لغة العضلات.. كيف تتحدّث عضلاتك مع جسدك؟
لا تُؤدِّي ممارسة التمارين الرياضية إلى بناء العضلات أو زيادة قوتها فقط، حيث تُطلِق العضلات بعض المُركّبات الكيميائية في الدم، التي تصل إلى أجزاء مختلفة من الجسم، مُؤثِّرة في وظائفه، بما في ذلك التمثيل الغذائي، ونمو العظام، وتنظيم مستويات السكر في الدم، والإسهام في حرق الدهون، وتحفيز نمو الخلايا العصبية في الدماغ، فما لغة التواصل بين العضلات وبين كل هذه الأجزاء من الجسم؟
ما هي لغة العضلات؟
تُعرَف لغة العضلات بـ"الميوكين Myokine" أو "السيتوكينات العضلية"، وهي هرمونات ومُركّبات تُطلِقها العضلات، وتتواصل بها مع مختلفة أنظمة الجسم، وقد حدّد الباحثون بالفعل أكثر من 650 ميوكين.
وهذه الميوكينات تُسهِم في بناء العضلات، وهي لغة التواصل بين العضلات وبين مختلف أعضاء الجسم، مثل الدماغ والعظام، وحتى الجهاز الهضمي وغيره.
وتؤثر بعض الميوكينات في العضلات الهيكلية نفسها، وتشارِك في تنظيم الكتلة العضلية للجسم، وقد تعرّف بعض الباحثين إلى بعض الميوكينات التي تساعد على تضخيم العضلات، مثل "ميوستاتين" و"ديكورين"، وذلك إلى جانب "الإنترلوكين-6".
"الإنترلوكين-6" وحوار العضلات مع الجسم
عندما تمارس التمارين الرياضية، تضخّ العضلات "الإنترلوكين-6" في الدم، ما يُؤدِّي إلى ارتفاع مستوياته بنحو 100 ضعف، ويساعد ذلك المركّب في التمثيل الغذائي وخفض مستويات السكر في الدم وزيادة حرق الدهون.
جديرٌ بالذكر، أنّ ذلك المُركّب مرتبط بوجود الالتهابات، لكن حال إفرازه من العضلات فإنّه يكون مضادًا للالتهابات، كما أنّه يساعد الجسم على إطلاق المزيد من المُركّبات المضادة للالتهابات.
كيف تتواصل العضلات مع الدماغ؟
ارتبطت ممارسة التمارين الرياضية بانتظام بتحسين الصحة العقلية وتقليل مخاطر الإصابة بالخرف، وقد وجدت دراسة حيوانية نُشِرت عام 2016 في "Cell Metabolism" أنَّ أحد الميوكينات يُدعَى "كاثيبسين ب" يُفرَز من العضلات خلال الجري.
وهذا المُركّب يصل إلى الدماغ، ليُحفَّز إفراز عامل التغذية العصبية المُستمد من الدماغ (BDNF)، الذي يساعد الخلايا العصبية على النمو، ويُسهِم في تحسين الذاكرة والتعلّم، وهذا قد يُوضِّح كيف تُساعِد ممارسة التمارين الرياضية في إبطاء التدهور المعرفي، وتقليل خطر الإصابة بالخرف.
جديرٌ بالذكر، أنّه في دراسة نشرت عام 2010 في "American Journal of Physiology, Regulatory, Integrative and Comparative Physiology" فإنّ ركوب الدرّاجات قد ساعد على زيادة مستويات عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ.
اقرأ أيضًا:تمارين الـ "EMOM".. حرق للدهون وبناء للعضلات "في دقيقة واحدة"
حوار العضلات مع العظام
العظام أنسجة حية يعيد الجسم تشكيلها وإصلاحها باستمرار مثل العضلات، وعندما تمارِس أي تمارين رياضية، فإنّ العضلات تضع حمولة إضافية على عظامك، ما يُحفِّز نمو العظام وعملية إصلاحها، لكن كيف تخاطب العضلات العظام بذلك؟
من خلال الميوكينات أيضًا، وقد أشارت الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أنّ "الميوستاتين" يُؤثِّر على صحة العظام، كما أنّ مستوياته المرتفعة قد تمنع نمو العظام، بينما تبيّن أنّ "الإنترلوكين-6" العضلي وغيره من الميوكينات تُحفِّز نمو عظامٍ جديدة.
