الصراعات الزوجية.. ما تأثيراتها على صحة الزوجين؟
لا تهدأ الصراعات بين الأزواج، بل تزيد وتفتر بين الحين والآخر، وليست العبرة بتجنّب الصراع تمامًا، بل بالتعامل معه بطريقةٍ صحيحة؛ حفاظًا على علاقة الزوجين وكذلك صحتهما، فقد ارتبطت طرق التواصل السلبية بينهما بضعف المناعة.
بل إنّ التوتر المزمن الذي ينجم عن هذه الصراعات، قد يُهدِّد بمشكلات جسدية ونفسية مُتعدِّدة، فإلى أي مدى تتأثّر صحة الزوجين بالصراع؟ وكيف يتجنّبان تلك الصراعات قدر المُستطاع؟
طريقة تواصل الزوجين وأثرها على الصحة
كشفت دراسةٌ نُشِرت عام 2023 في "مجلة علم الغدد الصماء العصبي النفسي Journal Psychoneuroendocrinolgy"، أنّ طرق تواصل بعض الأزواج يمكن أن يُؤدِّي إلى مشاعر سلبية، قد تؤثر على الجهاز المناعي، مثل تجنّب الحديث عن مشكلاتهم أو المعاملة الباردة.
وحسب المؤلفين للدراسة، فإنّ أنماط التواصل غير السليمة تلك تُعزِّز المشاعر السيئة المستمرة تجاه العلاقة، بالإضافة إلى خلق التهابٍ مزمن، فقد ظهر المشاركون في الدراسة بمؤشرات التهابٍ مرتفعة في دمائهم بالفعل.
ورغم أنّ الزواج له آثار إيجابية على الصحة، فإن معدلّات الوفاة والمرض أقل لدى الأزواج، ومع ذلك فإن هذا الأمر ليس على إطلاقه، خاصةً بعد أن كشفت الدراسات الحديثة أثر غياب التواصل أو ضعفه بين الزوجين على صحتهما.
التواصل السلبي وأثره على الصحة الجسدية والنفسية
للتواصل بين الزوجين أنماط مختلفة، وأحد الأنماط التي فحصتها الدراسة نمط يريد فيه أحد الزوجين مناقشة قضيةٍ ما أو شيءٍ في الزواج، والآخر ينسحب من المناقشة، ولا يُشترَط أن يكون انسحابًا مباشرًا، بل الانسحاب يشمل عدم الاهتمام أو السخط أو مغادرة المكان بأسره.
فكيف يكون رد فعل الآخر؟ يُصعِّد جهوده لمناقشة القضية من خلال إبداء الانزعاج أو حتى الإصرار بشكلٍ متزايدٍ على النقاش.
وحسب الدراسة المذكورة، فإنّ نمط التواصل ذلك يُنذِر بمشكلات صحية مُتنوّعة، مثل:
- زيادة الالتهابات.
- بطء التئام الجروح.
- زيادة المشاعر السلبية وانخفاض المشاعر الإيجابية.
وهذا يكشف بشكلٍ جلي أثر التواصل الصحيح ووجود الصراعات أو غيابها بين الزوجين على صحتهما.
أنواع الصراعات في العلاقات
هناك أنواع مختلفة من الصراع الذي يمكن أن يؤثر على علاقة الزوجين، أهمها:
1. صراع غير مُعترَف به
الصراع أمر لا مفر منه في الحياة، إذ يحدث بين الحين والآخر، لكن المهم هو كيف سيتعامل الزوجان مع ذلك؟ هل يحتويان الصراع أم يُشعِل كل منهما الصراع بطريقته الخاصة؟
الحقيقة أنّه عندما يكتم أحد الزوجين غضبه أو لا يعترف به الشريك، فإنّ ذلك لا يكون صحيًّا إطلاقًا، وهذا الغضب قد يكون بسبب صراعٍ أو مشكلةٍ غير مُعترَف بها بينهما، أو على الأقل علناً، إذ يميل صاحب المشكلة إلى كبت غضبه، أو عندما يلاحظ الشريك الآخر المشكلة لا يعترف بها.
