجلب الحزن، فمن المُحتمَل أنك تعانِي "التصفح المُهلِك" أو "هوس تصفح الأخبار السيئة".
وحسب المُعالِجة النفسية والمدرّبة "تيس بريجهام"، الحاصلة على ماجستير في العلاج الأُسري، فإنّ التصفّح المُهلِك يسقط في براثنه المرء عندما يجد نفسه يتصفّح قصة ما، دون أن يكون لديه أدنى فكرة عن كيفية وصوله إليها، بل لا يستطيع تذكّر سبب تصفّحه لهاتفه من البداية، بينما يجد نفسه يقرأ مئات التعليقات أو إعادة التغريدات "retweets" لشخص لا يتابِعه حتى.
ويمكِن تلخيص علامات هوس تصفح الأخبار السيئة في النقاط الآتية:
- تصفّح الأخبار عِدّة مرات يوميًا.
- قضاء فتراتٍ طويلة من الوقت في قراءة قصص الأخبار.
- الشعور برغبةٍ شديدة في تكرار تصفّح الأخبار، للخوف من فقدان حدثٍ أو شيءٍ مهم.
- قراءة العديد من المقالات حول نفس الموضوع الإخباري.
- إهمال المسؤوليات الأخرى بسبب التصفّح المستمر للأخبار، أو بسبب التأثّر النفسي الناجِم عن متابعة الأخبار السلبية بكثافة.
- صعوبة النوم بعد قراءة الأخبار.
اقرأ أيضًا:رهاب فقدان الهاتف المحمول.. إلى أي درجة تتعلّق به؟
أضرار تصفح الأخبار السيئة

قد يكون لتصفح الأخبار السيئة أضرار بالغة على الصحة النفسية، وحسب دراسةٍ نشرت عام 2021 في مجلة "Perspectives in Psychiatric Care"، فإنّ هوس تصفح الأخبار السيئة، قد يزيد خطر إصابتك بالآتي:
- الاكتئاب.
- القلق.
- التوتر.
- صعوبة النوم.
- الاحتراق النفسي.
كما قد يكون له عميق الأثر في مشاعرك، بما قد يُسهِم في الشعور بالخوف أو الحُزن أو كثرة المشاعر السلبية، خاصةً مع التعرّض المستمر والمباشر للأخبار السيئة.
وقد ذكرت "الرابطة الأمريكية للطب النفسي American Psychiatric Association"، أنَّ تصفح الأخبار السيئة قد يكون له آثار جانبية، حتى لو لم يكُن الشخص على درايةٍ بها.
هل الحالة النفسية تؤثر على الصحة؟
قد يشقّ تصفّح الأخبار السيئة باستمرار طريقه نحو صحة جسدك، وقد يتحوّل إلى عادةٍ تتعارض مع الأنشطة أو المسؤوليات في حياتك اليومية، بما قد يؤدي إلى:
- تناول طعامٍ غير صحي.
- زيادة الوزن.
- قلة ممارسة التمارين الرياضية.
- زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري.
كما قد يؤثر التعرّض لتلك الأخبار على قدرتك على التركيز والتفكير؛ وربّما تكون أقل قدرة على أداء المهام التي تتطلّب تركيزًا طويلًا، مما قد يؤثر في إنتاجيتك وقدرتك الإبداعية.
ما الأسباب الكامنة وراء هوس تصفح الأخبار السيئة؟
قد تكون هناك جذور نفسية وراء الاستمرار في تصفح الأخبار السيئة بلا توقّف، أو حتى هيمنة خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أخبارٍ بعينها، ومن ذلك:
1. التحيّز السلبي:
يميل الناس بطبيعتهم إلى التفكير في المواقف غير السارّة، وهذا التوجّه النفسي يُعرَف أحيانًا باسم "التحيّز السلبي"، الذي يجعلنا أكثر حساسية للمنبّهات السلبية، كالتهديدات أو المخاطر.