حوار العضلات مع الجهاز الهضمي
تُؤدِّي زيادة مستويات "الإنترلوكين-6" بعد ممارسة التمارين الرياضية إلى تحفيز إفراز الإنسولين من البنكرياس، ما قد يُساعِد على السيطرة على مستويات السكر في الدم، وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري.
وقد وجدت دراسة نشرت عام 2008 في "المجلة الأمريكية لعلم وظائف الأعضاء وعلم الغدد الصماء والتمثيل الغذائي American Journal of Physiology, Endocrinology, and Metabolism"، أنّ "الإنترلوكين-6" يُؤخّر معدل إفراغ المعدة للطعام بعد الأكل، ما يُسهِم في تنظيم مستويات السكر بعد تناول الطعام، ولا يجعل الجسم يفرِز كمية كبيرة من "الإنسولين" إثر عدم إفراغ المعدة للطعام سريعًا، ما قد يُسهِم في تقليل خطر الإصابة بمقاومة الإنسولين.
كيف تتواصل العضلات مع جهازك المناعي؟
تُعدّ العضلات من الأعضاء المنظِّمة للمناعة خلال ممارسة التمارين الرياضية، لما لها من تأثير على خلايا الدم المناعية والالتهابات، ففي أثناء التمارين الرياضية، تُعبّأ الخلايا الليمفاوية وغيرها من الخلايا المناعية إلى الدم، وبعد تمرين طويل الأمد عالي الكثافة، ينخفض تركيز الخلايا الليمفاوية عمّا كان عليه قبل التمرين، بينما تستمر أعداد الخلايا الأخرى "الخلايا المتعادلة" في الزيادة.
ويُحافَظ على التأثير القصير في زيادة الخلايا الليمفاوية والمتعادلة بعد التمرين بوساطة "الأدرينالين"، بينما تستمر زيادة الخلايا المتعادلة لاحقًا بوساطة كل من "الأدرينالين" و"الكورتيزول"، وما قد يساعد على ذلك هو "الإنترلوكين-6"، المُفرَز سلفًا خلال ممارسة التمارين الرياضية.
فيما يصاحب قلة النشاط البدني التهاب مزمن منخفض الدرجة، وقد تساعد ممارسة التمارين الرياضية في إنشاء تأثيرات مضادة للالتهابات؛ إذ تُحفِّز الزيادة في "الإنترلوكين-6" إنتاج "السيتوكينات" المضادة للالتهابات في الجسم.
كما تساعد ممارسة التمارين الرياضية في فقدان الدهون، خاصةً الدهون الحشوية، التي تُشعِل الالتهابات في الجسم أكثر من غيرها من الدهون، بما يُسهِم في تخفيف الالتهابات، والمساهمة في الوقاية من الأمراض المزمنة.
اقرأ أيضًا:برنامج 5×5: طريقك السريع لبناء عضلات قوية
لم لا تتحدّث إلى عضلاتك؟!
لا تقتصر فوائد المركبات التي تفرزها العضلات في أثناء التمارين "الميوكينات" على ما سبق ذكره فقط، بل هناك أدلة متزايدة على دورها في الحفاظ على صحة الأوعية الدموية والكبد والجلد أيضًا.
لذا فإنّ أفضل ما تفعله هو الحفاظ على نشاطك البدني، واستخدام عضلاتك لدعم صحتك بالكامل، وتعزيز التواصل بينها وبين أعضاء الجسم الأخرى.
ولست بحاجةٍ للذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية كل يوم أو ممارسة تمارين شديدة، بل إنّ الجري أو حتى المشي يكفيان لتنشيط عضلاتك، ومن ثم التحدث معها.
وإذا كان الأمر صعبًا عليك، فحاول أن تمارس الرياضة وتدمجها في حياتك بذكاء، فمثلاً حاول أن تمشي بدلاً من أن تقود السيارة، أو أن تصعد الدرج بدلاً من استخدام المصعد، وسُرعان ما ستتحوّل الرياضة إلى روتين في يومك، فهي مفيدة حتى إذا كُنت تبذل أقل جهد فيها.