الفنانة التشكيلية نبيلة أبو الجدايل: والدتي ملهمتي وصانعة نجاحاتي... "واسجد واقترب" رسالة عن التواضع والإنسانية
الفنانة التشكيلية والمخرجة السعودية نبيلة أبو الجدايل، استطاعت أن تمزج بين سحر الريشة وعالم السينما، لتسرد لنا قصصًا بصرية تأسر القلوب، قادها شغفها لرسم مسيرة فنية حافلة بالإبداع والرؤية العميقة. بالتعاون مع والدتها الكاتبة والمخرجة ثريا الشهري، أسست شركة "الثريا للإنتاج الفني"، وقدما معًا فيلم "واسجد واقترب" الذي حصد 31 جائزة دولية، وعُرض في مهرجانات عالمية مثل كان وفينيسيا. يوثق الفيلم فترة جائحة كورونا في المسجد الحرام، ويعكس رؤية إنسانية تستمد عمقها من لوحات نبيلة التي لطالما عبرت عن التاريخ السعودي والروحانية.
التقت منصة الرجل مع "نبيلة" لتفتح لنا خزائن أسرارها وكواليس فيلمها الناجح عالميًّا، الذي توج بالعديد من الجوائز.
فكرة قادتنا إلى العالمية
حدثينا عن فيلم الكارتون "واسجد واقترب"؟ وكيف جاءتك الفكرة؟
"واسجد واقترب" من إخراج وإنتاج والدتي ثريا الشهري بالتعاون معي، وبتمويل خاص من شركة الثريا للإنتاج الفني. جاءت فكرة الفيلم بناء على اللوحة الأصلية التي رسمتها وعنوانها "واسجد واقترب" بتاريخ 1 إبريل عام 2020 في زمن جائحة كورونا.
وتحكي اللوحة عن الإجراءات الاحترازية التي جرى اتخاذها من قبل الحكومة السعودية في مواجهة الجائحة وتطويق أضرارها، إذ تمكن عدد قليل من عمال النظافة آنذاك من الصلاة في الحرم المكي الشريف من بين أكثر من مليار وثمانمائة مليون مسلم.
بانتهائي من لوحتي ارتأيت نشرها في حساباتي بمواقع التواصل الاجتماعي، وأذكر حينها وكنا لا نزال في بدايات جائحة كورونا أن انتشار صورة اللوحة وصل لأعداد كبيرة من المشاهدين وأرقام غير مسبوقة، سواء أكان ذلك في الهند أو إندونيسيا أو ماليزيا أو بريطانيا أو حتى كندا.
ومن المفارقات، أن مديرة جامعة في كندا وكانت مسيحية الديانة قد طلبت مني إرسال نسخة من اللوحة لتعليقها في أروقة الجامعة هناك. هذا الانتشار والقبول غير المتوقع للوحة هداني إلى استثماره في شكل قصة بسيطة عن عامل النظافة في بيت الله الحرام بمكة بصحبة حمام الحرم مع بقية تفاصيل الفيلم، وقد حرصت على رسم معظم مشاهد الخلفيات التي تظهر في الفيلم بريشتي مع فريق عمل "واسجد واقترب".
وكي تكتمل الصورة الذهنية للفيلم كتبت مع والدتي ما قد يجول في خاطر عامل النظافة في الفيلم، فلم تكن الكلمات موزونة القافية، ولكن كانت صادقة وتؤدي المعنى المقصود، فاستعنا بالشاعر السوري الأستاذ ماجد الأسود ليعدل ما يلزم استواء بالوزن والقافية دون المساس بالمعنى الأصلي، ثم أوكلنا الأبيات إلى أصحاب الحنجرة الذهبية وأعني بهم الأوركسترا الأندلسية بأمستردام، لينشدوها بأصواتهم دون آلات موسيقية، وأجزم وبشهادة من سمع الابتهال أن أصوات الأوركسترا كانت من أكثر المؤثرات في إيصال المراد.

والدتي احتضنت موهبتي
وماذا عن دور والدتك بشكل خاص في مجال الأفلام وفي الحياة بشكل عام؟
والدتي مخرجة ومنتجة وكاتبة، وتحرص على الإشراف على كل تفاصيل الفيلم منذ المراحل الأولى حتى اكتماله، أما بالنسبة لدعمها لي في الحياة بشكل عام، فهو أمر يصعب وصفه في كلمات، ولكني سأحاول، فالطفل في صغره يولد وموهبته معه، فإن لم يحظ بحنو ورعاية وعين لاقطة لنعم الله عليه، فالأغلب أن تندثر موهبته وتخبو مع تقادم الأعوام، هذه الحالة التقليدية والمتكررة في مجتمعاتنا العربية وبالتحديد مع فئة البنات، لم تكن من نصيبي وهذا من فضل الله عليّ وإخوتي.
