متلازمة الميزوفونيا.. لماذا قد تزعجك أصوات مضغ الطعام؟
ربّما انزعجت وتملّكك غضب عارم مع سماع أصوات مضغ أحدهم للطعام، أو ربّما حدث ذلك مع نقر شخص ما بإصبعه على المنضدة باستمرار، بينما لا تنزعج من أصوات التلفاز أو الفيديوهات الصاخبة مثلًا.
يُعرَف ذلك بمتلازمة حساسية الصوت الانتقائية، أو متلازمة الميزوفونيا؛ إذ تكون حساسًا تجاه أصواتٍ مُعيّنة، فما أسباب تلك المتلازمة؟ وكيف يمكن التأقلم مع الأصوات المزعجة التي قد تحيط بك بين الحين والآخر؟
ما هي متلازمة الميزوفونيا؟
هي الحساسية الشديدة تجاه أصواتٍ مُعيّنة، بما يُؤدِّي إلى الغضب أو التهيج أو الاشمئزاز، وهذه الأصوات قد تكون أصوات مضغ الطعام أو بلعه، أو أصوات التنفس.
وقد تكون ردود أفعال بعض الناس أقل حدّة، لكن هناك من قد لا يتمكّن من السيطرة على مشاعره، ويكون رد فعله شديدًا.
كيف تعرف أنّك تعاني متلازمة الميزوفونيا؟
قد تكون أعراض "متلازمة الميزوفونيا" طفيفة، مثل عدم تحمّل بعض الأصوات فحسب، أو شديدة، كالرغبة في مهاجمة الشخص أو الشيء الذي أصدر الصوت المزعج بالنسبة لك، كما قد يُعانِي المُصاب بتلك المتلازمة حال التعرّض لصوتٍ يُزعِجه، مثل:
1. استجابات عاطفية شديدة:
وذلك مثل الغضب أو التهيج أو الاشمئزاز، وقد تكون هذه الاستجابات العاطفية شديدة، بما يُؤدِّي إلى رغبة في الهروب أو تجنّب الموقف الذي سبَّب ذلك الصوت.
2. تغيّرات فسيولوجية:
هذا الصوت المزعج قد يُؤدِّي إلى تنشيط استجابة الجسم للتوتر، بما قد يُؤدِّي بدوره إلى زيادة مُعدّل ضربات القلب أو التعرق أو زيادة اليقظة.
3. أثر سلبي على الحياة اليومية:
قد تؤثر "متلازمة الميزوفونيا" بشكلٍ كبير على حياتك اليومية، بما قد يُؤدي إلى الانسحاب من المجتمع، أو مشكلات في العلاقات مع الآخرين، أو تجنّب مواقف أو أشخاصٍ بعينهم.
اقرأ أيضًا:"متلازمة الشخصية الرئيسة".. عندما تكون بطل روايتك ومحورها!
هل صوت مضغ الطعام السبب الوحيد لـ متلازمة الميزوفونيا؟
قد يؤدي أي صوت إلى ظهور أعراض "الميزوفونيا"، ومع ذلك فإن هناك بعض الأصوات التي تُحفِّز تلك المتلازمة، فقد تسمع الأصوات على التليفزيون أو الأجهزة الإلكترونية، ومع ذلك لا يكون رد فعلك شديدًا كما لو كان مصدر الصوت واقعيًّا وقريبًا منك بالفعل.
وتضمّ الأصوات التي قد تُحفِّز متلازمة الميزوفونيا، حسب "Cleveland Clinic":
نظريات تفسِّر سبب متلازمة الميزوفونيا
لا يُوجَد سبب مُحدَّد لتفسير متلازمة الميزوفونيا، فهي ليست مفهومة بالكامل بعد، ولا تزال الأبحاث جارية حولها، ومع ذلك توصّل الباحثون إلى بعض النظريات التي تحوم حول تفسير تلك المتلازمة، مثل:
1. بنية الدماغ
تشير الأبحاث إلى أنّ القشرة الجزرية الأمامية قد تُسهِم في حدوث متلازمة الميزوفونيا، وهي جزء من الدماغ مسؤول عن مُعالَجة العواطف والحسّ الداخلي، وهي عملية تتضمّن إدراك وتفسير الأحاسيس في جسمك.
وقد وجدت دراسة عام 2017 في "Current Biology" نشاطًا غير طبيعي في تلك المنطقة من الدماغ لدى المصابين بـ"متلازمة الميزوفونيا" عند تعرّضهم للأصوات التي تُحفِّز المتلازمة لديهم، ما يدلّ على أنّ تلك المنطقة من الدماغ قد تشارك في ردود الفعل العاطفية والفسيولوجية الشديدة لديهم.
2. العوامل الوراثية
تنتشر "متلازمة الميزوفونيا" في بعض العائلات، ما يعني أنّها قد تنتقل وراثيًا، وأظهرت دراسة عام 2023 في "Frontiers in Neuroscience" أنّ هناك بعض الجينات المساهمة في نمو الدماغ، مرتبطة بالشعور بالغضب عند سماع أصواتٍ مُعيّنة.
3. عوامل أخرى
قد ترتبط بعض المشكلات الصحية بزيادة خطر الإصابة بـ الميزوفونيا، مثل:
- طنين الأذن.
