ساتوشي ناكاموتو.. هل وصلت HBO لهوية مخترع البيتكوين؟
في فيلمٍ وثائقيّ حديث أنتجته شبكة HBO بعنوان "Money Electric: The Bitcoin Mystery"، حاول صانع الأفلام والمخرج "كولين هوباك" أن يكشف اللغز المُستمر منذ عام 2009 وحتى يومنا هذا، وهو هوية مخترع العملة الرقمية المُشفرة الأشهر "البيتكوين"، فهل كُللت محاولته بالنجاح؟ ومن (أو ما) هو "ساتوشي ناكاموتو"؟ وماذا عن أشهر الذين اتُهموا بأنهم هذا الكيان الغامض؟
"ساتوشي ناكاموتو" مخترع "البيتكوين"
يُعد اسم "ساتوشي ناكاموتو Satoshi Nakamoto" من أكثر الأسماء الغامضة في العالم الرقمي، وهو اسمٌ مُستعار لشخصٍ أو مجموعة من الأشخاص أو حتى كيان، قدّم مفهومَ عُملة "البيتكوين" في ورقةٍ بحثية عام 2008، قبل أن تظهر العملة بعام واحد، وظل نشاطه واسمه مرتبطًا بهذه التقنية حتى عام 2010، ولكن منذ ذلك الحين، لم يسمع عنه أحدٌ أي شيء.
لا أحد يعرف الكثير عن "ساتوشي"، ولكن هذا لا يعني أننا لا نعرف عنه أي شيء أيضًا؛ فقد عمل "ساتوشي ناكاموتو" على النسخة الأولى من "البيتكوين" في عام 2007، وكانت الاتصالات معه تتم عبر البريد الإلكتروني، ولكن نظرًا لعدم وجود تفاصيل شخصية عنه أو عن الخلفية التي أتى منها، فكان -ولا يزال- من شبه المستحيل الجزم بالهوية الحقيقية وراء الاسم.
اقرأ أيضًا| الذهب والفضة والبيتكوين.. وصفة كيوساكي للنجاة من الانهيار المالي
لم يكن "ناكاموتو" أول من توصل إلى فكرة العملة الرقمية، غير أنه كان الشخص أو الكيان الذي حل مشكلةً أساسية تحول دون تطور هذه العملات، وهي ما تُسمى بـ"الإنفاق المزدوج Double Spending"، التي تحدث -على عكس العملات الحقيقية- عندما يتم إنفاق العملة الرقمية أكثر من مرة، بحيث تُصبح هناك فرصة لنسخها أو تزويرها بحكم غياب النظام الذي يمنع ذلك.
وبدون الدخول في تفاصيل تقنية معقدة، استطاع "ساتوشي ناكاموتو" أن يحل هذه المشكلة، ويخترع هذا النظام الذي ضَمن تسجيل المعاملات على ما يُسمى بسلسلة الكُتل، أو "البلوكتشين Blockchain" كما نعرفه جميعًا، مما أدى إلى إثبات المعاملات.
لكن في عام 2010، وبعد ظهور عملة "البيتكوين" على ساحة التقنية بشكلٍ رسمي، اختفى "ساتوشي ناكاموتو" من المشهد، حيث حدثت آخر مراسلة معه عبر البريد الإلكتروني، وفيها قال إنه "انتقل إلى أشياء أخرى"، ومنذ ذلك الحين ولا يشغل بال الجميع سوى سؤال واحد: من هو "ساتوشي ناكاموتو"؟
أشهر المحاولات لكشف هوية "ساتوشي ناكاموتو"
1. دوريان ناكاموتو:
ربما كانت هذه المحاولة الأكثر شهرة لكشف هوية مؤسس "البيتكوين"، ففي مارس 2014، حددت مجلة Newsweek "دوريان ناكاموتو" على أنه مؤسس العملة، وزعم مقال المجلة بوجود عدة تشابهات بين "ساتوشي" و"دوريان ناكاموتو"، على سبيل المثال، قيل إن كليهما يميل إلى التفكير الليبرالي ولديه أصول يابانية.
وبحسب المقال، تخرج "دوريان ناكاموتو" في "جامعة كاليفورنيا بوليتكنك"، وعمل في عددٍ من المشاريع السرية، وبحسب مقال "النيوزويك" أيضًا، فإن "دوريان ناكاموتو" قال "إنه لم يعد متورطًا" في "البيتكوين"، حيث وكّل المهمة لأشخاصٍ آخرين.
ووقعت المجلة في مشكلةٍ مهنية كبيرة، حيث نشرت صورةً لمنزل "ناكاموتو" بطريقةٍ تُسهل من العثور عليه، ولهذا لا عجب أن مجتمع العملات الرقمي والمجتمع التقني عمومًا كان مصدومًا من انتهاك خصوصيته، ولاحقًا نفى "دوريان" الاقتباس الذي نُسب إليه، كما قال إن الأمر عبارة عن سوء فهم، وإنه لا علاقة له بعملة "البيتكوين" أساسًا.
الجدير بالذكر أنه في مارس 2014، أطلق رائد الأعمال في مجال التكنولوجيا وعاشق العملات الرقمية "أندرياس أنتونوبولوس" حملةً لجمع التبرعات لدعم "ناكاموتو"، وكانت الحملة بمثابة اعتذار عن الضرر الذي واجهه "دوريان" بسبب مجلة "النيوزويك"، والمثير في الأمر أن عدد المتبرعين تجاوز 2100 متبرع، تبرعوا بنحو 102.23 بيتكوين؛ المبلغ الذي قُدّر وقتها بنـحو 34,500 دولار، وبتقديرات اليوم يساوي أكثر من 6 ملايين دولار، غير أنه لم يتبق منه سوى أجزاء من "البيتكوين" تساوي 230 دولارًا تقريبًا.
