سيدة الأعمال دينا حسن النهدي: شغفي بالبيئة دفعني لتجاوز الصعاب والاستدامة ليست هدفًا بل أسلوب حياة
تترأس اليوم مجلس إدارة "شركة الاقتصاد الدائري"، وفي رصيدها سنوات طويلة من العمل والشغف في المجال البيئي، استطاعت أن تضع بصمتها الخاصة وتسهم بفاعلية في تقديم أفضل الحلول البيئية الاقتصادية لمختلف القطاعات، وتعد رائدة في مجالها وقد بدأت العمل به منذ عام 1995م.
سيدة الأعمال دينا حسن النهدي أسست العديد من الشركات التي تقدم الابتكارات والاستراتيجيات والمنهجيات في المجال البيئي والاستدامة والاقتصاد الدائري، وتدعم شركاء النجاح من الاستراتيجيات إلى التنفيذ.
التقتها "منصة الرجل" في دارتها بمدينة جدة لتطالع أوراقها المتنوعة في المجالات البيئية والاقتصادية والقيادية، حيث تقلدت خلال مسيرتها عدة مناصب، ونالت أكثر من عضوية، وأسهمت في تحويل مشاريع من الهدر إلى الترشيد، معززة الاقتصاد الدائري بوصفه من استراتيجيات 2030 لتحقيق السعودية الخضراء.
طفلة فضولية
من هي دينا حسن النهدي؟
دينا بنت حسن النهدي، ابنة وأم وزوجة، شغوف بالاستطلاع وفهم كل جديد منذ طفولتها وما زالت أسئلتها لا تنتهي..
تلك المسيرة الطويلة كيف بدأت؟
منذ الطفولة، كان التركيز على نشأتي وحيدة لأبوين معطاءين، على قدر الحنان والعطاء منهما، على قدر المسؤوليات التي وقعت على عاتقي، فكان والدي ومرشدي الأول يصحبني طفلةً إلى اجتماعاته العملية بكل فخر، وعند العودة إلى البيت تبدأ الأسئلة تنصب عليّ لإعطاء الرأي، فكانت بمنزلة دروس إدارية فتحت مداركي.
بدء الحياة العملية
أول محطة في حياتك العملية؟
بعد البكالوريوس توظفت في شركة عالمية متخصصة في بيع منتجات التجميل بمنصب مديرة مبيعات "منطقة جنوب جدة" فاكتشفت الأحياء وديناميكية سكانها بالتفصيل، وتعرفت على شريحة من النساء الراغبات في التطور، احترمتهن وقدرت استجابتهن للتدريب والأفكار المبتكرة التي اختلقتها حسب أوضاعهن الفعلية لتحقيق الأهداف.
ما الهدف من وراء هذا العمل؟
فتح فرص عمل للفتيات مندوبات مبيعات، فابتكرت معهن أسلوبًا مميزًا للبيع، وكيفية استهداف عميلات جديدات، فعززت ثقتهن بأنفسهن، وعلّمتهن المشاركة وإعادة استخدام العلب الفارغة.
كيف كان ردة الفعل لدى الشركة؟
الشركة لم تكن تتوقع هذا النجاح الذي فاق الأهداف وحققت المرتبة الأولى على المملكة في المبيعات، وترقيْتُ إلى مديرة مبيعات إقليمية، على ثلاث مدن: جدة ومكة والطائف، تعلمت الكثير على مدى عشر سنوات، وتعرفت على احتياجات المجتمع، وازداد شغفي بالعمل كوني أفتح أبواب رزق للآخرين، كي يتعلموا ويعلّموا لتبقى الدائرة متكاملة.
لماذا أنشأتِ مؤسسة "تقنية تحسين البيئة" في أثناء وظيفتك؟
كنت واعية لأهمية المحافظة على البيئة وواقع التلوث، وملتمسة الحاجة الماسة إلى المياه، فبدأت أول خدمة بالمؤسسة لمعالجة مياه الصرف الصحي، ولكنني واجهت منافسة شرسة من هوامير المجال فأغلقت القسم وركزت على الخدمات البيئية مثل دراسات تقييم الأثر البيئي، وقياسات جودة الهواء والمياه والتربة وغيرها.
