رهاب الإخفاق: عندما يكون الخوف من ارتكاب الأخطاء محور حياتك
قد تحاول فعل كل شيء بطريقة صحيحة لا تشوبها أي أخطاء، سواء كان في عملك أو منزلك أو حتى مع أسرتك، وبالوقت نفسه تخاف بشدة من ارتكاب الأخطاء، وإلا فلن تكون المثالي في أعين الناس، أو ربما ستتعرض لنقد من قبل الآخرين، ومن منا يرغب في أن ينتقده أحد ما؟
تتوافق هذه السمات مع رهاب الإخفاق، فقد يؤثر الخوف من ارتكاب الأخطاء بشدة لدرجة أنه يتعارض مع قدرة المرء على أداء مهامه اليومية، فما أسباب ذلك الرهاب؟ وكيف تتغلب على خوفك من ارتكاب الأخطاء؟
ما هو رهاب الإخفاق؟
رهاب الإخفاق "Atelophobia" هو أن يسيطر عليك الخوف من ارتكاب الأخطاء أو أن تكون غير مثالي، بما قد يدفعك إلى تجنب مواقف معينة، والتركيز على بلوغ الكمال أو المثالية في تصرفاتك.
ورغم أن رهاب الإخفاق ليس تشخيصًا رسميًّا بعد، فإنه يندرج تحت "الرهاب المحدد" في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الإصدار الخامس "DSM-5"، الصادر عن جمعية الطب النفسي الأمريكية.
لماذا نخشى ارتكاب الأخطاء؟
ثمّة العديد من الأسباب التي تجعلك تخشى ارتكاب الأخطاء، فمثلًا قد تقلق من أن يؤدي خطؤك إلى عواقب مادية أو أن تتعرض للنقد من قبل الآخرين.
كذلك إذا كنت تمتلك توقعات غير واقعية لنفسك، فقد تتجنب بعض المواقف حتى لا يكتشف الآخرون عيوبك؛ فرهاب الإخفاق هو خوف شديد من النقص أيضًا أو ألا تبدو كاملاً في عيون الآخرين.
وبالنسبة لكثير من الناس قد يمنعهم ذلك الرهاب من عيش حياتهم كما يريدون، إذ يظلون محاصرين في دائرة من الحكم الذاتي والنقد، ودومًا لا يبلغون توقعاتهم الشخصية.
علامات رهاب الإخفاق
تشمل أهم علامات وأعراض رهاب الإخفاق أو الخوف من ارتكاب الأخطاء، حسب موقع "Psychcentral":
- تجنّب المواقف التي قد ترتكب فيها خطأً.
- عدم الانخراط في المحادثات حيث يتعيّن عليك التعبير عن رأيك.
- تجنّب أدوار المسؤولية في حياتك.
- الخوض في الأخطاء أو العيوب المتصورة أو الانشغال الشديد بها.
- التركيز على الكمال والمثالية.
- صعوبة اتخاذ القرارات خوفًا من الخطأ.
- استمرار التفكير في رأي أو حُكم الآخرين على أفعالك.
- الإحساس بأنّ ثناء الآخرين مُخادِع بالنسبة لك.
- فحص المراسلات المكتوبة أو العمل الذي تقوم به بقلقٍ شديدٍ أكثر من اللازم.
لكن كي يكون رهابًا بحق، لا بُدّ أن تتوافر فيه بعض السمات أيضًا، والتي تشمل:
- الخوف أو القلق غير المتناسب في كل مرة يُواجِه فيها المرء موقفًا يخشى معه الخطأ.
- التجنّب الشديد للمواقف التي قد يقع خلالها في الأخطاء أو قد ينخرط فيها لكن بخوفٍ أو قلقٍ شديد.
- الخوف المستمر والقلق واستمرار تجنّب المواقف لمدة 6 أشهر أو أكثر.
- ضعف القدرة على أداء مهامه اليومية أو الوظيفية بسبب الخوف أو القلق.
أعراض جسدية
قد يُؤدِّي رهاب الإخفاق أحيانًا إلى الدخول في نوبات من الهلع، ومِنْ ثَمّ تبدو أعراض ذلك على الجسد نتيجة القلق والخوف الشديدَين، وذلك مثل:
- زيادة مُعدّل ضربات القلب.
- تسارُع التنفّس.
- التعرق.
- الارتجاف.
- صعوبة التركيز.
- الصداع.
- ألم البطن.
- بكاء يصعب السيطرة عليه.
- الشعور بأنّك على وشك الهلاك.
ما الفرق بين رهاب الإخفاق والمثالية؟
ذكر موقع "Cleveland Clinic" أنّ رهاب الإخفاق والمثالية مختلفان، فالمثالية سمة شخصية؛ إذ تلتزم بمعايير عالية للغاية وتسعى جاهدًا لتكون خالية من العيوب.