- اضطراب الوسواس القهري.
- اضطرابات القلق.
- "متلازمة توريت".
اقرأ أيضًا:"متلازمة النائم طويلاً": لماذا ينام بعض الناس أكثر من غيرهم؟
كيف تؤثر متلازمة الميزوفونيا على العلاقات الشخصية؟
قد تضطرب العلاقات بين زملاء العمل، أو بين الوالدين والأطفال، أو حتى بين الزوجين بسبب "متلازمة الميزوفونيا"، فعادةً ما يشعر المُصاب بـ"الميزوفونيا" أنّه ضحية الأصوات المزعجة من حوله، ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ الآخرين يشعرون بأنّهم ضحايا لأقوال أو أفعال المُصاب بالمتلازمة، والتي لا يمكن التنبؤ بها.
لذا إذا كُنت تُعانِي "متلازمة الميزوفونيا"، فمن المفيد إخبار أحبائك أنّ مشاعرهم صحيحة وأنّهم على حق في قلقهم من رد فعلك أحيانًا، مع الاعتراف أيضًا بمدى صعوبة العيش بينما تهاجمك بعض الأصوات بسببهم باستمرار، لعلّهم يراعون ذلك مستقبلاً.
كيف يمكن تخفيف أعراض متلازمة الميزوفونيا؟
لا يُوجَد حتى الآن علاج مصمّم خصيصى لـ"الميزوفونيا"، لكن قد تساعد بعض الأمور على تخفيف الأعراض والتعامل مع المحفّزات التي تزيد أعراضهم، وكذلك في تقليل توترهم، وقد يتضمّن ذلك:
1. العلاج المعرفي السلوكي:
أحد أشكال العلاج بالكلام، وهو نوع من العلاج النفسي، يساعد المرء على إعادة صياغة أفكاره وعواطفه المتعلقة بالأصوات التي يسمعها، والتي تُحفِّز أعراض المتلازمة لديه.
ففي أثناء الجلسات، يساعد المُعالِج المُصاب على تطوير استراتيجيات للتأقلم مع تلك الأصوات، وتغيير طريقة استجابته للمحفزات.
وقد وجدت إحدى الدراسات عام 2013 في "PLoS ONE" أنّ ما يقرب من 50% من المُصابِين بـ"متلازمة الميزوفونيا"، عانوا أعراضًا أقل بعد استخدام العلاج المعرفي السلوكي ضمن خطة العلاج.
2. علاج طنين الأذن بإعادة التدريب (TRT):
يهدف هذا النوع من العلاج إلى إعادة تدريب استجابة الدماغ للأصوات المُحفِّزة، وذلك بالجمع بين تقنيات العلاج الصوتي والاستشارة.
وفي حالة "الميزوفونيا"، يتضمّن العلاج الصوتي استخدام أصوات خلفية منخفضة المستوى أو أصوات محايدة، مثل الموسيقى الهادئة أو الضوضاء البيضاء، التي تساعد على تقليل بروز الأصوات المُحفِّزة.
وتساعد الاستشارة الأشخاص على تعلّم تقنيات الاسترخاء، لتقليل ردود الأفعال الشديدة عند التعرّض للأصوات المحفزة، فهو علاج من جانبَين في آنٍ واحد.
3. الأدوية:
قد تُوصَف بعض الأدوية ليس لعلاج "متلازمة الميزوفونيا"، وإنّما لعلاج الأعراض المصاحبة لها، مثل القلق أو الاكتئاب، وذلك لتخفيف الأعراض وتقليل الاستجابات العاطفية الشديدة.
كيف تتعامل مع الأصوات المزعجة إذا كنت مصابًا بـ الميزوفونيا؟
إذا كان حتمًا عليك سماع أصوات تزعجك، وتُسبِّب لك أعراض "متلازمة الميزوفونيا"، فيمكن التعامل مع ذلك من خلال:
- استخدام سدّادات الأذن أو سمّاعات الرأس إن أمكن.
- الاستماع إلى شيءٍ ما، لإبقاء الدماغ مركزًا على شيءٍ آخر غير الاستماع إلى الصوت المُزعِج.
- تخفيف التوتر، من خلال بعض الممارسات، مثل اليقظة، أو التنفّس العميق، أو ممارسة التمارين البدنية بانتظام.
- إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية، مثل تناول طعامٍ صحي، والحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.
- تحديد الأصوات التي تُحفِّز غضبك أو انزعاجك، ومحاولة تقليل التعرّض إليها ما أمكن ذلك.
- التخطيط المسبق لتجنب أو تقليل التعرّض لتلك الأصوات في المواقف الاجتماعية أو الأماكن العامة.
هل يمكن أن تختفي متلازمة الميزوفونيا تلقائيًّا؟
رغم أنّ الميزوفونيا مزمنة، تدوم مدى الحياة تقريبًا، فإنه يمكن أن تتحسّن الأعراض مع الحصول على العلاج المناسب، وأيضًا مع استخدام استراتيجيات التأقلم، التي تساعد على التعامل مع الأصوات التي تزعجك، وتُخفِّف آثارها على حياتك اليومية.