صعوبات وتحديات
ما الصعوبات التي واجهتك؟
لم يكن متاحًا آنذاك للمرأة أن يكون لديها سجل تجاري باسمها إلا تحت مسميات محدودة مثل التجميل والخياطة، لكن والدي رحمة الله عليه دعمني بإقناعه للجهات المختصة وجرى تسجيلها باسمي. وتوالت التحديات بأنواعها، فـ"المحافظة على البيئة" لم يكن مفهومًا من الأغلبية بل يُعد عبئًا ومنبوذًا، والقطاع الصناعي كان حكرًا على الرجال، فكنت السيدة الوحيدة على طاولة الاجتماعات. لكن شغفي بعمارة الأرض بإحسان جعلني أتخطى الصعاب وركزت على مستقبل بيئة وطني. وبعد عشر سنوات تحولت المؤسسة إلى شركة واستمرت ما يقارب 27 عامًا.
كيف اشتغلتِ على تطوير مهاراتك؟
أحرص دومًا على تطوير ذاتي وشركاتي، وكلما فكرت بمشروع جديد ألجأ لدورة تدريبية من جهات معتمدة عالمية تخص ذاك المشروع لأتعلم أكثر، حصلت على شهادة LEED leadership in Energy & environmental design وشهادة منهجيات الاقتصاد الدائري من جامعة كامبردج بالإضافة للعديد من الدورات القيادية من جامعات عريقة مثل انسياد وايسادي وغيرها الكثير. وتعلمت من المهندسين والاستشاريين في شركاتي، لحرصي على استقطاب الأفضل للعمل معهم على مشاريع قطاعي العام والخاص، وخلق مزيج من الخبرات العلمية والعملية على مدى 27 عامًا.
اقرأ أيضًا: د. خلود المانع: فخورة بتمثيل وطني والتشريف العالمي.. ونجحت بدعم زوجي
فكر مغاير
كيف تعرفت على مبدأ الاقتصاد الدائري؟
في 2014 جاءتني دعوة من السفارة الهولندية مع برنامج متكامل لزيارة مدن مختلفة والاطلاع على المشاريع التي تدور حول النفايات الصلبة، تعرفت حينها على مفهوم الاقتصاد الدائري ومبدأ عمله، زرنا المصانع والمنشآت للتدوير بأنواعها الحكومية والخاصة، ورأيت أن الهدر بمرتبة الصفر، فعدت بفكر مغاير ونشرت الوعي عن الاقتصاد الدائري.
ما الطموح الذي يقف خلف تأسيس هذه النوعية من الشركات؟
السنوات الخمس الأخيرة ذهبت للمظلة الكبرى وأسست شركة "الاقتصاد الدائري" غايتها النمو بمسؤولية لاقتصاد مستدام، والطموح أن تكون الشركة السعودية الرائدة ذات مرجعية في الاستدامة والبيئة للمساهمة في صناعة المستقبل.
فالاستدامة هي نقطة التقاء ثلاث دوائر "البيئة والاقتصاد والمجتمع" لو فُقدت واحدة، لم تعد استدامة، حيث نوعية الاستشارات أوسع وأشمل تضم الكثير من الاقتصاديات، وهذا التوسع بالمشاريع بفضل الله ثم رؤية 2030.
وكيف يتلاقى هذا النشاط مع رؤية 2030؟
رؤية 2030 أحدثت نقلة نوعية في المشاريع بكل القطاعات، وأصبحت الاستدامة جزءًا لا يتجزأ من قياس مؤشرات الأداء والأهداف والنتائج الرئيسة.
لماذا الاقتصاد الدائري؟
هل يمكن أن تعطينا فكرة مكثفة عن الاقتصاد الدائري؟
هو نموذج اقتصادي يستهدف تقليل الهدر والمحافظة على الموارد الطبيعية من خلال إعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، والتصميم للاستخدام الثاني من الأساس، وأهمية الاستخدام الفعال، ما يقلل من الآثار السلبية الناجمة عن الأنماط الاقتصادية التقليدية، وخلق فرص اقتصادية واستثمارية جديدة.