فوالدتي أم حنون، كريمة في عطائها قبل أن تكون المربية الحازمة، ولا أزال أذكر أن جل همها في يومها كان يتلخص في دعمنا المستمر حتى تزيد من فرص نجاحنا ورضانا عن أنفسنا. ودائمًا ما كانت تعقد جلسات النقاش التي نتناول فيها أنا وإخوتي مقالاتها والأحداث الجارية، فتنصت جيدًا إلى آرائنا ومنطقنا، لحماستها وتشوقها لمعرفة الطريقة التي نفكر بها، ولذلك تجدين أن تركيز والدتي على موهبتي وحديثها اليومي عن أفضل السبل لتنميتها وتطويرها، ثم متابعتها المستمرة، كل ذلك أسهم في ضبط مفاتيح مواهبي الفنية منذ البدايات إن جاز لي التعبير.
ما عدد الجوائز التي حصدها الفيلم؟
31 جائزة من مهرجانات سينمائية عالمية.
ماذا عن شركة الثريا للإنتاج الفني؟
شركة الثريا للإنتاج الفني، أسستها ووالدتي ثريا الشهري، وهي الداعم الأول لأفلامنا إنتاجًا وإخراجًا، ومن خلالها نختار القصص التي تنتجها الشركة، ومن ثم مشاركة الأفلام المنتجة في المهرجانات العالمية، وكان منها فيلم الرسوم المتحركة "واسجد واقترب"، الذي عرض في مهرجان كان السينمائي في دورته الـ77، وكذلك مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي لهذا العام في دورته الـ81 ضمن برنامج سوق الأفلام في فينيسيا برودكشن بريدج في صالة باسينيتي.
اقرأ أيضًا: الفنانة التشكيلية فاطمة النمر: أستمتع بالفن كرفيق مخلص.. وشجاعة النساء السعوديات تلهمني
فرحة عارمة في فينيسيا
حدثيني عن شعورك بنجاح الفيلم ونجاحه في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 2024 في نسخته الـ81 في صالة بسينيتي؟
شعرت بالفرحة العارمة لمشاركتي هذه الرحلة الجميلة مع والدتي وأسرتي، وبخاصة أنه أول فيلم سعودي للرسوم المتحركة يُعرض في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، في برنامج سوق الأفلام في فينيسيا برودكشن بريدج، ضمن الدورة الـ81.
وأنت تخوض غمار العمل وصناعة فيلمك تحاول أن تبذل أفضل ما لديك من فكر ومستوى تقني عالٍ في الإنتاج والإخراج فإن استحق المنتج النهائي لفيلمك جوائز عالمية وحققها فهي دفعة معنوية كبيرة للعاملين والمعنيين بالفيلم؛ لأن الجائزة والعرض في مهرجانات عالمية معترف بها تعد بمنزلة بطاقة تعريف لفيلمك وشركة إنتاجك، فكيف إذا كانت قصة الفيلم مستوحاة من أحداث واقعية بالفعل مررنا بها جميعًا وهي جائحة كورونا والاحترازات الاستثنائية التي قامت بها الحكومة السعودية في إخلاء ساحات المسجد الحرام من المصلين والمعتمرين لتطويق الأضرار والحد من انتشار الجائحة.
هل هناك رسالة معينة تحاولين إيصالها من خلال فيلم "واسجد واقترب"؟
الرسالة التي أردت إيصالها أننا سواسية أمام الخالق، ولا فضل لأحد منا إلّا بمدى تقواه واجتهاده في مرضاة الله يوم لا ينفع إلّا القلب السليم والنية الخالصة، فالأولى أن نتحلى بالتواضع ولا ننظر باستكبار أو تعالٍ لمن كان أقل حظًا في الدنيا، فمن منا يعلم بمكانته في ميزان خالقه؟ فهذا هو عامل النظافة الذي قد لا تلتفت إليه وأنت مشغول بطوافك أو سعيك في بيت الله الحرام، هذا العامل نفسه هو الذي انفرد بساحة الحرم يجوبها ويدعو الله بما يشاء، بينما غيره يتابع ساحة الحرم من خلال الشاشات لأن الاحترازات الاستثنائية التي فرضتها الحكومة السعودية لاحتواء جائحة كورونا حالت دون التجمعات، ومن ثم دون الوجود بساحة الحرم كما جرت الأمور، ما يدل على أن سنة الله الثابتة في الكون تختصرها كلمة التغيير، وكنت تظنها لا تتبدل.
تحلوا بالصبر
ما نصيحتك للمخرجين الشباب الذين يطمحون لدخول عالم السينما؟
التحلي بالصبر أمام الضغوط والتحديات والعقبات التي ستواجههم، واستقبال كل تحدٍ بروح إيجابية وإصرار على تجاوزه، الأهم هو الاستمرار في التعلم والتطور مع كل تجربة، وعدم الانجراف نحو الغرور عند تحقيق النجاحات، فكل نجاح هو خطوة نحو المزيد من العمل والإبداع، وما يبقى أثره على المدى البعيد هو التواضع والمعاملة الطيبة بين الناس.