وقد وجد بحث نشر عام 2008 في "مجلة التواصل العائلي Journal of Family Communication"، أنَّ كبت أحد الزوجين لغضبه، واعتياد ذلك قد يؤدي إلى وفاة كلا الزوجين في سنٍ أصغر!
من ناحيةٍ أخرى، فقد يكون الاعتراف بالصراع، وحلّه بشكلٍ فعّال بين الزوجين، وسيلة لتحسين التفاهم بينهما وتقريبهما من بعضهما، وذلك بالصراحة والوضوح بين الزوجين واتساع صدر كلٍ منهما للآخر.
اقرأ أيضًا: للرجال فقط: تعرف على أسرار السعادة الزوجية
2. صراع غير مُدار بطريقةٍ صحيحة
إذا لم يحل الصراع فإنه يظلّ باقيًا وكامنًا داخل أي من الزوجين، وربما تعرف أن لهذا مخاطر صحية، الأمر الذي قد يجعلك تعتقد أنّك بحاجةٍ إلى التعبير عن غضبك بأي طريقة، وفي أي وقت ولأي شخصٍ تريده.
وهذا أكبر خطأ في التعامل مع الصراع، إذ سيعود على علاقة الزوجين بأضرارٍ أكثر، ليستمرّ الصراع، وتتدهور علاقاتهما أكثر، وربّما تسوء صحتهما تباعًا، بل ينبغي الوصول إلى لغة حوارٍ واضحة بين الزوجين، وعرض المشكلة بأنسب طريقةٍ ممكنة لهما.
أسباب الصراعات الزوجية
لأنّ الصراعات الزوجية لا تتوقّف، فإنّ أسبابها كثيرة جدًّا، لكن أكثرها شيوعًا هو:
- مشكلات التواصل، فقد يكون الزوجان لا يستطيعان أن يتواصلا معًا بطريقةٍ صحيحة.
- خلافات حول كيفية قضاء أوقات الفراغ.
- النزاعات على الأطفال أو الأبوة.
- الشؤون المالية.
- مشكلات العلاقة الحميمية.
- الغيرة.
- مشكلات الثقة بينهما.
تأثيرات الصراعات على صحة الزوجين
أظهرت دراسة نشرت عام 2014 في "مجلة العلاج الطبيعي Journal of Physical Therapy"، أنَّ التعرّض للصراع قد يجعل المرء أكثر عرضة للإصابة بأمراضٍ مُعدية، مثل نزلات البرد والإنفلونزا.
كما قد يُعانِي بعض الأشخاص ألمًا مزمنًا مرتبطًا بالتوتر، مثل الصداع أو آلام الرقبة أو الظهر، وما لم يتحكّم الزوجان في توترهما، فقد يصير مزمنًا ويُهدِّد بمشكلاتٍ صحية عديدة، مثل:
- اضطرابات القلق.
- حب الشباب.
- الاحتراق النفسي.
- الاكتئاب.
- مرض السكري.
- اضطرابات الجهاز الهضمي.
- تساقط الشعر.
- الأرق.
- السمنة.
- ضعف الرغبة الجنسية.
الصراعات الزوجية والألم الجسدي
قد تؤدي الخلافات والصراعات الزوجية أحيانًا إلى ما يُعرَف بـ"متلازمة القلب المكسور"، التي تنجم عن الصدمات أو العواطف الشديدة، والتي يصحبها ضغط وألم بالصدر شبيه بنفس ما يشعر به من يُعانِي نوبة قلبية.
وقد أظهر بحث نشر عام 2015 في "PLoS ONE"، أنَّ ألم الشعور بالوحدة وأن يتعرّض المرء للرفض المُجتمَعي، يُعالَج في نفس منطقة الدماغ التي تُعالِج الألم الجسدي، ومِنْ ثَمّ فقد يشعر بعض الناس بألم جسدي إثر رفضهم من قِبل من يحبون.
