لماذا لا نستطيع تذكّر طفولتنا المبكرة.. وكيف نستعيد ذكرياتنا المنسية؟
ربّما تنظر إلى صورك القديمة، أيام طفولتك، وترى كم كُنت سعيدًا، يُذكّرك أبوَاك بما كُنت تفعله عندما كُنت صغيرًا، وقد تبتسم أو تبتهج لما يذكرونه لك، ولكن هل تتذكّر حقًا أي شيءٍ من ذلك؟!
في الواقع، غالبًا لا نتذكّر سنوات طفولتنا الأولى، وهذا طبيعي، ففي تلك المرحلة لا يكتمل نضج أجزاء الدماغ المسؤولة عن الذاكرة، ومع ذلك قد نحتفظ ببعض آثار ذكريات تلك الطفولة، فلماذا نسيناها ابتداءً؟ وهل يمكنك استعادة ذكريات طفولتك أم أنّها صارت بعيدة المنال؟
ما هو فقدان الذاكرة الطفولي؟
يُشِير فقدان الذاكرة الطفولي أو فقدان ذاكرة الطفولة، إلى عدم قدرة البالغين على استرجاع ذكريات الطفولة المبكرة، فمن الطبيعي تمامًا عدم تذكّر التجارب العرضية التي حدثت حتى سن 3 سنوات، وأن تمتلك مجموعة قليلة من الذكريات التي حدثت قبل سن العاشرة.
وهذا على عكس فقدان الذاكرة الطبيعي لدى البالغين؛ إذ تنسى التفاصيل الصغيرة بمرور الوقت، لكن نسيان ذكريات الطفولة ليس مرتبطًا بمرور الوقت كما هو الحال في النسيان العادي، بل هو نسيان أعمق ويصعب معه استعادة الذكريات.
ومن الأمثلة الواضحة على فقدان الذاكرة الطفولي، عدم تذكّر حفلة عيد ميلادك الأول، أو عدم تذكّر اليوم الذي استطعت فيه أخذ خطواتك الأولى في المشي.
كذلك قد لا تتمكّن من تذكر ما هو أقل أهمية من ذلك، مثل شكل ألعابك المفضلة عندما كُنت صغيرًا، أو الأطعمة التي تناولتها في تلك المرحلة أيضًا.
لماذا لا نستطيع تذكّر السنوات الأولى من طفولتنا؟
لم يتأكّد الباحثون تمامًا من سبب فقدان الذاكرة في مرحلة الطفولة، لكن ثمّة العديد من النظريات التي تُفسِّر ذلك، ومنها:
1. النظرية المعرفية:
افترض علماء النفس المعرفي، أنّ ذكرياتنا الشخصية من الطفولة المبكرة تتلاشى، لأنّنا لم نكتسب بعد المهارات اللازمة لتذكرها، ففي تلك المرحلة العمرية، لا تكون المهارات اللغوية متطورة بالكامل، وقد يؤثر ذلك في مدى تذكّرنا للأشياء، فالافتقار إلى اللغة المتطورة في أثناء الطفولة، قد يجعل من الصعب على الأطفال ترميز وتخزين الذكريات في إطارٍ متماسك.
علاوةً على ذلك، لا تتمحور هوية الطفل الصغير حول أهمية الذاكرة، فالطفل لا يهتم بالذكريات، بل يعيش حياته في الوقت الحالي مستمتعًا بما حوله، فتذكّر التجارب مهارة تحتاج إلى إتقان في تلك المرحلة، وعندما يبدأ الآباء في استذكار الإجازات السابقة أو عندما يبدؤون في طرح أسئلة حول ما حدث في منزل أحد الأصدقاء مثلًا، يتعلّم الأطفال الصغار أنّ التذكّر شيء يفعله الكبار، وشيء يجب ممارسته وتعلّمه.
اقرأ أيضًا:أهم أسباب فقدان الذاكرة المفاجئ.. وهذه هي وسائل العلاج
2. عوامل بيولوجية:
ينمو الدماغ وينضج كما ينمو الجسم بمرور الوقت، وربّما عندما كُنّا صغارًا لم تنضج أدمغتنا بعد بما يكفي لتخزين الذكريات واستعادتها؛ إذ يعتقد الباحثون بعدم اكتمال نضج جزء من الدماغ في هذه المرحلة العمرية، وهو الجزء المُسمّى بـ"الحُصين"، وهو الجزء الذي يُعالِج الذكريات ويخزّنها، ومن ثم يُسهِم ذلك في فقدان الذاكرة الطفولي.
وحول ذلك يقول عالم الوراثة "سوميت كومار": "في سن الرابعة تقريبًا، ينضج الحصين، وهناك تغيير في عدد المشابك العصبية التي تُقلِّم الروابط غير الضرورية، مما قد يتسبَّب في فقدان الذاكرة".
3. قلة الحركة:
أشارت مقالة بحثية نُشرت عام 2016 في مجلة "Frontiers in Psychology"، أنّ الرضع والأطفال الصغار أقل قدرة على الحركة من الأطفال الأكبر سنًا، ما يؤثر في قدرتهم على الاحتفاظ بالذكريات.
