كم من المال تحتاج إليه لتكون من أصحاب الثروات المرتفعة "HNWI"؟
يعج عالم الثراء بمجموعة من الأفراد الذين يمتد تأثيرهم إلى ما هو أبعد من محيطهم المباشر. هؤلاء الأفراد يؤثرون على الأسواق بطريقة قد تمس الاقتصاد العالميّ، وعلى نطاقٍ أضيق قليلاً، فإن تأثيرهم يطال كل الصناعات تقريبًا بداية من التكنولوجيا ومرورًا بالفن وليس انتهاءً بالعمل الخيري. وكنا قد تحدثنا سابقًا عن هذه الفئة من الأفراد وعن السبب وراء شرائهم للوحات فنية بملايين الدولارات، فمن هُم "أصحاب الثروات المرتفعة- HNWI"؟ إليك كل ما تحتاج إلى معرفته عنهم.
من هم أصحاب الثروات المرتفعة؟
هم فئة من الأفراد الذين يتمتعون بأصولٍ سائلة ضخمة؛ تتجاوز المليون دولار تحديدًا. تشمل هذه الأصول النقود والأسهم والسندات والاستثمارات الأخرى التي يمكن تحويلها سريعًا إلى نقود، أي أن العقارات والشركات الخاصة وبعض المقتنيات لا تندرج تحت هذه الحِسبة إذا كانت غير قابلة للتسييل بسهولة.
وينقسم أصحاب الثروات المرتفعة إلى 3 فئات رئيسة:
- "عامة المليونيرات- Millionaires Next Door" وهم الذين تتراوح ثرواتهم بين مليون و5 ملايين دولار في صورة أصول سائلة.
- "مليونيرات الطبقة المتوسطة- Mid-Tier Millionaires" الذين يمتلكون ثروة تقدر بـ 5-30 مليون دولار من الأصول السائلة.
- "المليونيرات فاحشي الثراء- Ultra-High-Net-Worth Individuals"- للاختصار UHNWIs، وثروتهم تتجاوز الـ 30 مليون دولار من الأصول السائلة والتي يمكن تحويلها -سريعًا- إلى نقود بالطبع.
التوزيع الجغرافي لأصحاب الثروات المرتفعة
ينتشر أصحاب الثروات المرتفعة HNWI حول العالم مع تركيزات كبيرة في مناطق محددة بالطبع، مثل أمريكا الشمالية، والتي تضم أكبر عدد في العالم من أصحاب الثروات المرتفعة بواقع 7.9 مليون شخص "في 2023"، ثم تأتي آسيا وأوروبا في المركز الثاني بفارقٍ طفيف، وهذا وفقًا لآخر الإحصائيات.
أما عن الدول، فالولايات المتحدة تتصدر -بأكثر من ثلث العدد- لِما تتمتع به من قوة اقتصادية، والأهم -ربما- أنها مُنتعشة تكنولوجيًّا. الصين تلي أمريكا وتشهد ازديادًا ملحوظًا في أعداد أصحاب الثروات المرتفعة، وكلاهما -أمريكا والصين- يكتنفان نصف أثرياء العالم تقريبًا، ثم نجد أوروبا تشارك بأكثر من دولة أبرزها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وغيرهم.
التوزيع الاجتماعي لأصحاب الثروات المرتفعة
بالنسبة لأعمار أصحاب الثروات المرتفعة فهي متفاوتةٌ أيضًا بمتوسط أعمار هو 64.8 عام للرجال و63.6 عام للنساء. وقد جمعت هذه الفئة الثروات على مدار عقود من خلال المشاريع التجارية، والاستثمارات، وحتى الميراث، ومع ذلك، فإن أعداد الأثرياء الأصغر سنًا آخذة في الارتفاع لا سيما في عصر صناعة التكنولوجيا والشركات الناشئة.
اقرأ أيضًا: ساهمت في بناء ثرواتهم.. أمور يتجنب الأثرياء العصاميون الإنفاق عليها
من الناحية الجندرية، فإن هناك اكتساحًا عالميًا لصالح الرجال، فمن ضمن 3,194 مليارديرًا في العالم في 2022، كانت نسبة النساء 12.5% فقط، أي حوالي 399 امرأة والبقية من الرجال، أضف إلى ذلك أن 45% من هذا العدد من المليارديرات النساء قد ورثن ثروتن وفقًا لإحصائية أُجريت في 2020، وهذا على عكس الرجال الذين يميلون إلى أن يكونوا عصاميين.
نُغلق الملف الديموغرافي والاجتماعي لأصحاب الثروات المرتفعة بالتأكيد على أن هذه الفئة من الأشخاص تأتي من خلفيات متنوعة، فمنهم من أصبح ثريًا بفضل العقارات، أو التكنولوجيا، أو التصنيع، إلخ من المجالات الأخرى، ولكن المثير للاهتمام أنه خلال العقدين القادمين، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ستنتقل أصول بقيمة 90 تريليون دولار للأجيال الصغيرة التي تتضمن الجيل زد والجيل إكس وغيرهما، ما يؤكد على دور الميراث في هذا الأمر.
