بالغون كالأطفال لا يتحملون المسؤولية.. متلازمة "بيتر بان"!
كم يهوى الناس أوقات طفولتهم، ويودّون لو أنّ الزمان لم يتحرّك بهم، إذ بلغوا وباتت على أكتافهم مسؤوليات ثقيلة، فمنهم من يتحمّل المسؤولية بجسارة ولا يُقصِّر، ومنهم من لا يعبأ بأي مسؤولية، كأنّما يرفض الانتقال من الطفولة إلى البلوغ، فلا يثبت في وظيفة، ولا يحافظ على علاقة، ولا يهتم بنموّه الشخصي والمهني، فيما يُعرَف بمتلازمة "بيتر بان"، فما تلك المتلازمة ولماذا تظهر عند بعض الناس؟
ما هي متلازمة "بيتر بان"؟
تُطلَق متلازمة "بيتر بان" على الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في دخول حياة البالغين، فلا يتمكّنون عادةً من إدارة مسؤولياتهم، مثل الحفاظ على الوظيفة أو الحفاظ على العلاقات.
وقد يُظهِر المصابون بتلك المتلازمة بعض السلوكيات، مثل التسويف والنرجسية، ما يجعل من الصعب عليهم إقامة علاقات اجتماعية أو مهنية أو رومانسية.
ولصعوبة قبول المصابين بمتلازمة "بيتر بان" المسؤولية، فقد يلومون الآخرين على مشكلاتهم، كما قد لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم، ما يُؤدِّي إلى وجود مشكلات في علاقاتهم مع غيرهم.
سمات المُصاب بمتلازمة "بيتر بان"
متلازمة "بيتر بان" ليست تشخيصًا رسميًا، فلا تُوجَد معايير نموذجية لتشخيصها مثل أغلب الاضطرابات النفسية، ومع ذلك فمن علاماتها:
- صعوبة تحمّل المسؤوليات والالتزام.
- مشكلات العمل والمسار المهني.
- الملل أو التعبير عن المشاعر بأسلوب غير لائق، مثل الغضب العارم بدلًا من الضيق.
- العبثية والتركيز على الذات.
- الخوف من الوحدة.
- صعوبة التحكّم في السلوك الاندفاعي.
- الاعتماد على الآخرين.
كيف تؤثر متلازمة "بيتر بان" على العلاقات والزواج؟
إذا كان شريكك أو أحد أقاربك مصابًا بمتلازمة "بيتر بان"، فقد يكون لديك انطباع بأنّه من الصعب عليه مواجهة العالم وحده.
لماذا قد ينتابك ذلك الظنّ تحديدًا؟ ربّما لأنّه يترك أطباقه تتراكم في الحوض، أو يتجنّب غسل ملابسه حتى لو لم يكن لديه شيء نظيف لارتدائه، ومِنْ ثَمّ تجد نفسك تساعده بانتظام في الأعمال المنزلية، فقط لجعل المنزل صالحًا للسكن.
بل قد تظهر بعض الأمور الأخرى، مثل:
- تركك تخطّط للأنشطة وتتخذ القرارات الكبيرة.
- إهمال الأعمال المنزلية ومسؤوليات رعاية الطفل.
- تفضيل العيش من أجل اليوم فقط وعدم الاهتمام بوضع خطط طويلة الأجل في حياته.
- إنفاق الأموال بغير حكمة ومواجهة مشكلات في الشؤون المالية الشخصية.
- التجنّب المستمر لمعالجة مشكلات العلاقات بطرقٍ مثمرة.
اقرأ أيضًا:"متلازمة الشخصية الرئيسة".. عندما تكون بطل روايتك ومحورها!
كيف تؤثر متلازمة "بيتر بان" في الوظيفة والحياة المهنية؟
كذلك يُواجِه المصابون بمتلازمة "بيتر بان" صعوبة في تحقيق الأهداف المهنية، وذلك بسبب:
- كثرة فقدانه للوظائف، بسبب قلة المجهود الذي يبذله أو تأخير العمل أو حتى التغيّب عن العمل.
