في اليوم الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام تحتفل المملكة العربية السعودية بعيدها الوطني، ذلك اليوم الذي يختصر تاريخاً حافلًا من الإخلاص والوفاء والتضحيات، لرجال أخلصوا لرفعة راية وطنهم.
ويأتي العيد هذا العام متوجاً بشعار "نحلم ونحقق"، ليعبر عن مسيرة المملكة نحو الأهداف التي حددتها لنفسها ضمن رؤية 2030، في ظل تحقيق السعودية للكثير من الأهداف والقفزات العملاقة على كل المستويات، بدءاً من التنويع الاقتصادي وزيادة الاستثمار، مروراً بالتحول نحو الرقمنة، وتطوير القطاعات المختلفة الصحية والتربوية والترفيهية وغيرها، فيما لا تزال الخُطى التي تسير عليها نحو أهدافها واثقة، ولا يزال الطموح كبيراً.
في هذا اليوم تتلون السعودية بلونها الوطني الأخضر، وتتزين بهويتها وانتمائها، وتحتفل البلاد بذكرى توحيدها وتطورها، ومسيرتها الحافلة بالنجاحات، كما يتم تنظيم الفعاليات داخل المملكة في جميع المناطق، وتقام الحفلات والمعارض والندوات التي تحيي هذه الذكرى، فيما يحتفل السعوديون في الخارج بتنظم الفعاليات المختلفة.
اليوم الوطني السعودي ليس مجرد ذكرى يتم الاحتفال بها، بل مناسبة لتجديد الولاء والانتماء، لكونه يعكس في جوهره الوحدة والاندماج في وطن واحد، تحت قيادة واحدة، تسعى لتحقيق كل ما من شأنه أن يحقق الرخاء والاستقرار لأبنائها.
الاحتفال الأول ويوم الجلوس
قضى الملك عبد العزيز آل سعود 32 عاماً في توحيد أجزاء شبه الجزيرة العربية التي كانت منفصلة، وبعد كفاح كبير تمكن من توحيد البلاد وجمع مدنها وقراها كدولة عربية مستقلة، ذات سيادة تامة، دينها الاسلام ولغتها العربية، وعاصمتها الرياض.
فبعد أكثر من ثلاثة عقود من معارك التوحيد، تم الإعلان عن توحيد مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وتغير اسمها في قصر "أبو حجارة" في محافظة الطائف، حيث أعلن الملك عبد العزيز بأمر ملكي حمل الرقم 2716 تحويل اسم المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها، لتحمل اسم المملكة العربية السعودية ابتداءً من 21 جمادى الأولى 1351 الموافق 23 سبتمبر 1932.
ولكن المرسوم والقرار لم يكونا إعلاناً بتخصيص ذلك اليوم للاحتفال بتوحيد المملكة، أو للاحتفال باليوم كيوم وطني، بل كان بداية لاحتفالات عرفية تسمى "يوم الجلوس الملكي"، التي كانت مرتبطة بتاريخ جلوس الملك على العرش، وعليه لم يكن هناك يوم ثابت محدد لها، ففي عهد الملك عبد العزيز كانت الاحتفالات تقام في الثامن من يناير، أما في عهد الملك سعود فكانت تتم في 12 نوفمبر.
بينما لم تكن هناك مظاهر احتفالية عديدة في عهد الملك عبد العزيز، الذي ارتأى الاكتفاء بتقليل التهاني الرسمية، وهذا ما قد كان، حيث خلت الأعوام 1927و1928 و1929 من أي مظاهر للاحتفال، إلى أن جدد مجلس الشورى سعيه للحصول على موافقة الملك لجعل يوم مبايعته يوماً وطنياً تحيي البلاد ذكراه في كل عام، وتمكنوا من الحصول على مباركة الملك بعد أن حشدوا الأهالي والهيئات الرسمية، الذين تمنوا على الملك عدم تخييب رجائهم، وتقرر بالفعل حينها الاحتفال بذلك اليوم، وصدر أمر حول مراسيم عيد الجلوس الملكي الذي يتم الاحتفال به في كل عام في الثامن من يناير، مع تعطل دوائر الحكومة الرسمية وإجراء مراسم المعايدة، مع إطلاق 21 طلقة احتفالية.
ووفق الدبلوماسي والوزير "فؤاد حمزة"، الذي عمل مترجماً للملك عبد العزيز في بداية حياته المهنية، ليتنقل في مناصب متقدمة لاحقاً، ويصبح جزءاً من الحياة السياسية السعودية لاكثر من ربع قرن، فإن الملك سعود بعد توليه مقاليد الحكم بعد وفاة الملك عبد العزيز في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1953، اختار الثاني عشر وليس التاسع للاحتفال بذكرى الجلوس، وذلك لأنه في ذلك اليوم توجه الملك سعود إلى مكة المكرمة حيث أم فيها المصلين في صلاة المغرب في المسجد الحرام، ليتلقى في اليوم التالي البيعة.
