كيف تستخدم نموذج السمات الشخصية الخمس الكبرى لتصبح قائداً أفضل؟
يؤمن العديد من علماء النفس المعاصرين بأن هناك 5 أبعاد رئيسة للشخصية، يُشار إليها بمصطلح "السمات الشخصية الخمس الكبرى"، هذه الأبعاد أو السمات هي "الانفتاح - Openness"، و"الضمير الحي - Conscientiousness"، و"الانبساط - Extraversion"، و"القبول - Agreeableness"، و"العصابية - Neuroticism"، ويُمكنك أن تتذكر هذه السمات بسهولة إذا جمعتها في كلمة "OCEAN" أو "CANOE"، بحيث يُعبر كل حرف من أحرف هاتين الكلمتين عن سمة معينة.
في السطور التالية سنتعرف معاً على السمات الشخصية الخمس الكبرى بشيء من التفصيل، بدايةً من أهميتها مروراً بتاريخها، وصولاً إلى العوامل المؤثرة عليها.
ما الذي تُعبر عنه كل سمة؟
باختصارٍ شديد، يُعبر الانفتاح عن الإبداع والإقبال على التجارب المختلفة، والضمير عن المسؤولية والتفكير في الآخرين، والانبساط عن التواصل والعلاقات، والقبول عن اللطف والود والتعاون، وأخيراً العصابية عن القدرة على التعامل مع التوتر والقلق أو الاستقرار العاطفي.
ويُعد فهم هذه السمات ضرورياً، لأنه يساعدك على فهم نفسك والآخرين بشكلٍ أفضل، ومن ثم يؤدي إلى سهولة التواصل معهم، وعلى سبيل المثال، إذا تعرفت على شخصٍ جديد وظهرت عليه صفات سمة الانفتاح (سنتعرف على صفات كل سمة بالتفصيل لاحقاً)، فستستطيع أن توطد العلاقة بينكما عن طريق اقتراح نشاطٍ أو مغامرة ما، وقس ذلك على بقية السمات والشخصيات.
تاريخ السمات الشخصية الخمس الكبرى
لم يكن نموذج السمات الشخصية الخمس الكبرى ليظهر لولا تعدد صفاتنا الشخصية، فالهدف الرئيس من هذا النموذج هو تحجيم عدد الصفات قدر المستطاع، حتى نفهم أنفسنا والآخرين بسهولة، ولك أن تتخيل أن عالم النفس الأمريكي "جوردون ألبورت" يقول بوجود 4000 صفة شخصية!
رقم "ألبوت" يبدو فضفاضاً للغاية، ومن ثم يصعّب علينا المهمة، طبعاً توجد نماذج تصنيفية أخرى بأعداد متفاوتة واستخدامات مختلفة، كنموذج DiSC، غير أن نموذج السمات الخمس الكبرى أحد أشهر وأفضل النماذج.
ويمكننا إرجاع أصل نموذج السمات الخمس الكبرى إلى عالم النفس الأمريكي "دونالد دبليو. فيسك" في عام 1949، والذي خرج بالسمات الخمس الكبرى بعد أن وجد الباحثون أن نموذج "رايموند كاتل" المكون من 16 صفة شخصية معقد بعض الشيء للاستخدام العملي، ومرّ النموذج بمجموعة من التطورات إلى أن وصل لشكله النهائي الموجود عليه الآن.
الخصائص المميزة لكل سمة
في نموذج السمات الشخصية الكبرى يُعبَّر عن كل سمة من السمات الخمس بطيف من الخصائص، أو الصفات التي تحدد شخصية الإنسان، كما يلي:
1. الانفتاح: ينطوي على الخيال والرغبة في استكشاف تجارب جديدة، والأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من هذه السمة يكونون عادةً مبدعين ومغامرين وفضوليين بشأن العالم، ويستمتعون بالأفكار الجديدة والتفكير المجرد، بالمقابل، أولئك الذين لديهم درجة منخفضة من الانفتاح قد يفضلون التقاليد، ويقاومون التغيير، ولا يستسيغون المفاهيم المجردة.
2. الضمير الحي: يعكس التفكير الواعي، وضبط النفس، والسلوك الموجه نحو الأهداف، والأشخاص الذين يتمتعون بضمير عالٍ يكونون عادةً منظمين، ويهتمون بالتفاصيل، ويمكن الوثوق بهم بسهولة، وغالباً ما يخططون مسبقاً، ويلتزمون بالجداول الزمنية، ومن ناحية أخرى، قد يكون الأشخاص الذين لديهم ضمير حي منخفض أقل تنظيماً، ويعانون من التسويف، ويكونون أقل انتباهاً للمواعيد النهائية.
3. الانبساط: يتميز بالاجتماعية، والحزم، والتعبير العاطفي العالي. باختصار، يستمد هؤلاء الأفراد طاقتهم من التفاعلات الاجتماعية، ويستمتعون بكونهم حول الآخرين، وهذا يُفسر امتلاكهم لدوائر اجتماعية واسعة، في المقابل، قد يجد الأشخاص الانطوائيون الفعاليات الاجتماعية مرهقة، وعليه يُفضلون الوحدة ويصبحون أكثر تحفظاً.
