من قادة التاريخ إلى الملعب: لماذا ترتبط لعبة البولو بالملوك والأثرياء عبر العصور؟
على مدار التاريخ، صُوّرت لعبة البولو كأنّها رياضة الملوك والسلاطين والأمراء، ولقد تميّزت لقرون بتصوّر الفخامة والهيبة، مُخصّصةً لأفراد المجتمع. ويرجع تاريخها إلى القرن السادس قبل الميلاد في بلاد فارس (إيران).
ومع مرور الوقت، أصبحت لعبة البولو رياضة وطنية فارسية يُمارسها النبلاء على نطاق واسع، كما لعبتها النساء والرجال على حدّ سواء.
وتُعدّ لعبة البولو لعبة تُلعب على ظهور الخيل بين فريقين يتكون كل منهما من أربعة لاعبين، يستخدم كلّ منهم مطارق ذات مقابض طويلة ومرنة لدفع كرة خشبية عبر حقل عشبي وبين قائمي المرمى. وهي أقدم رياضات الفروسية.
معلومات عن لعبة البولو
وذكرت مجلة فوربس الأمريكية أنّ رياضة البولو هي اللعبة الأولى التي استُخدمت فيها العصا والكرة، وذلك خلال فترة الحرب في بلاد فارس.
وكانت لعبة البولو في البداية لعبة تدريب لوحدات الفرسان في الجيش، وخاصةً حرس الملك، بالنسبة لرجال القبائل المحاربين. وقد لعبوا هذه اللعبة بما يصلّ إلى 100 فرد في كل جانب، لتكون بمثابة معركة مصغرة.
وأضافت الصحيفة أنّ ويست بوينت، وهي الأكاديمية العسكرية الأمريكية، تبنّت لعبة البولو في عام 1901. حيث لعبت مباراة من 17 نقطة كانت نتيجتها لصالح الجيش الأمريكي.
وكانت اللعبة عنيفة للغاية. وبفضل تنمية مهارات ركوب الخيل والعمل الجماعي والاستراتيجية والقيادة، تطوّرت لعبة البولو مع مرور الوقت لتصبح رياضة مفضّلة لدى الأثرياء.
وأكدت الصحيفة أنّه على مرّ السنين، انتقلت اللعبة من مرحلة الملوك إلى منصة رياضية للسوق الجماهيرية تضمّ ملايين المشجعين في جميع أنحاء العالم. وكذلك، هناك الكثير من الأجزاء المتحركة في هذه الرياضة الجماعية التنافسية التي تُلعب في ساحة بحجم تسعة ملاعب كرة قدم أمريكية تقريبًا.
في أبسط صورها، يمكنك أن تفكر في الأمر على أنه لعبة كرة تُلعب على ظهور الخيل، أو بالأحرى لعبة هوكي على ظهور الخيل! إذا كنت تعتقد أن ضرب كرة الجولف الثابتة أمر صعب، فإن ضربها وأنت على ظهر الخيل أصعب بكثير.
وفي كينيا، كان البريطانيون في الحقبة الاستعمارية هم الذين شاركوا في هذه الرياضة قبل أن تحظى بمتابعة بين عدد قليل من السكان المحليين في الثمانينيات والتسعينيات.
كما أنّ التدريب والحصول على المعدات اللازمة للعبة يجعلها باهظة الثمن، باستثناء الأشخاص ذوي الإمكانيات العالية من الناحية المادية بالتأكيد.
من بلاد فارس إلى الجزيرة العربية
ومن بلاد فارس انتشرت اللعبة إلى شبه الجزيرة العربية، وإلى الصين، وإلى اليابان. وكما ذكر موقع "medevel"، تولّى المغول نقل اللعبة من فارس إلى الشرق.
وترجّح مصادر أخرى أنّها كانت معروفة قبل ذلك، إذْ إنّ الخليفة العباسي المقتدر كان يلعبها عندما تعرض لمحاولة اغتيال، وتولّى ابن المعتزّ مكانه قبل مجيء المغول بثلاثمائة سنة.
وبحلول القرن السادس عشر، ترسّخت اللعبة في الهند على يد الإمبراطور ظهير الدين بابر. وكان قد شاع لعبها في الصين واليابان لفترة طويلة.
وبعد الفتوحات الإسلامية، فضّلها بعض سلاطين العرب على جميع الرياضات الأخرى، في كلٍّ من مصر والشام، خلال عهدي السلالات الأيوبية والمملوكية.
واشتهر السلاطين البارزون، مثل صلاح الدين وبيبرس، بلعبها وتشجيعها في بلادهم. كما ظهرت عصي البولو على مقدمة أوراق اللعب المملوكية في العصر الحديث.
وكان القائد والسلطان صلاح الدين الأيوبي معروفًا كممارس مستمر للعبة في شبابه، واستخدمها كتدريب خاص لجنده المقاتلين وحرسه الخاص والقوة الضاربة في جيشه.
وفي سياق متصل، أكد موقع "business daily Africa" أنّ على المرء أن يستثمر في تعلّم كيفية ركوب الخيل بشكل جيد، ثمّ تعلّم فنّ لعب البولو. وعندها فقط، سيكون مؤهلاً للبدء في التعمق في هذه الرياضة للترفيه أو اتخاذها كمهنة، واللعب بشكل تنافسي على المستوى المحلي أو الدولي.