وأوضح المؤلفون أنّ الذكريات تصبح أقوى وأكثر توافرًا بعد أن ينتقل الطفل من الزحف إلى المشي؛ إذ تكون قدرات الذاكرة أكثر تطورًا، مع قدرة البشر على استكشاف بيئات أكثر اتساعًا وتنوعًا جغرافيًا، وهو ما يبدأ في التحقق مع حركة الطفل.
4. نظرية "الأثر العصبي":
هل كل ذكريات طفولتك تبخّرت وتلاشت في الهواء أم هي موجودة في مكان ما في دماغك بالفعل؟
ناقشت مراجعة نشرت عام 2014 في مجلة "Learning and Memory"، النظرية القائلة بأنّه على الرغم من أنّنا قد لا نتذكر معظم تفاصيل سنواتنا الأولى، فمن المحتمل أن تظلّ تلميحات أو ظلال هذه الذكريات في أدمغتنا بشكلٍ أو بآخر.
واقترح المؤلفون في تلك المراجعة أنّ هناك "أثرًا عصبيًّا" يبقى لذكرياتنا المبكرة في أدمغتنا، حتى عندما لا نتمكّن من وصف الذكرى.
هل يمكن استعادة ذكريات أيامك الأولى السعيدة؟
قد تكون محبطًا جراء عدم تذكرك أي شيء عن طفولتك، ولدى الخبراء آراء مختلفة بشأن إمكانية استدعاء الذكريات المنسية، حيث يظن بعض الباحثين أنّ هذه الذكريات لم تختفِ تمامًا من أدمغتنا، بل ما زالت موجودة في مكانٍ ما.
ومن ثم فقد تساعد محفّزات معيّنة في وقت لاحق من تحريك ذاكرتك، وكشف بعض بقايا تلك الذكريات، وإلى جانب ذلك فقد تُعِينك النصائح الآتية على استعادة ولو قدرٍ قليل من ذكرياتك السعيدة في أيامك الأولى:
1. تحدَّث عن الماضي مع أحبائك:
غالبًا ما تساعد مناقشة التجارب التي مررت بها، والأحداث المهمة الأخرى في إبقائها جديدة في ذهنك، كما قد يساعدك الحديث مع أحبائك عن الأشياء التي تتذكرها، في إضافة المزيد إلى اللمحات الصغيرة في ذاكرتك.
تتبّع ما تتذكره من خلال كتابته باستخدام أكبر قدرٍ ممكن من التفاصيل، ويمكنك الاحتفاظ بدفتر تدوّن فيه تلك الذكريات، مع إضافة المزيد من التفاصيل عند وصولك إليها.
جديرٌ بالذكر أنّ العديد من ذكريات الطفولة لديك قد تأتيك جزئيًا ما أخبرك به الآخرون بالفعل، فغالبًا ما يصفونها بما يكفي، لدرجة أنّك تُشكّل في النهاية صورة عنها في ذهنك.
اقرأ أيضًا:مكملات الثيانين: نوم هنيء وذاكرة أقوى وثلاث فوائد أخرى
2. طالِع صور طفولتك:
قد تُساعِدك صور طفولتك في استعادة ولو لمحة بسيطة من تلك الذكريات، فمثلًا قد تكون تلقّيت لعبة صغيرة معينة في عيد ميلادك الثاني، وحملتها معك في كل مكان لفترة طويلة، بينما يندهش والداك من نسيانك ذلك، لأنّك لم تكُن تدع تلك اللعبة تبتعد عن ناظرك.
لكن عندما تنظر إلى بعض الصور لنفسك في تلك الفترة، ترى نفسك ممسكًا باللعبة في قبضتك، وقد تبدأ في تذكر بعض التفاصيل، وإن كانت غير واضحة تمامًا.
وعند إلقاء نظرة خاطفة على صورك القديمة، حاول أن تُركِّز على تلك التي تعكس حياتك اليومية، فغالبًا ما تكون ذكريات الأشياء التي تحدث بانتظام أقوى من الأحداث التي تحدث لمرة واحدة.
3. أعِد زيارة الأماكن المألوفة:
إنّ العودة إلى الأماكن التي كُنت تزورها في طفولتك قد يجلب بعض الذكريات المنسية إليك، فبينما تسير في الشوارع المألوفة وتلاحظ علامات الماضي بادية عليه، قد تبدأ في تذكّر لحظات مماثلة من سنوات عمرك الأولى.
من ناحيةٍ أخرى، إذا تغيّرت الكثير من الأشياء في حيّ طفولتك، فقد تلاحظ هذه الاختلافات، حتى لو كُنت لا تتذكر بالضبط الشكل الذي كان يبدو عليه في طفولتك.
يتضح ذلك في الشعور بالارتباك قليلًا، أو الإحساس بأنّ الأشياء ليست في مكانها الصحيح، فإدراك ذلك يمكن أن يثِير ذكريات الطفولة لديك حول مظهر هذه الأشياء أو الحيّ في الماضي.
4. استمرّ في التعلّم:
يساعد التعلّم ما دُمت حيًا على تقوية عقلك وتحسين الذاكرة والوظائف المعرفية الأخرى، وربّما لن يساعد ذلك بالضرورة على تذكر ذكريات الطفولة، لكنّه لن يضر، ويمكن أن يُحسِّن فرصك في الاحتفاظ بذكريات الطفولة، التي لا تزال لديك، حسب "Healthline".