"ثورة علمية".. كيف ينجح لقاح كورونا في علاج السرطان؟
استُخدمت تقنية "mRNA" لتطوير لقاحات كوفيد، واستعملها الباحثون في تجارب جديدة لعلاج مجموعة واسعة من السرطانات؛ إذ أعلن البيت الأبيض عن تمويل بقيمة 24 مليون دولار في أغسطس من عام 2023، الذي سيستكشف جزئيًا استخدام تلك التقنية في علاج أنواع السرطان.
كما أعلن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام لقاح كورونا "كوفيد 19" في محاربة السرطان، فما قصة ذلك اللقاح؟ وكيف يمكن للقاح فيروسي أن يُستخدَم في مكافحة السرطان؟
اللقاحات والسرطان
ليس جديدًا محاولة إنتاج لقاح للسرطان، إذ تبيّن للعلماء على مر السنين ارتباط بعض الفيروسات بزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، مثل فيروس الورم الحليمي البشري المُسبِّب لسرطان عنق الرحم عند السيدات.
ونجح الباحثون سابقًا في تطوير لقاح ضد 2 من سلالات فيروس الورم الحليمي البشري، المرتبطة بسرطان عنق الرحم، واتسع نطاقه حتى صار فعّالاً ضد 9 من سلالات ذلك الفيروس.
وظهرت نتائج دراسة في عام 2021 أنَّ اللقاح كان فعّالاً في تقليل خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، بل خفّض مُعدّلات الإصابة به بنحو 90% في النساء في العشرينات من العُمر عندما حصلن عليه في سن 12 - 13 سنة.
كذلك لقاح فيروس التهاب الكبد الوبائي B، يستهدف ذلك الفيروس، الذي يزيد خطر الإصابة بسرطان الكبد بنسبة 15 - 25%.
كانت فكرة هذه اللقاحات قائمة على استهداف الفيروس المُسبِّب للسرطان بنسبة كبيرة، لكن لم يُطوّر لقاح قادر على الفتك بالخلايا السرطانية أو منع نموها باستهدافها مباشرة، فضلاً عن تطوير لقاحات تُستخدَم لعلاج السرطان، ما يجعل قدرة لقاح كورونا على مكافحة السرطان فريدة من نوعها.
كيف يعمل لقاح كورونا؟
بدايةً، تعمل اللقاحات التقليدية عبر حقن جزء من الفيروس يُعرَف باسم "المُستضد"، لإجبار جهاز المناعة على صُنع أجسام مضادة لمحاربة هذا النوع من العدوى الفيروسية مستقبلاً إن أصابت المريض.
أمّا لقاح كورونا الذي نتحدّث عنه، فلا يعمل بتلك الطريقة بل يعتمد على الحمض النووي الريبوزي المرسال "mRNA"، ولا يستخدم فيروسًا حيًا.
ولقاح كوفيد من ذلك النوع، يُعطِي الخلايا التعليمات اللازمة لإنشاء بروتينات سبايك "spike" موجودة أيضًا على سطح فيروس كورونا، ويبدأ الجسم استجابته المناعية من خلال إنشاء الأجسام المضادة لمكافحة تلك البروتينات الفيروسية، فإذا اقتحم الفيروس الجسم في وقتٍ ما، تعامل معه الجهاز المناعي على الفور.
لقاح كورونا والسرطان
وجدت الدراسات التي أُجريت عام 2023 بتمويل من المعاهد الوطنية للصحة أنَّ لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال "mRNA" الشخصية "لقاح كورونا من بينها" تُساعِد على الاستجابة ضد الأورام، بل كانت هناك استجابة مناعية قوية ضد الورم بين نصف مجموعة مرضى سرطان البنكرياس الذين حصلوا على لقاح "mRNA".
اقرأ أيضًا:لقاحات السرطان.. أمل جديد يلوح في الأفق
كيف تعمل لقاحات mRNA؟
كي نفهم كيف يعمل لقاح كورونا الذي يُجهّز لاستخدامه في السرطان، لا بُدّ من معرفة كيفية عمل لقاحات "mRNA"؛ إذ إن لقاح كورونا من ذلك النوع.
فعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، تعلّم الباحثون كيفية هندسة أشكال مستقرة من "mRNA" وإيصال هذه الجُزيئات إلى الجسم من خلال اللقاحات.
وبمجرد وصوله إلى الجسم، يُوجِّه الحمض النووي المرسال "mRNA" الخلايا لإنتاج بروتينات تُحفِّز استجابة الجهاز المناعي ضد هذه البروتينات نفسها عندما تكون موجودة في فيروسات أو خلايا سرطانية، حال إصابة المريض بها في وقتٍ لاحق.
ومن بين الخلايا التي قد تحصل على "mRNA" من اللقاح، الخلايا المتغصنة "dendritic cells"، وهم حُرّاس الجهاز المناعي، وبعد ترجمة "mRNA"، تُقدِّم الخلايا المتغصنة البروتينات للخلايا المناعية، مثل الخلايا التائية، لتبدأ الاستجابة المناعية، وتكون الخلايا المناعية مُتأهبة حال قدوم أي فيروس يحمل ذلك البروتين.
هل تُساعِد لقاحات mRNA في علاج السرطان؟
لأكثر من عقد من الزمان، حاول الباحثون علاج السرطان، عبر تطوير نوع جديد من العلاج يُعرَف باسم "لقاح السرطان الشخصي" باستخدام تقنيات مختلفة، بما في ذلك "mRNA" وأجزاء البروتين أو الببتيد.
وصُنِّعت لقاحات "mRNA" الاستقصائية للأفراد بناءً على السمات الجُزيئية المُحدِّدة لأورامهم، ويستغرق إنتاج ذلك النوع من لقاح السرطان من شهر إلى شهرين بعد الحصول على عيِّنات الأنسجة من المريض.
ومن خلال هذا النهج، حاول الباحثون الحصول على استجابة مناعية ضد البروتينات غير الطبيعية، أو المستضدات الجديدة، التي تُنتِجها الخلايا السرطانية، ولعدم وجود هذه البروتينات في الخلايا الطبيعية، فيُمكِن استهداف تحفيز الاستجابة المناعية لتلك البروتينات من خلال اللقاح.
وبالنسبة للمرضى المُصابين بسرطان في الرأس والرقبة، كانت النتائج الباكرة إيجابية، فمن بين المشاركين الـ 10 الأوائل، اختفت جميع علامات الأورام لدى 2 من المرضى بعد العلاج، وتقلّصت أورام 5 آخرين، ورغم صغر عدد المرضى الذين عُولجوا، لكن كانت هذه النتائج واعدة للغاية.
وتلك اللقاحات السرطانية الشخصية، المُطوّرة باستخدام "mRNA"، يُفترض لها أن تمتلك القدرة على تنشيط الخلايا التائية المناعية، التي ستتعرَّف إلى الخلايا السرطانية الموجودة في جسم ذلك الإنسان بعينه، بناءً على السمات الجُزيئية غير الطبيعية لها.