أما رهاب الإخفاق فهو خوف حقيقي من العيوب، لدرجة أنّ المرء قد يتجنّب أي موقفٍ يعتقد أنّه يمكن أن يرتكب فيه خطأ، كما قد يؤثر ذلك الخوف على كل جوانب حياته، بما في ذلك العمل أو الحياة الأسرية أو العلاقات الاجتماعية.
نعم، قد يعاني المثالي أيضًا خوفًا أو قلقًا لكن ليس بالدرجة نفسها التي يبلغها المصاب برهاب الإخفاق، كما أنّ المثالي لا يتجنب المواقف عادةً، بل السعي للكمال يحفزه على العمل والانخراط فيما يفعله عادةً بسبب المعايير العالية التي يفرضها على نفسه.
أسباب رهاب الإخفاق
أغلب أنواع الرهاب ليس لها سبب مُحدّد، لكن قد تكون مُعرّضًا للإصابة برهاب الإخفاق في وجود أي من الأسباب الآتية:
- التعرّض لحدث مؤلم سابقًا، مل التعرّض لعقوبةٍ شديدةٍ أو إساءة لارتكابك خطأ ما.
- سبق معاناة أحد أفراد العائلة من الرهاب أو اضطرابات القلق أو غيرها من اضطرابات الصحة النفسية.
- المعاناة من أنواع الرهاب الأخرى أو القلق.
- النشوء في بيئة تعلّمت فيها السعي لتحقيق الكمال أو أنّ الأخطاء غير مقبولة، ولم تكُن تفعل شيئًا جيدًا كما ينبغي بالنسبة لهذه المعايير.
هل يحتاج رهاب الإخفاق إلى علاج؟
رهاب الإخفاق أحد أنواع الرهاب، ومِنْ ثَمّ قد يتطلّب علاجًا بالطبع، خاصةً لو أثّر في حياة الإنسان وقدرته على إنجاز مهامه اليومية، وتتضمّن طرق العلاج، حسب "Cleveland Clinic":
1. العلاج المعرفي السلوكي
يُركِّز العلاج المعرفي السلوكي على تغيير طريقة تفكير الإنسان بشأن النقص أو عدم كونه كاملًا في نظر الآخرين، كما يساعده أيضًا في استكشاف الأسباب التي تجعله يرى الاخطاء على أنّها تجارب سلبية بدلًا من كونها تجارب عادية للتعلّم منها.
أيضًا يُساعِد المُعالِج المرء في تحديد الأمور التي تُسبِّب له القلق والخوف الشديد، مثل بعض المواقف التي قد يرتكب خلالها الأخطاء، وكيفية التعامل معها بطريقة صحيحة.
اقرأ أيضًا:رهاب فقدان الهاتف المحمول.. إلى أي درجة تتعلّق به؟
2. العلاج بالتعرّض
أمّا العلاج بالتعرّض، فيهدف إلى التخلص من الخوف من ارتكاب الأخطاء أو العيوب عمومًا، وبعد تحديد الأمور التي تُحفّز ذلك الخوف باستخدام العلاج المعرفي السلوكي، يُركّز المُعالِج على تعريضك للمواقف التي كُنت تخشاها سابقًا وذلك تدريجيًّا، مع تعلّم كيفية التعامل معها بطرقٍ صحيحة.
3. تغييرات نمط المعيشة
قد يساعد النظام الغذائي الصحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام في تحسين المزاج وتقليل التفكير السلبي أو الشعور بالاكتئاب.
كما قد يُساعِدك التنفس العميق أو التأمل في التحكم في قلقك وتجنّب نوبات الهلع التي قد تأتي مع الخوف الشديد من ارتكاب الأخطاء.
4. الأدوية
لا تُعالِج الأدوية مصدر الخوف لديك، لكنّها قد تساعد في تخفيف الأعراض المُصاحبة لرهاب الإخفاق، مثل القلق أو الاكتئاب، ومِنْ ثَمّ فقد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب أو أدوية القلق.
كيف تتغلّب على خوفك من ارتكاب الأخطاء؟
رهاب الإخفاق وغيره من أشكال الرهاب هي اضطرابات نفسية بالأساس، تتطلّب علاجًا احترافيًا على يد مُختصّي الصحة النفسية، كما يمكن أن تساعد النصائح الآتية أيضًا في التغلب على خوفك من ارتكاب الأخطاء:
- ممارسة تقنيات الاسترخاء، مثل التأمل أو تمارين التنفّس العميق.
- الانضمام إلى مجموعة دعم لتبادل الخبرات والأفكار حول التعايُش مع الرهاب.
- التركيز على عادات معيشية صحية لتعزيز الصحة عمومًا، والصحة النفسية خصوصًا، من نظامٍ غذائي صحي وممارسة الرياضة وما إلى ذلك.
- إحاطة نفسك بأشخاص ينظرون إلى الأخطاء بطريقةٍ إيجابية، مثل كونها دروسًا أو فرصًا للتعلّم أو اكتساب خبرات.