4. القبول: سمة تشمل الثقة، واللطف، والتعاطف، والأشخاص من هذا النوع يمتلكون درجة كبيرة من التعاون والاهتمام بالآخرين وبمساعدتهم، وعلى الجانب الآخر، نجد أن من يمتلك درجة أقل من هذه السمة تنافسياً إلى حدٍ كبير، تعاطفه قليل تجاه الآخرين، كما يحب أن يكون الأول في كل شيء.
5. العصابية: السمة الخامسة والأخيرة تُعرف بعدم الاستقرار العاطفي والتقلبات المزاجية، والأشخاص الذين يمتلكون درجةً عالية من هذه السمة قد يمرون بتقلبات مزاجية متكررة، وقلق وضغط، وفي المقابل، نجد من لديهم "عصابية" منخفضة أكثر استقراراً على المستويات المذكورة، وأكثر قدرة على التعامل مع الضغوطات، وبشكلٍ عام أكثر راحة وتسامحاً إزاء شتى الأمور.
عوامل تؤثر على السمات الشخصية
1. الجينات: أظهرت دراسة أجريت على التوائم، أن الوراثة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل سمات الشخصية الخمس الكبرى، بدرجات متفاوتة طبعاً، حيث تؤثر الوراثة على سمة الانفتاح بنسبة 61% تقريباً، و53% على الانبساط، و44% على الضمير الحي، إلخ.
2. العوامل البيئية: لا ينفي دور الجينات دور العوامل البيئية تماماً، فالتربية والثقافة والخبرات الحياتية تسهم في تطور السمات الشخصية مع مرور الوقت، وربما يفوق تأثيرها الجينات.
3. السن ودرجة النضج: غالباً ما تتغير السمات الشخصية مع تقدم العمر، وتشير الأبحاث إلى أن سمات مثل الانفتاح والعصابية تقل مع تقدم العمر، بينما تزداد التوافقية والضمير الحي.
اقرأ أيضًا: مهارات القيادة في العمل.. هكذا تكون قائدًا ناجحًا "كما يقول الكتاب"
هل تختلف السمات الشخصية بين الرجال والنساء؟
على عكس ما قد يتوقع البعض، تُشير الدراسات إلى أن الرجال والنساء متشابهون إلى حدٍ كبير جداً هنا، ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات الواضحة، ففي دراسة أُجريت عام 2011، تبين أن الفروقات الجندرية تلعب دوراً بسيطاً في تفاوت السمات بين الجنسين، إذ خَلُصَ الباحثون إلى أن النساء يملن للحصول على درجات أعلى في الانبساط، والتوافقية، والعصابية أكثر من الرجال، ولكن لا يجب أن ننسى تأثير العوامل الأخرى على هذه السمات.
كيف تُقاس السمات الشخصية الخمس الكُبرى؟
باختبارٍ بسيط، ولكن مبني على أساس علمي نستطيع قياس السمات الشخصية الخمس الكبرى.
الاختبار مكون من أسئلة على شاكلة:
- "هل أنت منفتح لتجربة مغامرات جديدة؟"
- "هل تُفكر في الآخرين دائماً؟"
- "هل تحب أن تكون محور الاهتمام؟"
- "ماذا عن القلق من المستقبل؟"، إلخ.
والإجابة على هذه الأسئلة لا تكون بـ"نعم" أو "لا"، وإنما بمقياسٍ يبدأ بـ "Strongly Agree" للإيجاب وينتهي بـ "Strongly Disagree" للنفي.
كيف تستفيد من هذا النموذج وتكون قائداً أفضل؟
للإجابة على هذا السؤال، من المهم النظر في نموذج السمات الشخصية الخمس الكبرى، وفهم كيف تؤثر كل سمة على مهارة القيادة، فقد تعتقد أن سمة مثل الانبساطية تصنع قادة جيدين، وهذا قد يكون صحيحاً نظراً للصفات المميزة لهذه السمة، غير أن الأبحاث أشارت إلى أن وجود عدد كبير ممن يمتلكون هذه السمة في فريقٍ واحد، قد يؤدي إلى انخفاض الفاعلية، ومن ثم، لا توجد قاعدة ثابتة.
الشاهد أنك لكي تكون قائداً جيداً، وتستفيد من نموذج السمات المطروح أقصى استفادة، عليك أن تعرف موقعك، وتعرف أن استخدام كل سمة يختلف من شخصٍ لآخر حسب ظروفه، والأهم من ذلك أن تعرف متى تستخدم كل سمة.
على سبيل المثال، تُعد سمة الضمير الحي أو الانضباط الذاتي واحدة من أهم سمات القادة، في المواقف التي تكون فيها مسؤولاً عن أمرٍ ما برمته من الألف إلى الياء، ما يعني أنك يجب أن تستخدم سمة الضمير الحي أكثر من غيرها في هذه المواقف تحديداً.
أما إذا كنت مُضطراً لاتخاذ قرارٍ حاسم، فهنا عليك أن تتخلى تماماً عن صفة العصابية، لأنها تشتتك عن اتخاذ القرارات المهمة، وتستخدم بدلاً منها صفةً أخرى تُشاور فيها فريقك للخروج بأفضل نتيجة ممكنة، وهكذا.
إذاً فإن استخدام نموذج السمات الشخصية الخمس الكبرى في القيادة أمرٌ مفيد، ولكنه يختلف من شخصٍ لآخر وحسب الموقف أو الحاجة إلى استخدامه، بينما لا توجد قاعدة ثابتة سوى أن معرفة سماتك الأساسية سيفيدك بشكلٍ أو بآخر في حياتك.