سلاح ذو حدين: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير قواعد اللعبة في الاستثمار؟
لم يغير الذكاء الاصطناعي طريقة عيشنا وعملنا فحسب، بل ساعد الكثيرين أيضًا على تحقيق الأرباح. تشير الإحصائيات إلى أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي من المتوقع أن يصل إلى 27.43 مليار دولار بحلول عام 2032، وهذا يفسر شيوع استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستثمار.
نعم، يستخدم الذكاء الاصطناعي في الاستثمار بالفعل ويستطيع التنبؤ- في الكثير من الحالات- باتجاهات الأسهم وأتمتة عمليات صنع القرار، ولكن السؤال هنا: هل يمكن الاعتماد عليه؟
بدايات الذكاء الاصطناعي في الاستثمار
أصبح الذكاء الاصطناعي قوةً لا يُستهان بها في عالم الاستثمار الحديث حيث شكل ثورة في كيفية اتخاذنا للقرارات المالية. بفضل خوارزمياته المتقدمة وحجم البيانات الهائل الذي تدرب عليه، يستطيع الـ "AI" أن يقدم تنبؤات دقيقة ورؤى استثمارية صائبة في الوقت الفعلي.
الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي تستطيع تحليل اتجاهات السوق، وتقييم المخاطر، وإبرام الصفقات بشكل أسرع من قدراتنا نحن البشر، مما يسمح للمستثمرين بالاستفادة من الفرص بكفاءة ويجعلهم أكثر اعتمادًا على الآلة.
قد تتعجب مما سنقوله، ولكن استخدام الذكاء الاصطناعي في عالم المال يعود إلى سنوات بعيدة؛ أبعد مما قد تتوقع، وتحديدًا إلى النصف الثاني من القرن العشرين.
في البداية استخدمت المؤسسات المالية أنظمة بسيطة للغاية مقارنة بما نمتلكه اليوم، ولكنها كانت أنظمة ذكاء اصطناعي في نهاية المطاف، أخذت تتطور إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم، للدرجة التي تجعل بعض المستثمرين لا يتخيلون حياتهم بدونها.
فوائد الذكاء الاصطناعي في الاستثمار
1. تحسين عملية اتخاذ القرار:
وذلك لأنه يستطيع معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة، كما نعرف جميعًا. على سبيل المثال، يمكن لخوارزميات التعلم الآلي تحليل الأداء التاريخي للأسهم والمؤشرات الاقتصادية وأخبار السوق، وكل هذا في الوقت الفعلي real-time، ما يساعد المستثمرين على رصد الأنماط والاتجاهات التي يتجاهلها المحلل البشري العادي.
وبالمناسبة، من المنصات التي توفر رؤى وتوصيات عملية للاستثمار منصة Bloomberg Terminal، غير أننا لا ننصح باستخدام أي منصة كهذه إذا كنت مبتدئًا في عالم المال والاستثمار.
2. زيادة الكفاءة وتقليل الخطأ البشري:
تحدثنا مرارًا عن دور أنظمة الذكاء الاصطناعي في أتمتة المهام الروتينية وتقليل الأخطاء البشرية. وفي حالة الاستثمار، تقوم الخوارزميات بتنفيذ عمليات التداول بسرعات وقدرات غير قابلة للتحقيق على المستوى البشري، والأدهى من ذلك أن كفاءتها عالية وتقريبًا بلا أخطاء، على عكس البشر الذين تحكمهم التحيزات العاطفية أو المعرفية أو كلاهما.
3. التحليلات التنبؤية واستقراء "التريندات":
يستخدم الذكاء الاصطناعي قواعد بياناته الضخمة ويوظفها في استشراف المستقبل؛ تقنيات مثل "تحليل الانحدار" regression analysis و"الشبكات العصبية" neural networks تُمكن الـ "AI" من التنبؤ بأسعار الأسهم، وحركات السوق، والتحولات الاقتصادية عمومًا بدقةٍ متزايدة.
ومن المنصات المستخدمة في تحليل مجموعات البيانات الضخمة وتقديم توقعات للمستثمرين حول اتجاهات السوق وفرص الاستثمار منصة AlphaSense، وذلك يتم بناءً على التوقعات الدقيقة بدلًا من المضاربة بالطبع.
