التحول الرقمي في المملكة.. هكذا أصبحت السعودية من رواد التقنية
لا يخفى على أحد أن السعودية تغيّرت تمامًا -للأفضل بالطبع- وبددت الصورة النمطية، لدرجةِ أن المثل يُضرَب بها الآن في مجالات وقطاعات عدة، أبرزها القطاع التكنولوجي، بشكلٍ عام. ومع الوصول إلى منتصف الطريق -تقريبًا- نحو تحقيق رؤية 2030، نلاحظ أن المملكة أحرزت تقدمًا ملحوظًا في القطاعات غير النفطية عامةً، حيث تجاوز إجمالي الناتج المحلي السعودي التريليون دولار للمرة الأولى في عام 2022، ولهذا الإنجاز دلالات كثيرة نشهدها الآن بأنفسنا ونستعرض بعضها أدناه.
1. نحو رقمنةٍ شاملة
على ذكر رؤية السعودية 2030، فالمملكة تسعى لرقمنة "70% من أنشطة المرضى" بحلول ذلك العام، والهدف هو الحد من الاعتماد على البشر وأتمتة العديد من خدمات الرعاية الصحية.
كذلك، تلتزم السعودية بدعم الابتكار التكنولوجي، من خلال مبادراتها المختلفة، التي تشمل تدشين مناطق اقتصادية عملاقة ترتكز على التكنولوجيا، مثل منطقتي "نيوم" و"مدينة الملك عبد الله الاقتصادية".
هذه التدابير، ومثيلاتها، تعمل على خلق بيئة مواتية لكلٍ من الشركات الناشئة في المجال التقني، والشركات العملاقة متعددة الجنسيات، ولقد أدى النجاح المستمر لهذه المبادرات الاقتصادية إلى صعود المملكة للمركز السابع عشر في تصانيف الاقتصاد العالمي لعام 2022، ما جعل صندوق النقد الدولي يتوقع تحقيق السعودية لإيرادات قدرها 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2028.
جدير بالذكر أن رؤية 2030 تُعد الخطة الاستراتيجية الشاملة لتحويل اقتصاد ومجتمع المملكة بأكمله، من خلال بناء مجتمع حيوي يوفر الرفاهية والازدهار لمواطنيه، ويزيد من اعتزازهم بهويتهم وتراثهم الممتد، وتحسين الاقتصاد أكثر وأكثر، بحيث يجد الجميع فرصًا للنجاح، وأخيرًا وليس آخرًا خلق مجتمع طموح تديره حكومة فاعلة عالية الأداء، تتسم بالشفافية وتخضع للمساءلة على جميع المستويات.
2. اهتمام بكل المجالات التقنية
في المملكة العربية السعودية، تستثمر الشركات في كلِ المجالات التقنية تقريبًا، ولكنها تولي اهتمامًا خاصًا بالتقنيات الجديدة مثل الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والبلوكتشين، وإنترنت الأشياء IoT، والروبوتات، والواقع الافتراضي، إلخ، كما تضخ استثمارات كبيرة في الاقتصاد الرقمي الحديث، وهذا يتضح جليًا في المدن والبنى التحتية الذكية.
ويرى 60% من قادة الأعمال في السعودية (مقابل 56% على المستوى العالمي)، أن التحول الرقمي أو التغيير التكنولوجي سيكون العامل الرئيسي الذي سيحدد ما إذا كانت شركاتهم قادرة على خلق قيمة في غضون الثلاث سنوات المقبلة، وذلك بما يتماشى مع الموقف السائد في المنطقة ككل.
3. إيمان القادة في المملكة بالذكاء الاصطناعي
كشفت نتائج استطلاع أجرته شركة PwC، أن 66% من المديرين التنفيذيين في السعودية يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيغير نماذج أعمالهم بشكلٍ كبير خلال السنوات الثلاث المقبلة، وتوقع ما يقرب من ثلاثة أرباعهم، وتحديدًا 74% منهم، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيؤثر على الميزة التنافسية لشركاتهم بشكلٍ كبير، وهذا الرقم يتخطى النسبة العالمية وهي 68%، ما يشير إلى الإيمان القوي للقادة في السعودية بأهمية الذكاء الاصطناعي.
ويتفق غالبية القادة في المملكة (71%) أن الذكاء الاصطناعي سيزيد من كفاءتهم ومن كفاءة الموظفين في العمل، وهذه النسبة المذكورة تتفوق أيضًا على المتوسط العالمي، مما يدل على الاستنتاج السابق نفسه.
اقرأ أيضًا: من إيلون ماسك لمارك زوكربيرج.. ماذا يأكل رواد التكنولوجيا؟
لعل المشكلة الوحيدة في هذا التبني الواسع للذكاء الاصطناعي التوليدي أنه يتطلب تدريبًا خاصًا للقوى العاملة، حيث يرى 71% من القادة السعوديين أن هذا المجال يستلزم وجود مهارات جديدة، تُمكن الموظفين من الاستفادة من الفوائد المنشودة بشكلٍ فعال، كما يرون أن التعلم والتكيف المستمرين هما السبيل الوحيد لاستمرار الشركات في المقدمة.
4. الاستهلاك الجنوني لوسائل التواصل
يشهد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة ارتفاعًا هائلًا، حيث يوجد الآن أكثر من 20 مليون مستخدم نشط في البلاد؛ الرقم الذي يمثل معدل انتشار يزيد على 60%، ويجعل المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر الدول نشاطًا على هذه المنصات.