وربّما يكون لهذا التحيّز علاقة بالانكباب على تتبّع الأخبار السلبية، فالأخبار السلبية، كقصص العنف أو الانهيار الاقتصادي أو الاضطرابات السياسية، تجذب الانتباه بسُرعة وقوة أكبر من الأخبار الأخرى عادةً.
كما أنّ أدمغتنا من المُرجّح أن تُركِّز بشكلٍ أكبر على الأخبار غير السارّة، خاصةً مع خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تُفضِّل التركيز على القصص التي تثِير الوجدان بشِدّة، والتي غالبًا ما تنطوي على الخوف أو الغضب أو الحُزن.
2. وهم التحكّم والإفراط في المعلومات:
يميل الناس إلى البحث عن معلومات تساعدهم على اكتساب بعض السيطرة على بيئتهم، خاصةً في أوقات الأزمات، ومِنْ ثمّ فقد يكون هذا النمط من تصفّح الأخبار استراتيجية للتكيّف.
وربّما يعتقد بعض الناس أنّه من خلال البقاء على اطّلاع بالمشكلات القادمة، فإنّهم على أتمّ استعداد للتعامل مع الصعوبات القادمة، وبسبب الحاجة إلى السيطرة على الأمور، يستهلك المرء المعرفة باستمرار، على أمل أن تساعده معرفة كل كارثة قادمة على الهروب منها وتفادي خطرها بطريقةٍ ما.
لكن كثيرًا ما يأتي ذلك بنتائج عكسية، فعندما تتصفّح الأخبار السيئة باستمرار، ستشعر بمزيدٍ من القلق والعجز، خاصةً عندما لا يكون في متناول يدك القيام بشيءٍ لتحسين الوضع.
اقرأ أيضًا:أيهما أفضل للعين: الوضع النهاري أم الليلي في الشاشات؟
3. خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي:

المشاركة والتفاعل هي شريان الحياة بالنسبة لمنصات التواصل الاجتماعي؛ إذ تجني المزيد من الأموال من الإعلانات كُلّما طالت مدة تصفّح الأشخاص لها، وقد صُمِّمت خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي لتزويدنا بما يلفت انتباهنا، وغالبًا ما يتضمّن ذلك الرسائل الدرامية أو المحمّلة بالكثير من العواطف، التي تميل إلى إثارة السخط أو الخوف.
لذا فكثيرًا ما تجد نفسك محاصرًا بين الأخبار السيئة؛ نتيجة لتوظيف هذه المنصات للخوارزميات، لعرض المحتوى الذي يعتقدون أنّه سيثير أقوى استجابة للجمهور.
4. الخوف من تفويت الأحداث (FOMO):
كثيرًا ما نفكّر بأنّه يجب أن نتابع كل ما يحدث، وكل أزمة في أي بقعة من العالم اليوم، لذا قد تنشأ عادة تصفّح الأخبار باستمرار، لمجرد الخشية من تفويت معلومات مهمة، حتى لو أدّى ذلك إلى استنزافك نفسيًا.
فرغم الرغبة في زيادة المعلومات بشأن ما يحدث حولنا للبقاء على اطلاع، فهذا قد يستنفد طاقتك العقلية، وربّما تغفل عن أمور أخرى أهم في حياتك.
كيف تحمي صحتك النفسية وتتوقف عن التمرير اللا نهائي؟
لا تتأثّر صحتك النفسية ومزاجك فقط بالأخبار السلبية، بل قد يمتدّ أثرها عميقًا على جسدك أيضًا، وفيما يلي بعض النصائح للتخفيف من تصفّح الأخبار السيئة:
1. وضع حدود لاستخدام التكنولوجيا:
يساعد وضع قيود يومية على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو وقت الشاشة مع التطبيقات في منع "التصفّح المهلك"، إذ يمكنك وضع فترة محددة كل يوم (10 - 15 دقيقة مثلًا) لتصفّح الأخبار، بدلًا من قضاء أوقات طويلة بلا طائل.