ما هي مبررات الاقتصاد الدائري ومزاياه؟
بعدما أحدثت الثورة الصناعية تلوثًا بيئيًّا، وخللًا بالتوازن المناخي، أصبحت الأرض بحالة احتضار نظرًا للاستهلاك البشري الكبير والسيئ متناسين أوامر الله في إعمار الأرض بشكل مستدام. فجاءت الأبحاث العلمية القائمة على التكنولوجيا واللوجستيات العكسية التي قدمت مزايا اقتصادية وبيئية واجتماعية كبيرة، وقللت من هدر الموارد الطبيعية، وتحويل ما كان يسمى بالنفايات إلى مواد أولية لاستخدامات جديدة مثل تحويل الانبعاثات الكربونية إلى طاقة وهذا ما سمي بالاقتصاد الدائري.
لماذا لا يدخل هذا الموضوع ضمن المناهج التعليمية؟
نسعى في شركة الاقتصاد الدائري لبناء القدرات من خلال الدورات التدريبية المتخصصة في الاستدامة والاقتصاد الدائري، منها الدورات القصيرة، ومنها البرامج المتكاملة التي تنتهي بشهادات معتمدة سواء لطلبة الجامعات أو لموظفي القطاع الحكومي والخاص، وعليها إقبال كبير لجودة النتائج العملية للمتدربين.
تخرجت من الدفعة الأولى من برنامج قادة مسك 2030، ما هي مهامك كسيدة قيادية بعدما جرى اختيارك ضمن قيادات الاستدامة البيئية على مستوى العالم؟
القيادة ليست مهام، بل هي أسلوب حياة ومهارة لتمكين الغير وتطويره ودعمه لتحقيق هدف موحد، وسيدي سمو الأمير محمد بن سلمان أفضل نموذج للقيادة الحكيمة.
فجرى تعييني رئيسًا مشاركًا في مجلس العمل المعني بالاستدامة وحالات الطوارئ العالمية في مجموعة B20 ITALY، وعضوًا بلجنة الاستدامة والحوكمة لمجلس إدارة بنك الإنماء، وعضو مجلس إدارة شركة mCloud الأمريكية.
تحديات كبيرة
مفهوم الاقتصاد الدائري جديد على المستوى المحلي، أي نوع من التحديات واجهتِ؟
كل جديد يقابل بالكثير من التشكيك والاستنكار، فالوعي والإدراك من أهم محطمات التحديات. في القطاع العام تُعد الاستدامة ركيزة أساسية في رؤية السعودية 2030، وتسعى المملكة جاهدة نحو مستقبل يضمن الحياد الصفري للكربون بحلول عام 2060، ومع الالتزام بالطاقة النظيفة والاستدامة.
السعودية الخضراء
كيف يمكن للشركات أن تخطو على هذا الدرب لتحقيق السعودية الخضراء؟
أطلق الأمير محمد بن سلمان مبادرة السعودية الخضراء بهدف تفعيل دور كل فئات المجتمع، وتوحيد جهود الاستدامة، وتسريع وتيرة العمل المناخي في المملكة. ودعمت المبادرة طموح المملكة المتمثل في تحقيق هدف الحياد الصفري بحلول عام 2060 عبر تبني نموذج الاقتصاد الدائري للكربون، وسعت إلى تحقيق ثلاثة أهداف طموح تتمثل في تقليل الانبعاثات الكربونية، وتشجير المملكة، وحماية المناطق البرية والبحرية.
المرأة السعودية تجاوزت مرحلة إثبات الوجود إلى مرحلة التنافس في قطاع الأعمال بشكل عام، واستطاعت منافسة الرجل؟
المرأة والرجل يكمل أحدهما الآخر، والمنافسة الشريفة تكمن في الفكر والإنتاج والإنجازات بغض النظر عن ذكر أو أنثى، وأسعى للتمكين وترك بصمة إيجابية كي يكونا قادة لمن يأتي بعدهما، فالمرأة السعودية قيادية، واليوم برزت بشكل أقوى وتمكنت بشكل نظامي.
البطاقة التعريفية
الاسم: دينا حسن النهدي.
الحالة الاجتماعية: متزوجة، لديها ثلاثة أولاد وبنت
الشهادة: بكالوريوس محاسبة وماجستير في الإدارة البيئية، ودكتوراه فخرية في التنمية المستدامة
المهنة: رئيس مجلس إدارة شركة الاقتصاد الدائري
مكان وتاريخ الميلاد: مونتريال 30 يناير