الاستثمار بين الآلة والإنسان
مما سبق قد يعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي يتفوق علينا في الاستثمار -في المجمل-، ولكن الحقيقة أنه على الرغم من تفوق الآلة علينا في مهارات مثل الشطرنج وقيادة السيارة وغيرهما، فإن اندماج الـ AI في الأسواق المالية لا يزال محدودًا نوعًا ما؛ تواجه نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية التي غالبًا ما تُستخدم في صناديق التحوط الكمية (صناديق التحوط التي تعتمد على الخوارزميات) تحديات كبيرة عندما يتعلق الأمر بالعالم الحقيقي.
ما كنا نتحدث عنه بالأعلى يعكس قدرات الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته على تقديم أفضل النتائج بالفعل، ولكن الحقيقة أن هذه النتائج هي الأفضل من الناحية النظرية فقط (ليس في كل الأحوال بالطبع)، وليس على أرض الواقع بالضرورة، والأمر معقد إلى الحد الذي يجعل الخسائر المالية فادحة إذا كانت نسبة خطأ الذكاء الاصطناعي 5% فقط!
على الجانب الآخر، يتفوق بعض المتخصصين في الاستثمار، من البشر، على الصناديق المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لخبرتهم العملية على أرض الواقع، وهذا بحسب الأدلة التجريبية التي نمتلكها الآن، ولكن هذا لا يعني بالطبع أن الذكاء الاصطناعي لن يسبقنا، فهو يتعلم بسرعة ويمتلك قدرات مخيفة من الناحية النظرية، وعليه، فإن الحل الأمثل هو توفير استراتيجية استثمارية متوازنة بين البشر والآلة لتحقيق أكبر نجاح مالي ممكن.
اقرأ أيضًا: لرواد الأعمال.. 5 نصائح لتطويع الذكاء الاصطناعي في خدمة شركتك
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاسثتمار
هناك أكثر من طريقة أو استراتيجية يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدك فيها خلال مشوارك الاستثماري، ومنها:
1. اختيار الأسهم: يبرع الذكاء الاصطناعي في تحليل الأسهم وتوقع حركات الأسعار المستقبلية. من خلال تحديد الاتجاهات والأنماط التي قد تخفى على البشر، توفر أدوات الذكاء الاصطناعي رؤى قيمة لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة، ولا شك أن ذلك يعود بالأساس لقدرتها على غربلة كميات هائلة من بيانات السوق للتوصية بالأسهم التي يُحتمل أن تحقق أداءً جيدًا بناءً على الأداءات السابقة.
2. تقييم المخاطر: يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرات متقدمة يستخدمها في تقييم مخاطر الاستثمار وذلك من خلال فحص عوامل مثل تقلب السوق واستقرار الشركة والظروف الاقتصادية. كما يمكنه توقع التأثير المحتمل للأحداث العالمية على الاستثمارات. تساعد تقنيات مثل تحليل العناقيد على اكتشاف المخاطر الخفية عن طريق كشف أنماط السوق التي قد تهملها النماذج التقليدية. وهذا يسمح للمستثمرين بإدارة وتخفيف المخاطر المحتملة في محافظهم الاستثمارية بشكل أفضل.
3. إدارة المحفظة الاستثمارية: تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمين على إدارة محافظهم الاستثمارية عن طريق تقديم توصيات ورؤى شخصية تتوافق مع أهداف المستثمر ومدى استعداده لتقبل المخاطر. كما يمكن لهذه الأدوات مراقبة الأداء في الوقت الفعلي، وتحديد الفرص والتهديدات، وإعادة التوازن في المحافظ الاستثمارية تلقائيًا. ناهيك أنها تعمل على تبسيط المهام الإدارية، مما يعزز الكفاءة العامة ويسمح للمستثمرين بالتركيز على صنع القرار الاستراتيجي.
4. تحديد نقطة البداية والتنبؤ الدقيق: بسبب الكميات الهائلة من البيانات المتاحة للمستثمرين اليوم، فإن تحديد نقطة البداية للاستثمار وفهم كل هذه المُعطيات يُعد أمرًا مرهقًا. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون ذا فائدة بفضل رؤاه التي تساعدك على تحديد المكان المناسب للاستثمار. على سبيل المثال، يمكنه تحليل البيانات السابقة للكشف عن الاتجاهات والأنماط وبالتالي التنبؤ بكيفية أداء الأسهم في المستقبل، كما يمكنه تحديد الأسهم ذات القيم غير المنطقية، بالإضافة إلى اكتشاف الفرص والمخاطر الاستثمارية المحتملة، وهو ما سيساعدك في النهاية على اتخاذ قرارك.