- بذل القليل من الجهد الحقيقي للحصول على عمل.
- تكرار ترك وظيفته بسبب الشعور بالملل أو التحدي أو التوتر.
- العمل بدوام جزئي فقط، وليس لديه شغف في السعي وراء فرص الترقية.
- الانتقال من مجال إلى آخر دون قضاء الوقت اللازم في تطوير المهارات في أي مجالٍ مُعيّن.
وفي بعض الحالات، قد تظهر المشكلة أيضًا في صورة أهدافٍ غير واقعية، مثل الحلم بأن يصبح رياضيًا محترفًا أو أن يحصل على صفقة قياسية!
سلوك المُصاب بمتلازمة "بيتر بان"
قد يبدو الأشخاص المصابون بمتلازمة "بيتر بان" عاجزين قليلًا؛ إذ قد تكون ميوله وسلوكه على النحو التالي:
- عدم إمكانية التعويل عليه.
- الانفجارات العاطفية عند مواجهة مواقف عصيبة.
- الميل إلى تقديم الأعذار وإلقاء اللوم على الآخرين عندما تسوء الأمور.
- اهتمام ضئيل أو معدوم بالنمو الشخصي.
- التوقّع بأن يرعاه أو يهتم به الآخرون.
- الخوف من التقييم السلبي.
- الرغبة في إبقاء خياراته مفتوحة بدلًا من وضع خطط عملية.
هل لمتلازمة "بيتر بان" علاقة بالنرجسية؟
نعم، قد يُظهِر بعض المصابين بمتلازمة "بيتر بان" ميولًا نرجسية، لكنّهم قد لا يستوفون المعايير الكاملة لاضطراب الشخصية النرجسية، وليس كل مصابٍ بمتلازمة "بيتر بان" به صفات النرجسي.
وهذه بعض سمات النرجسية التي قد تبدو عليهم:
- عدم قبول المساءلة.
- إلقاء اللوم على الآخرين في الإخفاقات.
- إعطاء الأولوية للرغبات الشخصية على احتياجات الآخرين.
- الخوف من النقد.
- التقليل من قيمة الآخرين.
- غياب التعاطف مع الآخرين.
ويعتقد العديد من الخبراء أنّ تلك السلوكيات النرجسية الدفاعية، هي للتعويض عن تدنّي احترام وتقدير الذات؛ حيث يُعوِّض النرجسي مشاعر عدم الكفاءة والفراغ.
وقد يصل الأشخاص المصابون بمتلازمة "بيتر بان" إلى نفس المشاعر عبر طريقٍ مختلف، خاصةً مع وجود القليل من الإنجازات الشخصية، ومِنْ ثَمّ فقد يواجهون عدم الاحترام أو الفصل من العمل، ما قد يجعلهم يشعرون بتدنّي قيمة الذات.
أسباب الإصابة بمتلازمة "بيتر بان"
لا يُوجَد سبب واحد يكفي لتفسير متلازمة "بيتر بان"، لكنّه قد يكون نتيجة بعض العوامل المُعقّدة، مثل:
1. تجارب الطفولة:
قد تؤدي بعض أنماط الأبوة والأمومة إلى نشوء أشخاصٍ لم يتعلّموا مهارات الحياة على مستوى البالغين، وهم ماهرون في تجنّب المسؤوليات والالتزامات، مع البحث عن المتعة وإضفاء الطابع الرومانسي على الحرية والهروب من الواقع.
وغالبًا ما يكون لدى المُصابين بمتلازمة "بيتر بان" آباء وقائيون بشكلٍ مفرط أو متساهلون للغاية:
- الأبوة المتساهلة جدًا: غالبًا لا يضع الآباء المتساهلون جدًا أي حدود على سلوك الأبناء، فيكبرون ويعتقدون أنّه لا بأس من فعل ما يشتهون، فرُبّما اعتنى والداك بأي تداعيات ولم يلقيا اللوم عليك عندما ارتكبت خطأً ما، فلم تتعلّم أنّ بعض الأفعال لها عواقب.