وحينها باتت الذكرى الأولى لجلوس الملك سعود في 12 نوفمبر 1953( 17 بيع الاول 1374هجرية) يوماً وطنياً، يتلقى خلاله الملك التهاني وتقام فيه الاحتفالات، وتصدر المجلات والصحف أعداداً خاصة للاحتفاء بهذه المناسبة، ومن هنا بدأت الاحتفالات تقام كل عام وسط تزايد الاهتمام الإعلامي والشعبي بها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن "اليوم الوطني" و"يوم الجلوس" يختلفان عن "يوم التأسيس" الذي أقره الملك سلمان بن عبد العزيز في 22 فبراير، إذ إن يوم التأسيس هو ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود في 22 فبراير 1727/ عام 1139هجرية، والاحتفال بهذا اليوم هو تذكير بالجذور واحتفاء بالوحدة والترابط.
أما "يوم الجلوس" فهو يوم جلوس الملك على العرش، الذي لم يكن بتاريخ ثابت كما ذكرنا، ومن الناحية النظرية كان بشكل أو بآخر اليوم الوطني رغم أنه لم يتم الاحتفال به إلا بعد مرور 4 سنوات على اعتلاء الملك عبد العزيز العرش.
مرسوم "اليوم الوطني الأول"
وهكذا استمرت الاحتفالات حتى أغسطس من العام 1965، حين قام ثالث ملوك المملكة العربية السعودية، الملك فيصل بن عبد العزيز بإصدار مرسوم ثبت العيد الوطني، ونشر في صحيفة أم القرى، وحمل الرقم م/9، وقضى بأن "يكون اليوم الأول من الميزان مطلع السنة الهجرية الشمسية الموافق 23 سبتمبر من السنة الميلادية هو اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية".
الملك فيصل ارتأى بأن تحديد يوم للاحتفال بالعيد الوطني أفضل من ربط الذكرى بتاريخ جلوس الملك، الذي لم يكن ثابتاً ويتغير مع تولي الملك الجديد لمهامه، والغاية كانت تخصيص يوم يتذكر فيه الشعب السعودي مساره التاريخي، ويتحد تحت راية وهوية واحدة، وهكذا فإن الاحتفال الأول الفعلي بالعيد الوطني كان بعد 33 عاماً من توحيد البلاد.
بيد أن الاحتفالات كانت رسمية، دون مشاركة شعبية فعلية، كما أنها لم تكن عطلة رسمية، واستمر كذلك في عهد الملك فيصل ثم الملك خالد، رغم أن هذا العهد شهد على مشاركة شعبية أكبر، ولكن الطابع الرسمي البروتوكولي بقي مهيمناً، ثم جاء عهد الملك فهد لتتبدل الصورة كاملة.
اقرأ أيضًا: "نحلم ونحقق".. هوية اليوم الوطني الـ 94 للمملكة العربية السعودية
الإجازة الرسمية الأولى
في العيد الـ75 صدر قرار عن العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، يقضي باعتبار اليوم الوطني إجازة رسمية تعطل فيه جميع المؤسسات الرسمية والخاصة.
العيد الأول كان عيداً استثنائياً، إذ دخلت السعودية في إجازة طويلة استمرت لثلاثة أيام، حيث كان اليوم الوطني يوم جمعة، وهكذا عاشت السعودية أول إجازة للعيد الوطني، وأطول إجازة أسبوعية في تاريخها، لكنها لم تكن الأطول لفترة طويلة، إذ شهد العام 2008 إجازة مدتها 6 أيام، وذلك لأنها تزامنت مع إجازة عيد الفطر.
وقد استمرت الاحتفالات باليوم الوطني بشكلها الرسمي والشعبي حتى عام 2018، حين تم الاعلان عن موسم لليوم الوطني تشرف عليه الهيئة العامة للترفيه، التي تم تأسيسها عام 2016 كجزء من رؤية 2030، وكانت تحتفل بالعيد الوطني من خلال تنظيم فعاليات ونشاطات ومهرجانات ترفيهية في ذلك اليوم في مختلف المناطق السعودية.
الصورة تبدلت مجدداً في العام 2019، وتحولت احتفالات اليوم الوطني من احتفال "اليوم الواحد"، إلى احتفالات تستمر لعدة أيام تحت مسمى "موسم اليوم الوطني"، وفي كل عام تعلن الهيئة عن برامجها، التي تبدأ عادة في التاسع عشر وتستمر حتى الثالث والعشرين.
وقد جاء الموسم الأول في العام 2019 حاملاً شعار "همة حتى القمة"، فيما تطورت شعارات الاحتفال وهوية اليوم الوطني عاماً بعد آخر، لتحمل دلالات مختلفة، وفعاليات متنوعة لا تتوقف عند العروض الترفيهية والتعليمية والثقافية والوطنية والحفلات والمهرجانات والملتقيات والندوات التاريخية والثقافية، بل تتجاوز بإبداعها الحدود لتعزز الانتماء والهوية.