وبالطبع انتبهت أشهر العلامات التجارية إلى هذه الأرقام المخيفة، واستغلت "السوشيال ميديا" في الوصول إلى المستهلكين السعوديين، حتى أصبحت وسائل التواصل الوسيلة الأكثر استخدامًا للتسويق في المملكة، وإذا كنت تتساءل -لسببٍ ما- عن علاقة ذلك للتحول الرقمي بالسعودية، فاعلم أن كون وسائل التواصل جزءًا لا يتجزأ من حياة المواطن السعودي هو سمة رئيسية من سمات المجتمع الذي يعترف بأهمية التكنولوجيا والتحول الرقمي.
5. الاستثمار الضخم في الأحداث والمؤتمرات التكنولوجية
من أبرز دلائل التحول الرقمي في المملكة أيضًا، حيث تُضخ ملايين الدولارات في مؤتمرات وأحداثٍ ضخمة، مثل مؤتمر Leap الذي زاره أكثر من 215 ألف شخص من أكثر من 80 دولة حول العالم خلال 4 أيام فقط، و"قمة التحول الرقمي- Digital Transformation Summit" التي ستنعقد في مايو 2025، وتركز على أبرز التوجهات والتريندات التكنولوجية، كالذكاء الاصطناعي، والأمن الرقمي، إلخ، وطبعًا كأس العالم للرياضات الإلكترونية الذي لفت أنظار العالم أجمع، حيث بلغ مجموع جوائزه وحده الـ60 مليون دولار.
6. مستقبل التحول الرقمي في المملكة.. "أرامكو" و"نيوم"
تُعد شركة "أرامكو" من المؤسسات الرائدة في التحول الرقمي، حيث أطلقت برنامجًا يهدف إلى الاستفادة من أحدث الابتكارات في مجال التكنولوجيا الرقمية، لتقديم الطاقة بشكلٍ آمن ومستدام، وتتبنى الشركة رؤية أساسية لتعزيز الابتكار الرقمي، قائمة على التعاون مع المؤسسات البحثية والتكنولوجية المختلفة، بالإضافة إلى أنها تستثمر في المهارات الرقمية اللازمة لموظفيها حتى يواكبوا كل جديد.
وقد اعترف المنتدى الاقتصادي العالمي WEF بأربع من منشآت" أرامكو" كـ"منارات تصنيع"، ما يعني أن المصانع يمكنها تعديل الإنتاج تلقائيًا، بما يضمن تلبية الطلب، وتوقع الأعطال، وإجراء الصيانة الوقائية، وبحسب "أرامكو" نفسها، فيما تستخدم هذه المنشآت الأربعة حلول الذكاء الاصطناعي لزيادة الإنتاجية وتعزيز موثوقيتها، بالإضافة إلى أن هذه الجهود تعكس محاولات المملكة، لأن تكون مركزًا يقدم الخدمات الرقمية في المنطقة.
اقرأ أيضًا: "الديجيتال ديتوكس".. كيف تتحرر من سجن التكنولوجيا وتُحسن من جودة حياتك؟
أما "نيوم"، فتعكس سعي المملكة الدؤوب نحو تطوير مدن ذكية، مع التركيز على الاستفادة من التكنولوجيا، لتعزيز الحياة الحضرية والاستدامة والكفاءة، وقد ضخت المملكة أموالًا طائلة في مبادرات المدن الذكية، وأحرزت تقدمًا واضحًا في التحول الرقمي، ما ساهم في دفع النمو الاقتصادي، وتحسين الخدمات الحكومية، وتعزيز جودة الحياة عمومًا.
ولمن لم يسمع عن "نيوم" من قبل، فهي مدينة سعودية حضرية دشنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتكون مركزًا رائدًا للابتكار، ومشروعًا مستقبليًا ضخمًا يتصدر مبادرات التحول الرقمي، ويختصر المقال المنشور بموقع "نيوم" الرسمي والمعنون بـ"تغيير مستقبل التكنولوجيا والرقمنة- Changing the future of technology and digital" كل شيء تسعى "نيوم" لفعله، حتى تصبح أول مجتمع متصل بالكامل ومعتمد على تقنيات الميتافيرس والتوائم أو النسخ الرقمية.
الأمر ليس بهذه السهولة
من المهم أن نعرف الآن أن المملكة تواجه تحديات كبيرة تعطلها عن التحول الرقمي الذي تنشده، ومنها: جرائم القرصنة المتزايدة والمهددة للمؤسسات وبياناتها الأساسية، ما قد يعرض كل مؤسسة لخسارة ملايين الريالات، ويظهر ذلك جليًا في الإحصائيات التي تُصنّف السعودية في المرتبة التاسعة عالميًا من حيث هجمات الجرائم الإلكترونية.
هناك أيضًا جرائم الاحتيال، حيث تم الإبلاغ عن تعرض 62% من المواطنين السعوديين لمحاولات احتيال مالية عبر الهاتف أو الوسائل الإلكترونية المختلفة، وهذه الإحصائية صادرة عن استطلاعٍ أجراه المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام في 2022، وبسبب هذه الجرائم فقد 14% من المشاركين في الاستطلاع أموالهم، لدرجةٍ آذت حياتهم وأثرت على عائلاتهم، بحسب ما ورد في صحيفة "عكاظ".
وبالتغلب على هذه التحديات وغيرها من العراقيل التنظيمية، سيكون طريق المملكة ممهدًا نحو التحول الرقمي بشكلٍ لم نشهده من قبل، وستصبح السعودية في مكانة مختلفة تمامًا.