مثالية نظرياً ولكن.. هل تناسب "القيادة المشتركة" كل الشركات؟
بغض النظر عن عدد المستشارين الأكفاء المحيطين بالرئيس التنفيذي في شركتك، هناك دائماً مسؤوليات كبيرة ومهام لا تُحصى تقع على عاتقه، فلماذا لا يتقاسم المسؤولية بوضع رؤوساء تنفيذين مشتركين في بعض المنصب؟
إن استخدام مبدأ "عقلان أفضل من عقل واحد"، وتقسيم دور القيادة بين شخصين، لا يبدو شائعاً، والمقاربة الحديثة نسبياً ما تزال غير معتمدة على نطاق واسع، فوفق دراسة أجرتها مجلة "هارفرد بيزنس ريفيو"، فإن 87 شركة فقط من أصل 2200 شركة مدرجة في مؤشري S&P 1200 و Russell اعتمدت مبدأ القيادة المشتركة بين عامي 1996 و2020.
ولعل التردد يبدو مفهوماً هنا، إذ إن مقابل قصص النجاح هناك حكايات فشل مدعومة بأرقام مقلقة، فسبب فشل 50٪ من الشركات الناشئة يعود لمبدأ القيادة المشتركة، وكذلك الأمر بالنسبة للشركات العائلية، فما سبب هذا التناقض بين النظرية والواقع؟
التعاون المثالي.. نظرياً!
"القيادة المشتركة"، كما تشي التسمية، تقوم على توزيع المسؤوليات على شخصين أو أكثر، وعلى مستوى القيادات العليا هي أكثر من تقاسم للمسؤوليات والقرارات وأقرب إلى نموذج استراتيجي يهدف إلى الاستفادة من المهارات التكميلية لكلا القائدين.
المبدأ مفيد للشركات العاملة في القطاعات شديدة التنافس، التي تتغير بشكل دائم، إذ إنها تنتج الكثير من الحلول الإبداعية، وتمنح الشركات مرونة تمكنها من التأقلم مع المتغيرات الطارئة.
فكروا بالأمر من منطق العمل كفريق، فمثلاً العمل على موقع جديد للشركة يتطلب قرارات مشتركة بين جميع الجهات المعنية، الشكل الجذاب فقط لا يكفي هنا، بل هناك حاجة لقرارات من التحرير والمبيعات والإعلانات وغيرها، وهكذا يُبنى الشكل على معطيات تجعل الموقع ناجحاً، كما تجعله قابلًا للتكيف مع أي متغيرات.
الأمر نفسه ينطبق على القيادة المشتركة؛ شخصان بمهارات وخبرات تكمل بعضها، سيوفران حلولًا أذكى وقرارات أفضل تستند إلى وجهات نظر مختلفة، كما أنهما سيشكلان شبكة أمان للشركة، التي لم تعد تعتمد على شخص واحد، إذ إن تقاسم الأعباء يقي كليهما من الاحتراق الوظيفي، ونظرياً أنت أمام حل مثالي للغالبية الساحقة من المشكلات التي تواجهك على مستويات القيادة، أما عملياً فقد يكون الأمر مختلفاً!
عملياً: عقلان ليسا أفضل من عقل واحد
الصورة الوردية للقيادة المشتركة لا تصمد طويلاً أمام الدراسات، التي وجدت بأن الشركات التي تعتمد مبدأ الإدارة المشتركة تعاني نسبة دوران موظفين أعلى من غيرها، بالإضافة إلى تراجع كبير في الأداء الوظيفي على مختلف المستويات، وذلك لأن رأس الهرم يعمل باتجاهين، والآن السؤال المطروح هو: ما سبب حدوث ذلك؟
الإجابة بكل بساطة هي “البارانويا”!
هذه النتيجة تم التوصل إليها بعد مجموعة من التجارب التي قامت بها جامعتا "ستانفورد" و"كارنيجي ميلون"، تم خلالها دراسة أنواع الصراعات التي تحصل على مستوى الفرق في مستويات إدارية عالية، مقابل تلك التي تحصل بين مستويات إدارية متدنية.
وقد وجد الباحثون أن أي تقاسم للسلطة في مستويات متقدمة، جعل المشاركين أكثر عرضة للانخراط في صراعات على السلطة، ما قلل من نجاحهم ومن قدرتهم على التفاوض مع بعضهم البعض، كما كانوا أكثر عرضة لـ"لبارانويا" أو جنون الارتياب، حيث التشكيك بنيات الآخر، والخوف من قيامه بسرقة الأفكار، ومراقبة ما يحدث، كما أن محاولة تحليل الخفايا تعمل على تحويل الإدارة المشتركة إلى خلل مشترك!
فالشك سيتحول إلى آلية لحماية النفس، وفي مناصب متقدمة حيث يملك كل شخص القوة والقدرة والحنكة والوسائل التي تمكنه ليس فقط من النيل من الآخر، بل من القيام بضربات استباقية أيضاً، فإن الشركة ستتحول إلى ساحة حرب.
