هل يكون الفضاء وجهتك المستقبلية للترفيه؟
هل تخيّلت نفسك في الفضاء تنظر إلى كوكب الأرض مسبقًا؟
لا.. ليس مشهدًا من فيلم ولا رؤيا في منام، بل أن يكون ذلك حقيقياً، فلم يعُد هذا الأمر مستحيلًا اليوم، مع تطوّر صناعة سياحة الفضاء، والقدرة على إطلاق مركبات في رحلاتٍ تجوب مدار الأرض، وتُمكِّن الناس من التمتّع برحلة سياحيةٍ فريدة خارج الغلاف الجوي للأرض، فهل تكون سياحة الفضاء وجهتك المستقبلية للترفيه بعيدًا عن ازدحام كوكب الأرض بسكّانه؟
ما هي سياحة الفضاء؟
سياحة الفضاء هي باختصار السفر إلى الفضاء للترفيه، وتلك السياحة لها شكلَان؛ إمّا مداري أو دون مداري، ويُعدّ دون المداري هو الأكثر سهولة، إذ ينطوي على تجربة فترة قصيرة في انعدام الجاذبية، ورؤية الأرض من الفضاء على ارتفاع 100 كيلومتر فوق سطح الكوكب.
ومن اسمه تستطيع استنتاج أن المركبة الفضائية لهذه الرحلات لا تحتاج إلى بلوغ المدار الكامل لكوكب الأرض، بل يكون لها مسار يغادر الغلاف الجوي للأرض لفترةٍ من الوقت.
أمّا سياحة الفضاء المدارية، فهي رحلات لها فترات أطول بكثيرٍ في الفضاء، ويصعب تحقيقها من الناحية اللوجيستية، وإن نجحت في ذلك كل من "SpaceX" و"Space Adventures"؛ إذ نسّقوا رحلات سياحية في مدار الأرض.
كم يستغرق الوصول إلى الفضاء؟
يستغرق الأمر 8 دقائق ونصف فقط لتجاوز "خط كرمان"، وهو الحد الذي يعتبر فيه الكثيرون أنّ الغلاف الجوي ينتهي ويبدأ الفضاء رسميًا، أمّا بالنسبة للمركبات الفضائية للرحلات دون المدارية، مثل الطائرة الفضائية "Virgin Galactic's"، فإنّ وقت الرحلة يقترب من 90 دقيقة.
كم تبلغ تكلفة الرحلة إلى الفضاء؟
في الوقت الراهن تبلغ تكلفة حجز مقعد لرحلة شبه مدارية مع "Virgin Galactic" مثلًا ما يقرب من 450 ألف دولار لكل راكب، أمّا مع "Blue Origin"، فتصل تكلفة الرحلة حاليًا إلى 28 مليون دولار.
ومع ذلك يتوقّع الخبراء أنّ سعر الرحلات دون المدارية سينخفض إلى ما يقرب من 100,000 دولار أمريكي لكل راكب، ما قد يجعل الحصول على سياحة الفضاء على نطاقٍ أوسع من ذي قبل.
كيف تكون رحلتك استثنائية؟
بدايةً، فإنّ سياحة الفضاء تكون محجوزة قبل سنوات، لذا بمجرد تسجيل مكانك على متن رحلة، سيتعيّن عليك الانتظار، ربّما طويلًا، وبمجرد أن يقترب موعد رحلتك، سترغب الشركة التي تسافر معها في التأكّد من أنّك سليم جسديًا بما يكفي للرحلة.
لذا تُقدِّم بعض الشركات تدريبًا قبل 12 شهرًا من الرحلة، وفحوصات طبية قبل 6 أشهر، بالإضافة إلى عِدّة أيام من التدريب قبل الرحلة وقبل الإطلاق.
وهذه العملية مهمة للغاية بسبب الإجهاد الجسدي الذي يُعانِيه الجسم في أثناء مغادرة الغلاف الجوي والعودة إليه، وهذا يعني أيضًا أنّه لن يتمكّن الجميع من المشاركة في السياحة الفضائية، خاصةً إذا كان الشخص غير لائق جسديًا أو من الناحية الصحية لهذه التجربة.