2. انتقاء مصادر الأخبار:
قد لا تهتم بعض المنصات سوى بالأخبار السيئة فقط، لذا من الضروري متابعة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تثير القصص السلبية، بل ابحث عن مواقع أو حسابات إخبارية موثوقة ومتوازنة، تركّز على توفير الخبر كاملًا، بدلًا من الترويج للزاوية السلبية في العناوين الرئيسة، أو يمكنك حتى متابعة الحسابات التي تروّج للأخبار الإيجابية.
اقرأ أيضًا:لن تقلق من استعمال الشاشات بعد اليوم.. نظام غذائي للوقاية من جفاف العين
3. التصفُّح بوعي:

عندما تفتح تطبيقًا أو تبدأ في تصفّح هاتفك، توقّف لمدة دقيقة واسأل نفسك: لماذا تشعر بالحاجة إلى تصفّحه الآن؟
في هذا الوقت، يمكنك تحديد كيف تتعامل مع المحتوى الرقمي الذي تتعرّض له، والاستجابة له بوعي قبل أن تغمرك الأخبار وتجعلك مشتتًا.
بل يُفضّل قبل فتح أي تطبيق التفكير في تحديد الهدف من تصفّحه، مثل أن يكون هدفك التحقق من الأخبار لمدة عشر دقائق فقط، أو رؤية القصص الملهمة اليوم، أو غير ذلك.
كيف تتعامل مع الأخبار السيئة؟
إذا لم يكُن هناك مفرّ من متابعة الأخبار السيئة، فقد تساعدك النصائح الآتية على تخفيف آثار هذه الأخبار عليك:
1. تقبُّل المشاعر السلبية:
بالتأكيد، قد تمرّ بمشاعر سلبية جراء التقليب المستمر في الأخبار السيئة طوال اليوم، وبدلًا من مقاومة الاعتراف بالمشاعر السلبية لديك، أفسح لها المجال قليلًا.
فقد أظهر بحثٌ أجرته "جامعة كاليفورنيا"، نُشِر عام 2018 في مجلة "Journal of Personality and Social Psychology"، أنَّ محاولة تجنّب مشاعرك السلبية، قد تُسبِّب لك ضغوطًا نفسية أكبر من مواجهتها مباشرةً، لذا يفترض الباحثون أنّ تقبّل المشاعر السلبية دون محاولة تغييرها من الطرق الصحيحة للتعامل مع تلك المشاعر، ومع ذلك فلا ينبغي أن تهيمن هذه المشاعر عليك، ولا أن تمنعك من أداء مهامك اليومية المُعتادة.
2. إعادة صياغة أفكارك:
قد تحتاج إلى تغيير طريقة تفكيرك بشأن الأخبار السيئة، لرؤية الأخبار من منظورٍ مختلف؛ إذ تساعد إعادة صياغة الأفكار على تغيير رد فعلك للأشياء التي تحدث لك، والطريقة التي تنظر بها إلى المواقف، والفكرة كلّها تكمن في محاولة إيجاد تفسير أكثر إيجابية لحدثٍ سلبي، بدلًا من مجرّد رؤية الجوانب السلبية.
فمثلًا إذا فقدت وظيفتك للتو، فبدلًا من التركيز على الأخطاء التي ارتكبتها، والتي ربّما أفقدتك الوظيفة، يمكنك النظر إلى الموقف كفرصة لتجربة أشياء جديدة، واستكشاف وظائف أخرى قد تكون أكثر إرضاءً لك.
3. ارفق بنفسك:
مهما كانت الأخبار السيئة التي وردتك، فمن الضروري أن تعتني بنفسك وصحتك، وذلك بـ:
- تناول طعام صحي أو وجبات غنية بالفواكه والخضراوات، فالأكل غير الصحي يعزّز المزاج السلبي.
- التأمل أو ممارسة تقنيات الاسترخاء، فقد تساعدك على تشتيت انتباهك عن الأخبار السلبية والاسترخاء.