"جدري القرود".. هل يكون الوباء العالمي القادم؟
أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية ذات أهمية دولية مع تفشّي "جدري القرود" في إفريقيا، وهو ما قد يكون نذير جائحة تلوح في الأفق، خاصةً بعد أن انخفضت أعداد الحالات المُصابة عالميًّا في 2023، ثم عادت لتزداد في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2024، بما تجاوز مجموع حالات العام الذي سبقه، بل انتشر إلى دولٍ أخرى مُجاورة، فهل يكون جدري القرود الوباء القادم؟
متى ظهر جدري القرود أول مرة؟
ظهر جدري القرود بشكلٍ متقطع في وسط وشرق وغرب إفريقيا بعد عام 1970، وفي عام 2003، ارتبط تفشي المرض في الولايات المتحدة الأمريكية بالحيوانات البرية المستوردة.
ومنذ عام 2005، أُبلغ عن آلاف الحالات المشتبه بها في جمهورية الكونغو الديمقراطية كل عام. وفي عام 2017، عاد الجدري للظهور في نيجيريا واستمرّ في الانتشار بين الناس في جميع أنحاء البلاد ولدى المسافرين إلى بلدان أخرى، وفي مايو 2022، تفشّى جدري القرود فجأة وبسرعة في جميع أنحاء أوروبا والأمريكتين، إذ أبلغت 110 دول عن نحو 87 ألف حالة مُصابة و112 حالة وفاة.
كما تفشّى جدري القرود أيضاً في مخيمات اللاجئين في السودان في عام 2022، وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية WHO آنذاك تفشي جدري القرود كحالة طوارئ صحية عامة ذات أهمية دولية، ثُمّ أُعلِن عن انتهائها في مايو 2023 بعد أن لوحظ أن هناك انخفاضًا مستمرًّا في الحالات على مستوى العالم.
لماذا تصاعد القلق بشأن جدري القرود مؤخرًا؟
كان جدري القرود موجوداً في جمهورية الكونغو الديمقراطية لأكثر من 10 سنوات، وقد كانت أعداد الحالات تتزايد بثبات كل عام، لكن في العام الماضي، زاد عدد الحالات زيادة كبيرة، وقد تجاوز عدد الحالات المُبلَغ عنها حتى يومنا هذا مجموع حالات العام الماضي، مع أكثر من 15,600 حالة مُصابة و537 حالة وفاة.
فقد ظهرت سلالة فيروسية جديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية العام الماضي، تنتشر سريعًا، وهي "Clade 1b"، التي يبدو أنّها تنتشر بشكلٍ أساسي من خلال الاتصال الجنسي، كما اكتُشفت تلك السلالة الجديدة أيضاً في البلدان المجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك أحد الأسباب الرئيسة لإعادة إعلان فيروس جدري القرود مجدداً كحالة طوارئ صحية ذات أهمية دولية في العام 2024.
فقد أُبلغ عن أكثر من 100 حالة مُؤكّدة من "clade 1b" في أربع دول مجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، لم تكُن أبلغت عن جدري القرود من قبل، وهي: بوروندي، وكينيا، ورواندا، وأوغندا.
كيف ينتشر جدري القرود؟
قد ينتقل جدري القرود من شخص لآخر عبر الاتصال المباشر بالجلد، أو الآفات الجلدية الموجودة في الفم أو الأعضاء التناسلية، وقد يشمل هذا الاتصال:
- وجهاً لوجه (مع الحديث أو التنفس).
- جلد بجلد (اللمس أو الجماع).
- رذاذ الجهاز التنفسي بعد فترة طويلة من الاتصال القريب بالمريض.
وفي هذه الحالات يدخل الفيروس الجسم من خلال الجلد المجروح أو الأسطح المخاطية، مثل: الفم أو البلعوم أو العين أو الأعضاء التناسلية أو عبر الجهاز التنفسي.
كذلك قد ينتقل جدري القرود من الحيوانات المصابة إلى البشر عبر اللدغات أو الخدوش، أو حتى في أثناء الصيد أو السلخ أو الطهي أو أكل الحيوانات.
كما قد يُصاب بعض الناس بجدري القرود من الأشياء الملوثة، مثل الملابس، أو من خلال الإصابات الحادة في أماكن الرعاية الصحية، أو مع الحصول على الوشم.
أعراض جدري القرود
قد تبدأ أعراض جدري القرود في غضون 1 - 21 يوماً منذ التعرّض للإصابة بالطرق سالفة الذكر، وتستمر الأعراض عادةً لمدة 2 - 4 أسابيع، لكنّها قد تستمر أطول من ذلك لدى الأشخاص الذين يُعانُون ضعف المناعة، ومن أبرز الأعراض الشائعة:
- طفح جلدي.
- الحمى.
- احتقان الحلق.
- الصداع.
- آلام العضلات.
- ألم الظهر.
- تورّم الغدد الليمفاوية.
قد يكون الطفح الجلدي أول عرَض عند بعض الناس، بينما قد يُعانِي غيرهم أعراضاً أخرى في البداية، التي قد تكون ألم العضلات واحتقان الحلق عادةً، ويبدأ الطفح الجلدي في شكل قرحة مُسطّحة، تتحوّل إلى بثرة مليئة بسائل، وربّما تكون مؤلمة وتُسبِّب حكة، ومع التئام الطفح الجلدي، تجفّ الآفات ثُمّ تتساقط القشرة.