مزايا سياحة الفضاء
تكمن مزايا سياحة الفضاء في المساهمة الثمينة لها في علوم الفضاء وتعزيز البحث العلمي، وأيضًا زيادة الوعي العام، كما يتضح فيما يلي:
1. إثراء البحث العلمي
تبحث شركات السياحة الفضائية باستمرار عن طرق أرخص ومبتكرة للوصول إلى الفضاء، وفي هذه العملية "سياحة الفضاء" يجب عليهم إجراء أبحاث، لأنّه من دون تطوير تكنولوجيا وأساليب جديدة في الفضاء الجوي، فإنّ سياحة الفضاء محكوم عليها بالفشل.
لذا فإنّ الاكتشافات العلمية التي تُجرَى خلال ذلك تفيد الجميع، كما يمكن استخدامها في مساعٍ أخرى لاحقًا، تُركِّز على العلم فقط بدلًا من السياحة التجارية.
2. زيادة الوعي العام بعلوم الفضاء
مع زيادة إمكانية الوصول إلى الفضاء كل عقد، فإنّ الوعي العام بعلوم الفضاء سيزداد بكل تأكيد، فلن يكون الفضاء بعيدًا كما نراه اليوم، بل سيكون وجهة محتملة للترفيه لبعض الناس مستقبلاً.
3. تطوير ابتكار المركبات الفضائية
أي مشروعٍ يسعى سعيًا حثيثًا إلى تقديم جودة عالية، وفي سياحة الفضاء، يترجم ذلك في الرغبة لإيجاد طرق أسرع وأفضل للوصول إلى الفضاء باستمرار، وأي تحسين في هذا الجانب، سيؤدي بالتأكيد إلى تحسين المركبات الفضائية والصاروخية، التي يمكن الاستفادة بها في المساعي العلمية أيضًا.
اقرأ أيضًا:للباحثين عن الهجرة للفضاء.. هل الحياة ممكنة على كوكب المريخ؟
هل لسياحة الفضاء عيوب؟
رغم المتعة والمزايا الفريدة التي تُوفِّرها سياحة الفضاء، لكن قد يكون لها بعض العيوب أو الجوانب غير الإيجابية، مثل:
1. النفقة الهائلة
بتكلفة سياحة الفضاء الحالية، لا يمكن لمعظم الناس الوصول إلى الفضاء على سبيل السياحة والترفيه، بل يظل ذلك مقتصرًا على الأثرياء فقط، فهم الأقدر على تحمّل تكاليفها حاليًّا، لذا من المرجح أن تستمر سياحة الفضاء بعيدة عن عامة الناس، حتى يُحرَز تقدّم كبير لتقليل النفقات، بما يجعلها في مقدور عموم الناس.
2. قواعد تنظيمية مثيرة للشك
ليس هناك لوائح واضحة حتى اليوم بخصوص السفر المستقل إلى الفضاء، وهذا يترك علامة استفهام كبيرة حول من المسؤول هناك، فمع تقدّم سياحة الفضاء، هل سيكون هناك أي مكان أو أي شيء محظور بمجرد مغادرة المركبة الفضائية في الغلاف الجوي؟ وإذا كان من الواجب أن يكون هناك فندق فضائي في المدار الجوي، من سيضع القواعد له؟ فهذه أسئلة مثلًا ليس عليها إجابات حتى الآن.
هل يكون الفضاء وجهتك المستقبلية للترفيه؟
بدأت سياحة الفضاء مبكرًا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع أول سائح يزور محطة الفضاء الدولية لمدة 7 أيام، كما تمت العديد من الرحلات دون المدارية لاحقًا في عام 2021.
وقد أطلقت "Blue Origin" مركبتها الفضائية التجارية "New Shepard"، التي نقلت 32 راكبًا إلى الفضاء اعتبارًا من أغسطس عام 2022، ومع ذلك، من المقرر أن تغادر أكثر هذه الرحلات بسهولة في عام 2024 على متن منطاد الضغط الصفري سفينة الفضاء "نبتون".
فهي مسألة وقت فقط حتى يصبح الوصول إلى الفضاء أكثر سهولة للمزيد والمزيد من الناس، وبناءً على عدد عمليات الإطلاق والسياح على مدار السنوات العشرين الماضية، يمكن توقّع استمرار النمو في هذا الاتجاه، ما سيجعل سياحة الفضاء متاحة بسهولة أكبر خلال العقدين القادمين.