العقلان اللذان من المفترض أنهما يعملان معاً، باتا يعملان ضد بعضهما، وتركيزهما سينصب على ما يدور في الخفايا عوضاً عن التركيز على المهام التي عليهما إنجازها، وهذا ما ينعكس سلباً على أداء الشركة وعلى العاملين تحت إدارتهما، الذين سينقسمون حسب ولائهم، ولكن من الظلم تحميل القادة وحدهم وغريزتهم فيما يتعلق بالهيمنة للمسؤولية، فالشركات بدورها تتحمل جزءاً من المسؤولية.
اقرأ أيضًا: خفايا انتقال السلطة: سيكولوجية تسليم القيادة بين المديرين التنفيذيين
مبدأ "فرق تسد" هل ينجح؟
غالباً ما تكون القيادة المشتركة معدة للفشل حتى قبل البدء بتطبيقها، لأن الأساسيات البديهية لا يتم منحها الاهتمام الذي تستحقه، حيث تريد مجالس الإدارة النتائج التي هي النمو والأرباح في المقام الأول، وبما أن الصبر ليس اختياراً هنا، فإن منح القادة الوقت الذي يحتاجون إليه للتأقلم ليس خياراً متاحاً.
تشارُك المسؤوليات في هذه المناصب المتقدمة تتطلب مناقشة الأساسيات، وتحديد الأهداف والمسؤوليات وآلية اتخاذ القرارات وكيفية الخضوع للمحاسبة والمساءلة في حال الفشل، وهذه المجالات تحتاج إلى نقاشات مطولة والخروج بخريطة طريق واضحة تحديد مسؤوليات كل قائد، تشرح التفاصيل، مثل:
من سيرأس أي إجتماعات؟ من سيقود الفريق هذا أو ذاك؟ أي قرارات سيتم اتخاذها بشكل مشترك وأيها بشكل منفرد؟...إلخ
وهي أمور تعد من البديهيات التي لا يُمنح القادة الوقت لتحديدها بدقة، ما يفسد التعاون، ويوجج مشاعر الاحباط والاستياء شيئاً فشيئاً.
الخلل الثاني الذي يحدث عند توزيع المهام هو العمل وفق مبدأ "فرق تسد"، حيث يعتقد أن توزيع المهام يؤدي إلى الإنجاز والنجاح، ولذلك يقوم كل مدير باختيار المجالات والتحديات التي يريد توليها من أجل ضمان ذلك، حيث تقوم الفكرة في الأساس على الفصل بين المهام، ومنح كل مدير شريك القوة والنفوذ والدعم في المجالات التي يتولاها.
ولكن مبدأ "فرق تسد" هو النتيجة وليس الخطة، لأن التقسيم يتم وفق التفضيلات وليس وفق ما تحتاج إليه الشركة، كما أنه محفوف بالمخاطر، فالعمل المشترك يعني نقاط ضعف مشتركة، ونقاط ضعف أي من القادة المشتركين ستنعكس سلباً بالتأكيد على جميع الأطراف.
نجاح النموذج المؤقت
لطالما طبقت القيادة المشتركة بنجاح على مستويات إدارية متدنية، وذلك لأن القادة في تلك المستويات لا يملكون الكثير من السلطة والنفوذ، كما أنها معتمدة وبشكل كبير كحلول مؤقتة لإعادة هيكلة الأعمال أو لضمان اجتياز المراحل الأولى للاندماج والاستحواذ.
ومع وضع المخاطر والعقبات بالحسبان، فإن هذا النموذج يمكنه تحقيق نتائج إيجابية، فالنهج المشترك معتمد على نطاق واسع في الشركات ذات المسؤولية المحدودة وبعض الشركات المتنوعة في مراحلها الأولى، وهو نهج ناجح لغاية الآن، ولكن الشركات الكبرى تتجنبه إذ إن هناك الكثير على المحك في حال الفشل.
وفي المحصلة، فإن النجاح أو الفشل يعتمد على الأفراد وعلى الشركة بشكل رئيس، ولكن بشكل عام من الضروري اتباع الأهداف الموحدة للشركة، وإن كان هناك أي نقاط اختلاف يجب حلها فوراً، وإلا أدى ذلك إلى انقسامات ومعسكرات متناحرة.
ورغم أنه لا يمكن التأكد تماماً من أن أحد القادة لن يحاول الاستئثار بالسلطة، ولكن يمكن الاختيار وفق الصفات الشخصية التي تجعل الكفة تميل لصالح العمل المشترك.
ولكن إن كان أحدهم سيسعى للسيطرة، فسيحدث ذلك التناحر بغض النظر عن الاحتياطات المتخذة، ومن ثم فإن المخرج من تلك المعضلة هو الاستعانة بالخيار البديل الاكثر بساطة، وهو اعتماد مبدأ الرئيس رقم 1 والرئيس رقم 2 بانتظار الحلول، أي منح المستأثر نوعاً من الأولوية المؤقتة.
وبغض النظر عن كل العراقيل والفوائد، فإن كانت شركتك أو علامتك التجارية مبنية وتتمحور حول شخصية المؤسس، فإن نموذج الرؤساء التنفيذيين المتعددين لن يناسبك على الإطلاق.