كذلك إذا اعتنى الأبوان باحتياجات الأبناء المالية في بداية مرحلة البلوغ، ولم يتوقّعوا من أبنائهم العمل للوصول إلى الأشياء التي يرغبونها، فربّما لا يفهم الأبناء لاحقًا سبب حاجتهم إلى العمل، ما قد يُفسِّر سلوك المصاب بمتلازمة "بيتر بان".
اقرأ أيضًا:"متلازمة النائم طويلاً": لماذا ينام بعض الناس أكثر من غيرهم؟
- الأبوة الوقائية: يمكن للآباء الوقائيين أن يجعلوك تشعر كما لو أنّ عالم الكبار مخيف ومليء بالصعوبات، وقد يشجعونك على الاستمتاع بالطفولة، ويُقصِّرون في تعليمك مهارات، مثل الميزانية أو التنظيف المنزلي أو كيفية الحفاظ على العلاقات.
وقد يتجنّب هؤلاء الآباء أيضًا مناقشة مفاهيم البالغين معك، ما قد يقود الإنسان إلى الالتفاف حول مفاهيمه الخاصة في الحياة، وربّما يقع في شراك متلازمة "بيتر بان"، التي تتربّص بمن على هذه الشاكلة.
2. عوامل اقتصادية:
كذلك قد تكون المصاعب الاقتصادية من العوامل المساهمة في متلازمة "بيتر بان"، خاصةً في الأجيال الشابة، أو بعبارة أخرى،قد يكون الكبر أو البلوغ أصعب قليلًا مما كان عليه من قبل.
فمثلًا الأجور المنخفضة وقلة فرص العمل، قد تجعل المرء لا يمتلك دافعًا كافيًا لمتابعة مهنته بحماس، كما أنّ زيادة الضغط المالي والقلق، وصعوبة إدارته من قِبل بعض الناس، أفضى بهم إلى تجنّب المسؤولية تمامًا، وهذا من سمات متلازمة "بيتر بان".
كيف يمكن التعامل مع متلازمة "بيتر بان"؟
إذا كُنت تُعانِي متلازمة "بيتر بان"، ولا تتمكّن من تحمّل المسؤوليات، وتشعر كأنّها حمل ثقيل عليك، فهذا إحساس طبيعي، فبالتأكيد تتمنى لو تعود إلى سنوات الطفولة والمراهقة، إذ كانت المسؤوليات ضئيلة.
لكن من الممكن أن تُجري بعض التغييرات في حياتك، بمحاولة معرفة أسباب تجنّبك للحفاظ على العمل، أو استشارة مُعالِج، يساعدك على معرفة أنماط حياتك وكيف تؤثر في علاقتك، وكيفية التعامل مع ذلك، وقد يساعد العلاج الأسري على تغيير ديناميكيات العلاقة، التي قد تُسهِم في وجود متلازمة "بيتر بان".
ماذا تفعل إذا كنت في علاقة مع مُصاب بمتلازمة "بيتر بان"؟
من الضروري تشجيع ودعم التغيير الإيجابي لدى المُصاب بالمتلازمة، ومع ذلك فمن غير الممكن تغيير شخص غير مستعد أو لا يرغب في القيام بأي شيء، لذا لا ترفع سقف توقعاتك عاليًا، كي لا تُحبَط.
بدلًا من ذلك، حاول أن تُوصِل إليه طموحاتك وتوقعاتك أنت وأهداف حياتك، لرؤية كيف يحترم حياة البالغين وكيف يتجاوب مع ذلك.
من ناحية أخرى، فقد يساعدك التوقف عن بعض السلوكيات المعتادة، مثل التنظيف بعده أو دفع الفواتير بدلًا منه، فهذا قد يجعله يدرك أنّه بحاجةٍ إلى تغيير سلوكه.