5. تحليل المشاعر أو الآراء sentiment analysis: لقياس موقف السوق، وتحديدًا الحالة العامة للمستثمرين، يمكن أن يساعدك هذا في تحديد ما إذا كنت في سوق واعدٍ أم لا، وذلك من خلال تزويدك برؤية أكثر شمولية وموضوعية للسوق. ويقوم الذكاء الاصطناعي بذلك من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات، مثل الأخبار والتقارير المالية، للكشف عن اتجاهات السوق وأنماطه. وتحدثنا عن هذه النقطة كثيرًا.
6. التداول الخوارزمي Algo training: من اسمه، يستخدم خوارزميات مدفوعة بالذكاء الاصطناعي لتنفيذ الصفقات بدقة وسرعة تفوق المستثمرين البشر. وهذا أيضًا لأن الآلة تستطيع تحليل البيانات واتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية. وبالمجمل، يُعزز هذا الأمر من احتمالية تحقيق الأرباح شريطة أن يكون هناك وعي من صاحب الشأن.
ضع هذه النصائح في الاعتبار قبل أن تستخدم الـ AI في الاستثمار
الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا للبشر: إذا أردنا أن نُلخص هذا المقال في جملةٍ أو نصيحةٍ واحدة فسيكون هذا اختيارنا: فالذكاء الاصطناعي -رغم قدراته- لا يستطيع أن يحل محل البشر بأي حال، وهذا لسببٍ رئيس وهو أن روبوتات الدردشة مثل ChatGPT وغيره من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) تُنشئ الإجابات بناءً على مدى ترابط الكلمات والأنماط المختلفة في قواعد البيانات التي تدربت عليها.
وأما النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs)، فتستخدم منهجًا أفضل يعتمد على تحليل البيانات في السابق للخروج بنتيجة حالية، وهذا منهج جيد يُشبه الذي نسير عليه نحن البشر، ولكنه لا يضمن النتائج نهائيًا لأن الاستثمار يعتمد على عوامل أخرى كثيرة غير تحليل النتائج الماضية (مثل ظروف السوق الحالية) وإن كان هذا العامل هو الأهم.
الذكاء الاصطناعي ليس ذكيًا كما تعتقد: تُكمل هذه النصيحة سابقتها وتؤكد على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن الاعتماد عليه بشكلٍ كليّ في الاستثمار، والذي يتطلب ببساطة النظر في الأهداف المالية والشخصية، وتحمل المخاطر، وأحيانًا حتى العوامل العاطفية. كل هذه العناصر يفتقر إليها الذكاء الاصطناعي والذي لا يفهم سوى الأنماط وقواعد البيانات.
احذر التسويق الخفي للمنصات: مع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ غير مسبوق ووثوق الكثير من المستخدمين بها ثقةً عمياء، بدأ بعض المُضللين في استغلال هذا الأمر عن طريق تطوير روبوتات للدردشة والترويج لها على أنها أدوات ومنصات استثمارية تعمل بالذكاء الاصطناعي. لهذا السبب عليك أن تفحص الأدوات التي تستخدمها جيدًا؛ تتأكد أنها مُسجلة لدى الجهة المنظمة للأوراق المالية في منطقتك وأنها تخضع للمعايير القانونية المعروفة لحماية المستثمرين، ويمكنك التأكد من تسجيل الشركات أو المنصات الاستثمارية.
اقرأ أيضًا: المحافظ المُدارة بالذكاء الاصطناعي.. ثورة في استراتيجيات الاستثمار
تحديات تواجه الذكاء الاصطناعي في عالم الاستثمار
1. الموثوقية والشفافية:
سواء في الاستثمار أو في غيره من المجالات، تواجه نماذج الذكاء الاصطناعي مشكلة تتعلق بالموثوقية والشفافية إذ من الممكن أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة وصادمة. تعمل العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل الصناديق السوداء، ما يجعل عمليات صنع القرار بها صعبة الفهم، ومن ثم فهي تفتقر إلى الشفافية ومن ثم إلى الموثوقية.
