"سيكولوجية المقتنيات الفاخرة": الأسباب وراء اختيارنا للرفاهية
تمتلك السلع الفاخرة جاذبية لا تُقاوَم مهما بلغت أسعارها، فغالبًا ما تكون مرتبطة بعلامة تجارية قوية وفريدة، أو تمتلك مظهرًا جماليًا يصعب تقليده. لذلك يميل جلّ الناس إلى شراء المقتنيات الفاخرة، وربما يكون ذلك للظن بأن السعر المرتفع يضمن أعلى جودة، أو لأن اقتناء تلك السلع يُثير مراكز المكافأة في أدمغتنا ويساعد على شعورنا بالرضا النفسي والمتعة.
لماذا نميل إلى شراء المقتنيات الفاخرة؟
بالتأكيد السلع الفاخرة جذّابة للغاية، لكن قد يكون سعرها باهظًا، ومع ذلك نُقبِل على شرائها بكل ترحاب، وقد تكون الدوافع النفسية وراء ذلك:
1. البحث عن الهيبة "البريستيج"
تُعدّ السلع الفاخرة رموزًا قوية تدل على الحالة المادية والمكانة الاجتماعية، بالإضافة إلى كونها ذات قيمة جوهرية في نفسها.
فلا تقتصر حيازة بعض العلامات التجارية الفاخرة، مثل "Louis Vuitton" أو "Hermès"، على تفضيل أسلوبها، بل إن هذه العلامات التجارية لها دلالة أعمق، لأن شعاراتها وتصميماتها تُشير إلى الازدهار وبلوغ مكانة مُعيّنة في المجتمع.
وقد صارت العلامات التجارية الفاخرة رموزًا للمكانة "البرستيج" بسبب الجذور النفسية العميقة وراء رغبة المرء أن يكون مختلفًا عمّن حوله، فقد يستخدم بعض الناس تلك العلامات الفاخرة لاكتساب مكانة اجتماعية مُعيّنة، يُنظَر إليهم من خلالها من قِبل أقرانهم ومجتمعاتهم.
2. الظنّ بأنّ أعلى سعر يجلب أعلى جودة
قد يميل الإنسان بطبيعته إلى التأكيد على العناصر الإيجابية لبعض المنتجات الفاخرة وتجاهل مساوئها، وربما يُسهم في ذلك التسويق الرائع وقوة العلامة التجارية ذاتها.
فقد ينتظر بعض الناس طوال ليلة كاملة للحصول على إصدارات جديدة من أجهزة "iPhone" و"iPad" على الرغم من أن منتجات "Apple" ليست بالضرورة فريدة أو متفوقة من الناحية التكنولوجية، بل قد يكون هناك من هو أرخص منها ثمنًا ويتمتع بمزايا لا تتوافر في بعض إصدارات آيفون.
وانطلاقًا من هذا، فإن بعض الناس يرون السلع غير الفاخرة "رخيصة الثمن" أقل شأنًا وأن خصائصها وجودتها أقل، فقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن السلع عالية الأسعار هي الأفضل، حتى لو لم تكن ملائمة لاحتياجاتهم بنسبة 100%.
3. سُمعة العلامة التجارية
يتأثر سوق السلع الفاخرة بـ "تأثير الهالة" المرتبط بالعلامات التجارية الفاخرة، وتحدث هذه الظاهرة عندما تؤثر الصفات الجيدة للعلامة التجارية بشكل إيجابي على كيفية نظر العملاء إلى سلعها.
مثلًا، تلقى سمعة رولكس في الدقة والتميّز ردود فعل إيجابية على جميع ساعاتها، ما يؤثر على كيفية إدراك المستهلكين لها وتعاملهم معها، حتى لو كان لديهم القليل من التجارب المباشرة مع تلك العلامة التجارية.
نتيجة لهذا التأثير، تُنشأ صورة قوية للعلامة التجارية، ويُعتقد أن كل منتج يُباع تحت اسم تلك العلامة التجارية يمثل الخصائص والقيم الأساسية للشركة.
تؤكد هذه الظاهرة على مدى تأثر سلوك الناس بصورة العلامة التجارية الفاخرة والانطباع الذي تتركه فيهم، بما يجعلهم يتطلعون دومًا إلى اقتناء تلك العلامة التجارية.
اقرأ أيضًا:بين التباهي والشغف.. لماذا يستثمر الأثرياء في الفن؟
4. الرغبة في زيادة الثقة بالنفس
قد يكون احترام الذات من العوامل النفسية المؤثرة في شراء المقتنيات الفاخرة، خاصةً مع من لا يقدرون على تحمل تكلفة تلك السلع الفاخرة بسهولة.