2. كريج رايت:
على عكس الأشخاص الذين وُجّهت لهم أصابع الاتهام، والذين كانوا يحاولون التزام الصمت، كان الأسترالي ذو الشخصية المثيرة "كريج رايت" لافتًا للأنظار، كما لو كان يستمتع بملاعبة الصحافة.
في ديسمبر من العام 2015 كتبت مجلة Wired تقريرًا عن "رايت"، زعمت فيه أنها حصلت على أقوى دليل في ذلك الوقت لكشف هوية "ساتوشي ناكاموتو"، وأظهرت المقالة "كريج رايت"، وهو في مؤتمر لمستثمري "البيتكوين" عبر Skype، كما كشفت المجلة عن تسريبات يقول فيها الأسترالي: "لقد بذلت قصارى جهدي لإخفاء أنني أدير بيتكوين منذ 2009، أعتقد أنه بنهاية هذا الأمر، سيعرف نصف العالم ذلك".
بعد فترةٍ وجيزة، اكتشفت Wired عددًا من التناقضات في قصة "رايت"، خاصةً في التواريخ، كذلك خرج أحد مؤسسي عملة "الإيثيريوم"، وهو "فيتاليك بوتيرن"، واصفًا "كريغ رايت"، الذي استغل هذه الدعاية السلبية لصالحه، بـ"المحتال".
3. نيك سابو:
هو مهندس كمبيوتر وعالم قانون، يُنسب إليه الفضل في صياغة مفهوم "العقود الذكية Smart Contracts"، في ورقة بحثية نشرها عام 1996. علاوة على ذلك، فإنه أسهم بأشكال مختلفة في العملات اللامركزية والمشفرة؛ وأسهم لدرجةٍ جعلت الأنظار تتجه إليه وتزعم بأنه "ساتوشي ناكاموتو"، لا سيما أن أسلوب كتابته مشابه لأسلوب "ناكاموتو" في الإيميلات، ولكن كما توقعت، اكتُشف لاحقًا أن "نيك سابو" شخص و"ساتوشي ناكاموتو" شخص أو كيان آخر.
اقرأ أيضًا: هل تعد عملة "نكست" الافتراضية استثمارًا جيدًا بطرق سهلة؟
هل كشفت HBO اللُّغز؟
تمكن مخرج فيلم Money Electric: The Bitcoin Mystery "كولين هوباك"، في وثائقي سابق من كشف هوية صاحب الحركة السياسية اليمينية المتطرفة "QAnon"، والذي كان يُشار إليه بـ"Q"، ولكن هذه المرة الأمر مختلف، فنحن نتحدث عن الكيان القابع وراء أشهر عملة مشفرة في العالم التقني، فهل تمكن "كولين" من "ساتوشي ناكاموتو"؟
عندما كان "هوباك" يروج لوثائقي Money Electric على منصة X، قال إنه تمكن من تعقب "ناكاموتو" الغامض، وأضاف: "قد يتساءل البعض منكم عن سبب اختفائي، حسنًا، كنت أتعقب شخصًا آخر اختفى".
قبل يومٍ واحد من عرض الوثائقي، راهن المستخدمون على موقع Polymarket (موقع المراهنات على العملات المشفرة)، أن "ساتوشي ناكاموتو" هو "ليونارد هاريس - لين ساسمان"؛ خبير التشفير الأمريكي الذي توفي بعد وقتٍ قصير من انقطاع كتابات "ناكاموتو" على منتدى النقاشات حول العملات المشفرة Bitcointalk.
صدر الفيلم الوثائقي وواجه المُخرج، المطور والخبير الكبير في البيتكوين "بيتر تود"، مدعيًا أنه "ساتوشي ناكاموتو"، وذلك استنادًا إلى عدة أدلة واتهامات تُشبه تلك التي وُجّهت إلى العديد من المُشتبه بهم سابقًا، علاوة على ذلك، فإن "تود" كان واحدًا ممن تواصلوا علنًا مع "ناكاموتو" بخصوص "البيتكوين" سابقًا، وهذا أحد أكبر الأدلة الدامغة التي اعتمد عليها المُخرج.
وطبعًا نفى "تود" مزاعم "كولين هوباك" -كما كان متوقعًا- وقال صراحةً على منصة X: "أنا لست ساتوشي"، وبشكلٍ عام، قال الخبراء والمخضرمون في مجال العملات الرقمية بأن الاتهامات والادعاءات التي وُجِّهت إلى "تود"، مثل تواصله مع "ساتوشي" الحقيقي وتشابه أسلوب الكتابة وما إلى ذلك، هي ادعاءات "سخيفة بشكلٍ واضح"، وهذا التصريح تحديدًا جاء من شركة "BitMEX Research".
إذن الخلاصة أن محاولة HBO لم تأتِ بما لم يأتِ به الأوائل؛ كُل الادعاءات التي وُجهت لـ"بيتر تود" لم تكن باهرة، وكان من السهولة نفيها ودحضها، وهذا ما فعله الخبراء كما أشرنا، ولكن إحقاقًا للحق يجب ألا نغفل حقيقة أن "ساتوشي" لن يؤكد مزعمًا يكشف هويته أيضًا، هذا إن كان "ساتوشي" شخصًا حقيقيًا وعلى افتراض أنه حيّ يُرزق.
الجدير بالذكر أن التقديرات تُشير إلى أن "ساتوشي" يمتلك تقريبًا مليون عملة "بيتكوين"، أي نحو 63 مليار دولار بتقديرات اليوم.