وقد يُعانِي بعض الناس آفة جلدية واحدة أو عدداً قليلًا منها، وقد يُعانِي غيرهم المئات، كما قد يظهر الطفح الجلدي في أي مكان بالجسم، مثل:
- راحة اليد وباطن القدم.
- الوجه أو الفم أو الحلق.
- المنطقة التناسلية.
- فتحة الشرج.
وقد يبدأ الطفح الجلدي في الوجه وينتشر إلى باقي الجسم، ممتداً إلى باطن القدم وراحة اليد، ويتطوّر شكل الطفح الجلدي على مدى 2 - 4 أسابيع، من بقع إلى حطاطات وحويصلات وبثور جلدية.
ويستمر المُصاب في نقل العدوى إلى غيره باللمس أو الاتصال المباشر إلى أن تُشفَى القرح تماماً وتتكوّن طبقة جديدة من الجلد.
مخاطر جدري القرود
قد يُؤدِّي جدري القرود إلى مضاعفات أشدّ، مثل:
- إصابة الجلد بعدوى بكتيرية، ما يُؤدِّي إلى تكوين خُرّاج أو تلف البشرة.
- الالتهاب الرئوي.
- عدوى القرنية مع فقدان البصر.
- ألم أو صعوبة البلع.
- القيء والإسهال، ما قد يؤدي إلى الجفاف وسوء التغذية.
- التهاب الدماغ.
- التهاب القلب.
- التهاب المستقيم.
- التهاب الأعضاء التناسلية.
- الوفاة.
هل يمكن علاج جدري القرود؟
لا يُوجَد علاج مُتوفّر لجدري القرود حتى الآن، لكن قد تُوصَف بعض الأدوية المضادة للفيروسات في الحالات الشديدة، مثل "سيدوفوفير" أو "تيكوفيريمات".
ويهدف العلاج الأساسي بعد الإصابة بجدري القرود إلى تخفيف الألم، والعناية بالطفح الجلدي، وتجنّب المضاعفات التي ذكرناها في السطور السابقة.
اقرأ أيضًا:"عائلة سيمبسون".. هل تنبأ بمرض جدري القرود؟
كيف تحمي نفسك من الإصابة بجدري القرود؟
يمكن الحصول على لقاح جدري القرود للوقاية من العدوى، ويجب أن يحصل عليه الإنسان في غضون 4 أيام من الاتصال بشخصٍ مُصابٍ بجدري القرود، أو في غضون 14 يوماً إذا لم يكُن على المُصاب أعراض ظاهرة.
كما يُوصَى من هم أكثر عُرضةً للإصابة بجدري القرود بالحصول على لقاحه مثل العاملين في الرعاية الصحية.
ويُنصَح عمومًا إلى جانب اللقاح بما يلي:
- تجنُّب ملامسة الأشخاص المُصابين بجدري القرود.
- تجنّب ملامسة الحيوانات المُصابة (خاصةً المريضة أو الميتة).
- تجنّب ملامسة الفراش والمواد الأخرى المُلوّثة بالعدوى.
- غسل اليدين جيداً بالماء والصابون.
- ارتداء كمامة أو قناع يغطي فمك وأنفك.
- تنظيف وتطهير الأسطح التي تُلمَس بشكلٍ متكرر.
- استخدام معدات الحماية الشخصية عند رعاية المُصابِين بالفيروس.
كيف تعتني بنفسك حال الإصابة بجدري القرود؟
يتعافى معظم المصابين بجدري القرود في غضون 2 - 4 أسابيع، وقد تساعد النصائح الآتية على تخفيف الأعراض ومنع انتقال العدوى للآخرين:
- تناول المُسكِّنات، مثل إيبوبروفين.
- تجنُّب الاتصال بالآخرين إلى أن تزول كل الآفات الجلدية.
- غسل اليدين جيداً بالماء والصابون أو استخدام مُعقّم، خاصةً قبل أو بعد لمس الآفات الجلدية.
- ارتداء كمامة وتغطية الآفات الجلدية عندما تكون موجودًا بالقرب من الآخرين.
- الراحة والبقاء في المنزل وشُرب كميات مناسبة من السوائل.
- تجنُّب مخالطة الحيوانات الأليفة.
- لا تضغط على البثرات أو تخدش القرح، لأنّ ذلك قد يُبطِئ الشفاء وينشر الطفح الجلدي أكثر وربّما يُسبِّب العدوى.
هل سيتحول جدري القرود لجائحة عالمية مثل كوفيد 19؟
من غير المُرجّح أن يتحوّل جدري القرود لجائحة عالمية مثل كوفيد 19، لأنّ كوفيد 19 من الفيروسات المحمولة جواً والتي تنتشر بسرعة، وقد يصيب بعض الأشخاص دون أن يُسبِّب أعراضًا، ومع ذلك فهم قد ينقلون العدوى إلى غيرهم.
أمّا جدري القرود فينتشر بصورة رئيسة من خلال اتصال الجلد بجلد المُصاب أو ملابسه، وغالبًا ما يُسبِّب آفات جلدية مرئية للآخرين، ومن ثم يمكن للجميع تفادي الإصابة باتباع طرق تجنبها والوقاية منها.