فقد يتطلع بعض الناس إلى اقتنائها سعيًا وراء زيادة احترام الذات أو ثقتهم بأنفسهم، ما يوفر إحساسًا بالانتماء لمكانة أو طبقة أعلى.
كذلك قد يشعر بعض الناس بأنهم حققوا إنجازًا بمجرد شرائهم سلعًا فاخرة، فقد يرغب بعضهم في مكافأة أنفسهم على عملهم الشاق من خلال اقتناء شيء قد لا يستطيعون تحصيله بسهولة.
5. البحث عن الأصالة والموثوقية
لا يحب أحدٌ أن يُخدَع أو يشتري سلعة مُزيّفة بأي حالٍ من الأحوال، فقد تُقرِّر ترك ساعة رولكس مزيفة "غير أصلية" ودفع السعر الكامل مقابل ساعة أصلية، حتى لو بدت الساعتان مُتطابقتَين.
وذلك ببساطة لأن من يمتلك تلك الساعة سيشعر أنه لم يشترِ سلعة فاخرة حقيقية، على الرغم من أنها قد تبدو هي نفسها بالنسبة لشخصٍ غريب.
والبحث عن الأصالة في المُنتَج سِمة رئيسة في الإنسان، فقد قرر باحثون في جامعة ييل "Yale University" أن البحث عن الأصالة ينشأ في وقتٍ مبكرٍ من الطفولة.
إذ أُجريت دراسة حاول الباحثون خلالها إقناع الأطفال بأن آلة الاستنساخ أنتجت لعبتهم المفضلة، ومع ذلك رفض الأطفال قبول النسخ المكررة على أنها مُتطابِقة مع ألعابهم الأصلية.
فالعاطفة أو الشعور الذي يأتي من شراء سلعة فاخرة حقيقية هو جزء من سبب سعينا إلى الأصالة.
6. الرغبة الدفينة في شراء المقتنيات الفاخرة
من منظور علم الأعصاب، فإن شراء السلع الفاخرة يُنشِّط مراكز المكافأة في الدماغ، ويُطلق الدوبامين، ما يخلق إحساسًا بالمتعة والرضا، وهذه الاستجابة تزيد الشعور بالرضا عند الحصول على سلع فاخرة.
تؤكد هذه الطريقة على أسلوب تفاعل دماغ الإنسان عندما يشتري المرء سلعًا فاخرة، وعلى الفوائد النفسية العميقة المرتبطة بهذه المشتريات.
فلا يقتصر الأمر على العناصر الجسدية التي يسعى الناس وراءها، لكن الرضا النفسي الذي يأتي مع امتلاك شيء فاخر له دوره أيضًا، والذي لا يمكن تجاهله.
توضح وجهة النظر البيولوجية العصبية هذه سبب جاذبية السلع الفاخرة، ولماذا يرغب المشترون في دفع مبالغ ضخمة من أموالهم لاقتنائها.
اقرأ أيضًا:كنوز الأثرياء: قصص أبرز قطع الألماس من "البرتقالة" إلى "النجمة الوردية"
7. التأثير الرقمي
تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرون بصورة كبيرة على تصورات الناس عن الموضة الفاخرة، فالمؤثرون يُنظر إليهم على أنهم قدوة في هذا الجانب، إذ يعززون جاذبية العلامة التجارية عندما يروجون للسلع الفاخرة، ولا يمكن تجاهل دور وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين في سوق السلع الفاخرة عمومًا.
والآن تستخدم العلامات التجارية الفاخرة منصات التواصل الاجتماعي وسيلة أساسية للتواصل والتفاعل مع السوق المستهدَف، والمؤثرون مهمون أيضًا في التأثير على مواقف وأفعال الناس بسبب عدد متابعيهم المهول.
وعندما يؤيد المؤثرون المنتجات الفاخرة، فهم لا يسَلِّطون الضوء على تلك العلامات التجارية فحسب، بل يمنحونها أيضًا إحساسًا بالمصداقية وأنها شيء مرغوب فيه بلا شك.
وقد صارت هذه الديناميكية مكونًا رئيسًا للتسويق الفاخر، ما يعني أن بعض الناس قد يميلون إلى شراء المقتنيات الفاخرة بسبب الترويج الهائل لها عبر منصات التواصل الاجتماعي ومن خلال المؤثرين أيضًا.