2. المخاوف الأخلاقية والتنظيمية:
يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستثمار تحديات أخلاقية وتنظيمية كبيرة. ففكرة جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات المالية تثير مخاوف الخصوصية، وهذا يستلزم اتخاذ تدابير صارمة لأمن البيانات. وبالنسبة للجانب التنظيمي، فالأمر معقد بسبب اختلاف المعايير من منطقة لأخرى، ولكنه ضروري للغاية لضمان العدالة في المساءلة تحديدًا.
3. التحيزات والاعتماد على قواعد البيانات:
آخر تحدٍ كبير سنتحدث عنه هو الاعتماد -الأعمى- على قواعد البيانات، والتي قد لا تكون دائمًا دقيقة أو تعكس الظروف المستقبلية، ما يؤدي إلى قرارات استثمارية مضللة. إضافة إلى ذلك، من الوارد أن تحتوي هذه البيانات على انحيازات كبيرة وهذا قد يجعلها تتجاهل بعض الاتجاهات الناشئة المهمة التي قد تكون ما تريد التركيز عليه كمستثمر.
هذا ما يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله في الاستثمار حاليًّا
1. بنك FinSecure وكشف الاحتيال: استخدم بنك FinSecure الذكاء الاصطناعي بهدف الحد من عمليات الاحتيال وهو ما تحقق، حيث تقلصت هذه النوعية من الأنشطة بنسبة 60% مما أدى إلى زيادة ثقة العملاء.
2. تسريع عمليات الموافقة على القروض في QuickLoan Financial: وذلك بعدما اعتمدت الشركة على أتمتة عمليات تقييم القروض وتقدير المخاطر مما أدى إلى تقليل وقت المعالجة بنسبة 40% وتحسين اكتشاف المخاطر بنسبة 25%.
3. زيادة دقة التنبؤ وتقييم المخاطر بشكل أفضل: استعانت شركة GlobalTrust Insurance بالذكاء الاصطناعي في تنفيذ نظام تقييم للمخاطر، ما أدى إلى زيادة دقة التنبؤ بنسبة 30% وتحسين استراتيجيات التسعير فضلًا عن تقليل التكاليف التشغيلية.
4. إدارة المحافظ الاستثمارية بكفاءة: استخدمت شركة EquityPlus Investment الذكاء الاصطناعي في تحليل السوق في الوقت الفعلي وتحسين المحافظ الاستثمارية وهو ما أدى إلى زيادةٍ بنسبة 35% واستجابة أسرع لتقلبات السوق.
5. تحسين استراتيجيات الاستثمار في CapitalGains Investments: عن طريق توظيف الذكاء الاصطناعي في توقع اتجاهات السوق وتحليل المشاعر sentiment analysis مما أدى إلى زيادة العوائد السنوية بنسبة 20% وتحسين التكيف مع تغييرات السوق.
6. التقييم الائتماني الآلي في SwiftCredit Lending: حيث اعتمدت الشركة على الـ AI لتقييم الجدارة الائتمانية باستخدام مصادر بيانات بديلة، مما أدى إلى زيادة الموافقة على القروض بنسبة 40% وتقليل معدلات التخلف عن السداد بنسبة 25%.
7. تحليل رؤى العملاء في MetroBank Group: وهذا أدى إلى زيادة رضا العملاء بنسبة 30% ورفع بنسبة 35% من مبيعات المنتجات المالية الموصى بها.
الخلاصة: هل يُعتمد على الذكاء الاصطناعي في الاستثمار؟
أما وقد تحدثنا عن أهم الأشياء المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الاستثمار، بدايةً من تاريخه ومرورًا بفوائده والفرق بينه وبين الإنسان ثم التحديات التي تواجه الآلة وأخيرًا أمثلة واقعية على استخدامه من قِبل البنوك والشركات، يمكننا أن نجيب بنعم؛ يمكن الاعتماد على الجيل الحالي من الذكاء الاصطناعي في الاستثمار، ولكن بشروط. فذلك يتطلب معرفة وخبرة بكلٍ من الذكاء الاصطناعي والآلية التي يعمل بها، وطبعًا بعالم الاستثمار وكل مستجداته، وهذا لا يمكن أن يتعلمه المرء من مقال أو حتى عدة مقالات.