أين يستثمر أصحاب الثروات المرتفعة أموالهم؟
تتنوع استراتيجيات الاستثمار التي يتبعها الأثرياء لحماية ثرواتهم وزيادتها بين قطاعات عديدة، منها:
- العقارات: سلط "تقرير نايت فرانك للثروة- Knight Frank Wealth Report"، والصادر مؤخرًا، الضوء على أهمية الاستثمارات العقارية لأصحاب الثروات مُشيرًا إلى أن 22% من الأفراد الأثرياء أعربوا عن اهتمامهم بالاستثمار في العقارات السكنية، و19% عن الاستثمار في العقارات التجارية، وهذه نسب مُعتبرة تشير إلى أهمية العقارات في تشكيل الثروات.
- التكنولوجيا: من أكثر القطاعات التي يُستثمر فيها هذه الأيام، وبخاصة بعد ظهور الذكاء الاصطناعي على الساحة بقوة. سوق الذكاء الاصطناعي AI وحده من المتوقع أن يصل إلى 733.7 مليار دولار في 2027، أي في غضون أقل من 3 سنوات فقط. ولا يقتصر الاستثمار في التكنولوجيا على الذكاء الاصطناعي فحسب، فالتكنولوجيا الحيوية أيضًا يُستثمر فيها وبشدة، كيف لا ومن المتوقع لها أن تصل إلى 2.44 تريليون دولار بحلول 2028! وطبعًا هناك قطاعات تكنولوجية أخرى يتم الاستثمار فيها.
اقرأ أيضًا: كنوز الأثرياء: قصص أبرز قطع الألماس من "البرتقالة" إلى "النجمة الوردية"
- الاستثمارات المؤثرة والمستدامة Sustainable and impact investments: وهي الاستثمارات التي لا يُراد بها زيادة دخل أصحابها فقط، وإنما التأثير على المجتمع والبيئة بشكلٍ إيجابيّ. وبحسب مؤشر "Saltus Wealth"، يستثمر في هذا النوع 44% من أصحاب الثروات المرتفعة، صحيحٌ أنها نسبة منخفضة عن التقييم السابق، إلا أنها تظل مرتفعة.
الجانب الإنساني لأصحاب الثروات المرتفعة
يُساهم أصحاب الثروات المرتفعة بشكلٍ واضح في مجتمعاتهم، فوفقًا لأحد التقارير، تبرع الأشخاص فاحشي الثراء UHNWIs في 2020 فقط بنحو 175 مليون دولار لصالح قضايا خيرية وهذا يعكس حجم العطاء. ويمتد العمل الخيري بين الكثير من الأثرياء إلى ما هو أبعد من التبرعات المالية، حيث ينشئ العديد منهم مؤسسات خاصة لإدارة أنشطتهم الخيرية ما يسمح باتباع نهجٍ منظم واستراتيجي حتى في العطاء.
ويساهم الأثرياء أيضًا في العديد من القضايا المجتمعية كالتعليم والرعاية الصحية والحد من الفقر ومشاريع الإغاثة في حالات الكوارث، إلخ. بالمجمل، تلعب هذه الفئة من الأشخاص دورًا بارزًا للمساهمة في الارتقاء بمجتمعاتهم، وهذا المُعلن، لا شك أن ما خفي أعظم.
ماذا يحتاج إليه الشخص ليكون من الـ "HNWI"؟
المفتاح يكمن في مزيجٍ من الأمور، أهمها الاستثمار، وخصوصًا في المؤشرات المضمونة مثل S&P 500، والذي أعاد لمستثمريه -في المتوسط- أكثر من 10% على مدى يقرب من قرن ليكون أحد أكثر الطرق الفعّالة لتنمية الثروة عبر الزمن.
الادخار أيضًا له دور مهم في تحويل الأشخاص العاديين إلى أصحاب الثروات المرتفعة، وهذا شيء بديهي إلا أن سمعة الادخار أخذت تتلوث مؤخرًا نتيجةً للتضخم، ولا مشكلة في ذلك لأن ادخار الأموال بشكلٍ سلبي يفقدها قيمتها حقًا، ولكن ما نقصده بالادخار هنا هو عدم البذخ أو "الانضباط المالي" في كلِ وقتٍ وحين، فالأثرياء لا يفعلون ذلك ويعرفون كيف ومتى ينفقون أموالهم حتى لو كانوا يملكون مليارات الدولارات.
العاملان المذكوران يُعدان من أهم العوامل لبناء الثروات، ولكن يجب أن نعلم بعدم وجود قاعدةٍ ثابتة وأن الطريق إلى الثراء يختلف من شخصٍ إلى آخر وحسب عوامل عدة، فاختر الطريقة التي تناسبك بعد أن تدرسها جيدًا.
في النهاية، وعلى عكس ما قد يظنه البعض، فإن الأفراد من ذوي الثروات العالية HNWIs ليسوا محصنين ضد التحديات التي تفرضها فترات الركود الاقتصادي، وتقلبات السوق، وحتى الأحداث الجيوسياسية. في 2008 على سبيل المثال، وأثناء الأزمة المالية العالمية، انخفضت قيم الأصول انخفاضًا هائلاً ما أثر على العديد من الأثرياء حول العالم، الشيء نفسه حدث بسيناريوهات قد يجادل البعض أنها أكثر تعقيدًا مثل فيروس كورونا الأخير. الشاهد أن الجميع عليه أن يحترس ويحسب حساب جميع السيناريوهات لأن الأصعب من النجاح هو الحفاظ على النجاح.