أشد مما تتخيل: ما تأثير التنمر الإلكتروني على الصحة النفسية؟
كثيرًا ما يشتعل الصراع على وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة سخرية بعض الأشخاص من الآخرين، أو بسبب تصيد البعض لغيرهم من خلال نشر محتوى يهدف إلى إثارة غضب الآخرين، أو حتى باختلاق قصص كاذبة.
كل هذه أشكال من التنمر الإلكتروني، الذي قد تتعرض له يوميًّا، بل ربما تكون ضحيته. فلماذا يتنمر بعض الأشخاص على غيرهم عبر تلك الوسائل؟ وما الآثار النفسية المروعة للتنمر الإلكتروني؟
ما هو التنمر الإلكتروني؟
يشير التنمر الإلكتروني إلى استخدام التكنولوجيا الرقمية لإلحاق الضرر بالآخرين، وتُعد وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من القنوات الأساسية التي يحدث من خلالها التنمر عبر الإنترنت.
وقد اعتُبر التنمر عبر الإنترنت مشكلة صحية عامة، إذ تضاعف انتشاره من عام 2007 إلى عام 2019. ففي دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أفاد 59% من المراهقين هناك بتعرضهم للتنمر أو المضايقة عبر الإنترنت.
أشكال التنمر الإلكتروني
للتنمر الإلكتروني أشكال مختلفة؛ أبرزها:
1. الاشتعال أو التوهج
يُشِير ذلك إلى استخدام لغة تحريضية وإلقاء الشتائم على شخصٍ ما أو بثّ رسائل مُسيئة عنه على أمل إثارة رد فعل ما، وذلك مثل استخدام الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" كلمات، مثل "جو بايدن النائم".
2. النزهة أو الجولة
يتضمّن ذلك النوع من التنمر مشاركة معلومات شخصية أو مُحرِجة عن شخصٍ ما على الإنترنت، وعادةً ما يحدث هذا التنمر الإلكتروني على نطاق أوسع بدلًا من أن يكون من شخصٍ لشخص أو في مجموعة أصغر.
اقرأ أيضًا:العلاج بالواقع الافتراضي.. حل واعد لاضطرابات الصحة النفسية
3. التصيُّد
التصيّد هو نشر محتوى أو تعليقات بهدف إحداث الفوضى والانقسام، كأن يقول المرء شيئًا مُهينًا أو مسيئًا لشخص أو مجموعة، بقصد وحيد هو إثارة غضب الناس، إذ يستمتع بخلق الفوضى ثُمّ الجلوس ومشاهدة ما يحدث.
4. التنابز بالألقاب
هو استخدام لغة مسيئة للإشارة إلى أشخاص آخرين. وتُظهِر التقارير أنّ 42% من المراهقين قالوا إنّهم سمّاهم غيرهم بأسماء مُسيئة عبر هواتفهم المحمولة أو على الإنترنت.
5. نشر شائعات كاذبة
ينشر المتنمرون عبر الإنترنت شائعات كاذبة ويختلقون قصصًا عن بعض الأفراد، ثُمّ ينشرون هذه الحقائق الكاذبة عبر الإنترنت.
وفي التقرير نفسه، قال 32% من المراهقين إنّ شخصًا ما نشر شائعات كاذبة عنهم عبر الإنترنت.
6. إرسال رسائل أو صور صريحة
قد يرسل المتنمرون عبر الإنترنت أيضًا صورًا أو رسائل صريحة دون موافقة ضحيتهم، وهذا يُعدّ شكلًا من أشكال التنمر الإلكتروني.
اقرأ أيضًا:هل يمكن أن يُسبِّب نقص فيتامين ب12 اضطرابات نفسية؟
7. المطاردة أو التهديدات الإلكترونية
قد يستهدف بعض المتنمرين عبر الإنترنت نفس الأشخاص بشكلٍ متكرر من خلال المطاردة أو المضايقات أو التهديدات الإلكترونية. وقد أفاد 16% من المراهقين أنّهم تعرّضوا لتهديدات جسدية على الإنترنت.
هل هناك أسباب لسلوك التنمر؟
قد تكون هناك عوامل مختلفة لرغبة بعض الناس في التنمر على غيرهم، مثل:
- الاضطرابات النفسية، مثل الاندفاع والعدوانية، والنرجسية وربّما السادية أيضًا، فهؤلاء أكثر ميلاً لانتهاك الأعراف الاجتماعية، ولا يتعاطفون مع غيرهم، وقد يكون تنمرهم لزيادة إحساسهم بالقوة أو القيمة.
- أن يكونوا ضحية التنمر، فيتطلّعون للشعور بالسيطرة وهم غير قادرين على الانتقام من المتنمر الأصلي، فيتنمرون على غيرهم.
- انهيار الصداقة أو العلاقة، فقد يكون التنمر مدفوعًا بالغضب أو الغيرة أو الانتقام في مثل هذه المواقف.
- الوحدة والعزلة.
لماذا يتنمّر الناس على بعضهم عبر منصات التواصل الاجتماعي؟
قد يتنمّر بعض الناس على غيرهم فقط عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يكونون على نفس الدرجة من التنمّر على الآخرين في الواقع، وربّما تعود أسباب ذلك إلى ما يلي:
1. كونه مجهولًا وغير قادر على المواجهة
إنّ السبب الأول الذي يجعل بعض الناس يصبحون متنمرين عبر الإنترنت أنّه قد يظل مجهول الهوية تمامًا، كما قد يتنمّر بطريقة غير تصادمية خاصةً إذا كان مجهول الهوية، فقد يترك تعليقات سيئة ولا يلتزم بسماع الردود، وهو مغاير تمامًا لما يكون عليه التنمر على الواقع من مواجهة وانكشاف لهوية المتنمّر.