كذلك قد يحدث الأمر نفسه مع تكرر الصراعات بين الزوجين، فقد تكون لديك حساسية مرتفعة للألم الجسدي (يكون أكثر تأثرًا أو استجابةً للألم)، أو ربّما لا تكون حساسًا تجاهه البتة، فتفقد القدرة على الشعور بالألم.
اقرأ أيضًا: الصمت العقابي بين الزوجين: كيفية كسر دائرة الصمت وبناء جسور التواصل
كيف يتجنّب الزوجان الصراعات ويُحسِّنان التواصل بينهما؟
الصراع جزء من الحياة، وليس بالضرورة أن يجعل علاقة الزوجين في خطر، ومع ذلك ينبغي معرفة كيفية التعامل معه بطريقةٍ صحيحة، بحيث يُؤدِّي إلى تقوية العلاقة لا إضعافها.
وذلك من خلال صقل مهاراتك في حل النزاع باستمرار، وأن تتعرّف إلى مشاعرك وتتعلّم كيف تعبّر عنها بوضوح، كما ينبغي أن تكون مستمعًا لشريكك متجاوبًا معه، ومما يُساعِد على ذلك:
1. قُل "أنا" بدلاً من "أنت"
حاوِل أن تُقاوِم الرغبة المُلحّة في أثناء جدالك مع شريكك بأن تخبره بـ"أنت فعلت شيئًا أكرهه" أو أي شيءٍ تتهمه به مباشرةً، بل حاول جذب تعاطفه معك، بأن تقول مثلاً: "أنا أشعر بالحزن أو الضيق لفعلك كذا".
وذلك مع تقديم تفاصيل السلوك الذي سبّب مشكلة، والذي ربّما لم يكن شريكك على علمٍ به، كما أنّ ذلك يمنحه الفرصة للدفاع عن نفسه أو شرح السلوك، خاصةً إذا شعر أنّه أُسِيء فهمه.
بعد ذلك تنتقل إلى الحديث بصيغة "نحن"، وذلك بعد تعبيرك بشكلٍ واضحٍ عن مشاعرك وعن المشكلة، فبدلاً من أن تقول: "عليّ حل تلك المشكلة"، ينبغي أن تقول: "علينا حلّ تلك المشكلة"، وكذلك لا يُفضّل أن تقول لشريكك: "عليك حل تلك المشكلة"، فهذا ليس أفضل ما تقوله له.
2. الاحترام والتعاطف
يجب ألا يتحوّل الصراع بين الزوجين إلى معارك، فلا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى الصراخ أو الشتائم أو التقليل من شأن شريكك أو الاستخفاف باحتياجاته.
وكُن حذرًا مما تشعر به في أثناء حديثك، لأنّك إذا كُنت متوترًا مثلًا، فسترتفع نبرة صوتك، فإذا شعرت بهذه التغييرات، فتوقّف وخُذ نفسًا، فإنّ رفع الصوت أو السخرية لن يخلق تواصلاً فعالاً مع شريكك، بل على العكس، سيُؤدِّي إلى تفاقُم المشكلة غالبًا.
3. الاستماع إلى الطرف الآخر
ينبغي أيضًا أن تستمع جيدًا إلى ما يقوله شريكك إلى النهاية، والاهتمام بذلك، لا الاهتمام فقط بمتى سينتهي من حديثه حتى يحين دورك لبدء الحديث مجددًا.
وإذا كُنت تختلف مع شريكك، فمن المهم أن تأخذ الوقت الكافي لفهم ما يشعر به شريكك، وليس فقط ما تشعر به أنت، فهذا يُظهِر أنّك تبذل جهدًا لرؤية الأمور من منظور شريكك.
أمّا إذا كُنت تفكّر فقط فيما تعتقد أنه سينجح دون مراعاة اقتراحات شريكك، فقد تشعر بأنّك تتجاهلها، كما أنّ ذلك قد يعيق حل المشكلة.