2. عدم الحاجة للشعبية أو التواجد الجسدي
كي يكون المتنمر متنمرًا في الواقع، قد يحتاج إلى أن يكون متفوقًا على ضحاياه في بعض الجوانب، مثل أن يكون أكبر منهم جسديًا أو أكثر شعبية.
بالمقابل، فعلى الإنترنت يمكن لأي شخصٍ أن يكون متنمرًا، فليس هناك حاجة لأي تفوق على الضحية، بل من السهل التنمر على الآخرين مهما كان حال المُتنمِّر.
اقرأ أيضًا:تخفيف الاكتئاب والأرق.. ما فوائد المغنيسيوم لصحتك النفسية؟
3. غياب الحواجز
يمكن لأي شخص قادر على الوصول إلى الإنترنت أن يبدأ في التنمر على غيره، فليست هناك حواجز كبيرة على الإنترنت، كما أنّ الاصدقاء على الإنترنت ليسوا أصدقاء فعليًا غالبًا، ما قد يجعل فرص التنمر أسهل.
4. عدم وجود رد فعل من الضحية
عادةً ما ينخرط المتنمرون عبر الإنترنت في التنمر على مدى فترة طويلة من الزمن، وذلك لعدم وجود ردود فعل شخصية أو قلتها من الضحية، كما أنّ الانتقام يكون أقل مقارنةً بالتنمر وجهًا لوجه، فعندما يرى أثر تنمّره ورد فعل الضحية على الواقع، قد يتراجع ويُحجِم عن أفعاله، وهو ما لا ينطبق على الإنترنت بالطبع.
تأثير التنمر الإلكتروني على الصحة النفسية
قد يتأثّر من يتعرّضون للتنمر الإلكتروني بدرجة بالغة، ربّما تكون أشدّ مِمّا قد يقع مع التنمر التقليدي، ومن الآثار المتوقعة للتنمر عبر الإنترنت:
- مشاعر الضيق والقلق من التنمر.
- زيادة الإحساس بالاكتئاب وتقلّب المزاج.
- صعوبة النوم أو البقاء نائمًا.
- زيادة مشاعر الخوف.
- العزلة الاجتماعية، والانسحاب من مجموعات الأصدقاء أو قضاء كثيرٍ من الوقت وحدك.
- تجنُّب فعل الأشياء التي كُنت تستمتع بها سلفًا.
- زيادة مشاعر الغضب أو نوبات الغضب الشديد.
- ضعف الأداء الدراسي.
- مشكلات في علاقتك بأفراد أسرتك وأصدقائك.
- الأفكار الانتحارية.
- تعاطي المخدرات.
من الأكثر عُرضةً للوقوع في حبائل التنمر الإلكتروني؟
قد يكون بعض الناس أكثر عُرضة وأشدّ تأثُرًا بالتنمّر الإلكتروني، مثل:
- المراهقين والشباب.
- قد تكون الفتيات أكثر الضحايا في حالة نشر شائعات كاذبة وتلقّي صور صريحة.
- الأشخاص الخجولين قد يصيرون ضحايا بسهولة.
- الأشخاص من الأُسر ذات الدخل المنخفض.
- الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت باستمرار.
اقرأ أيضًا:التحديات التي تواجه الصحة النفسية للرجال.. أنواعها واستراتيجية تحسينها
كيف تتجنّب آثار التنمر الإلكتروني؟
ختامًا، هذه بعض النصائح التي قد تساعدك في تجنُّب آثار التنمر الإلكتروني لو تعرّضت له مسبقًا:
1. تقليل الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي
قد يكون ذلك صعبًا، خاصةً مع توالي الإشعارات أو الرغبة المستمرة في التحقق من الرسائل، ومع ذلك فإنّ تقليل الوقت الذي تقضيه أمام وسائل التواصل الاجتماعي أو الهاتف عمومًا، قد يساعد في تقليل اتصالك بالشخص المُتنمّر، فلا تُعانِي آثار التنمر.
2. إشراك الوالدَين
يمكن للوالدين مساعدة أطفالهم أو المراهقين من خلال الاحتفاظ بأجهزة الحاسوب في مساحات مشتركة في المنزل، أو إيقاف تشغيل خدمات المراسلة الخاصة بالطفل خلال ساعات مُعيّنة.
وعادةً ما تأتي التطبيقات والهواتف الذكية مع وسائل تحكم تتيح للآباء الوصول إلى اتصالات أطفالهم عبر الإنترنت، وهذا مناسب في حالة الأطفال الذين يتعرّضون لتنمُّر عبر الإنترنت.
3. تجنّب أذية نفسك
قد تُهيمن أفعال المتنمر على تفكير الضحية، ومِنْ ثَمّ فقد يفكّر في أذية نفسه أو حتى الانتحار، وفيما يلي بعض النصائح التي تساعد في تجنّب ذلك:
- الحديث عن مشاعرك مع صديق أو أحد أفراد الأسرة أو طبيب.
- الخروج في نزهة أو القيام بشيءٍ ما لإلهاء نفسك.
- ممارسة تمارين التنفس لتخفيف القلق.
- اكتب مشاعرك.
- القراءة عن دعم المشاعر، مثل التوتر والقلق والاكتئاب.
- وضع خطة أمان في حالة وجود أفكار انتحارية لديهم.