كما أكد الموقع أنّ الأسماء الشائعة في هذه الرياضة كانت تشمل أبناء وأحفاد الرئيس المتقاعد دانييل أراب موي، وهو الرئيس الثاني لدولة كينيا. وبالإضافة إلى ذلك، لا يوجد سوى أربعة أندية تمارس اللعبة في كينيا.
ويمتلك معظم لاعبي البولو العديد من الخيول، لأن الفوز في البطولة يتطلب ما بين أربعة إلى ستة خيول للحصول على الأداء الأمثل، كما ذكر الموقع ذاته.
ويركب اللاعبون خيولهم وهم يرتدون سراويل بيضاء وأحذية ركوب تصل إلى الركبة وقميص بولو وسوطًا في أيديهم. كما لا تقتصر هذه الرياضة على الرجال فقط، بل يشارك فيها النساء أيضًا.
ويجب على من يسعى لدخول عالم لعبة البولو أن يتعلم كيفية ركوب الخيل جيدًا، قبل محاولة المشاركة في هذه الرياضة. وفي هذه الحالة، سيكلفه إنفاق الكثير من المال ليصبح فارسًا ماهرًا.
وذكر موقع "business daily Africa" ذاته أنه يتطلب عليك كلاعب لرياضة البولو، قبل أن تبدأ في ممارستها، أن تتعلم كيفية تحقيق التوازن وركوب الخيل.
وبمجرد أن تتعلم ذلك، فما عليك سوى الانتقال إلى الخطوة التالية، والتي تتطلب منك إتقان كيفية استخدام المضرب وحمله وضرب الكرة، وهو ما يشبه تمامًا لعبة الغولف.
كما يجب على اللاعب أن يدير حصانه ويتواصل مع زملائه في الفريق ويتوقع اللعبة التالية، وبالطبع ضرب الكرة! يتطلب الأمر قدرًا كبيرًا من التركيز.
ويتمتع الفرسان بمهارة عالية في التوازن على ظهور الخيول وتأرجح المضرب بهدف ضرب الكرة باتجاه عمود المرمى المطلوب، ما يسمح للكرة بالتحرك بسرعة 100 كيلومتر في الساعة.
اقرأ أيضاً : المليارات والرياضة .. إليك أعلى 10 جوائز مالية لمسابقات رياضية في العالم
أسطورة لعبة البولو
وُلّقب فانكوندو بيريز، الذي يبلغ 28 عامًا من العمر، بإمبراطور لعبة البولو، بعد أن حقق الفوز في كافة البطولات العالمية في هذه الرياضة تحديدًا.
ويُقارن أسلوبه الهجومي في الملعب بأسلوب لاعب كرة القدم الأرجنتيني ميسي. ويُعتبر بيريز أصغر لاعب بولو في العالم، ولا يقل مهارة عن اللاعب الأرجنتيني أدولفو كامبياسو، بل ينافسه على الاستيلاء على المرتبة الأولى.
وقال بيريز في مقابلة مع شبكة CNN بالعربية: "أنا أعيش بين الخيول منذ طفولتي، وأشاهد والدي يمارس لعبة البولو. كما أحب هذه الرياضة كثيرًا، ولكن لم أعرف أني سأكون بارعًا فيها. ما أعرفه أني سأبقى أمارسها طيلة حياتي".
ويتسم بيريز برشاقته في امتطاء الخيل. إذ أكد أن لعبة البولو لا تعتمد فقط على الفارس وحده، بل على الحصان الجيد أيضًا، مؤكدًا أن الخيل يشكل أهمية بنسبة 80%".
وأضاف بيريز: "هناك الكثير من اللاعبين الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى القمة بسبب الخيول. بينما على الجانب الآخر، هناك أشخاص بمهارات عادية تمكنوا من الوصول إلى القمة بفضل خيولهم".
ويتطلب تدريب الخيول حتى تتمكن من أداء دورها في لعبة البولو فترة تتراوح بين ثلاث إلى عشر سنوات. ويخصص اللاعب المحترف بيريز حوالي 15 حصانًا في كل بطولة تقام في الدول الثلاث الرائدة في مجال رياضة البولو.
وأوضح بيريز أنه يربي الخيول في مزرعة العائلة في الأرجنتين باستخدام تقنية نقل الأجنة. لولا عمل والده المتقن في تربية الخيول، لما وصل هو وإخوته جونزاليتو ونيكولاس إلى ما وصلوا إليه حاليًا من بطولات وتصنيفات عالمية في رياضة البولو.
ورأى خبراء في مجال رياضة البولو أن هذه الرياضة تعتمد على علاقة متينة وتناغم تام بين الفارس والخيل. وتتضمن هذه العلاقة الركض بسرعة تصل إلى 60 كيلومترًا في الساعة، ودور الفارس في ضرب الكرة بقوة لا تقل عن قوة رمي كرة الكريكيت.
ورث بيريز شغف ممارسة رياضة البولو، والتي وصفها بأنها تقليد عائلي ورثه عن جده ووالده، اللذين أسسا فريق "إليرستينا" الأسطوري بالتعاون مع الثري الأسترالي كيري باكر.
وذكر موقع ModernRetail أنّه من المتوقع أن تتجاوز مبيعات جمعية U.S. Polo Assn. مبلغ 2.5 مليار دولار هذا العام، مدعومة بالشعبية المتزايدة لرياضة البولو واستراتيجية العلامة التجارية العالمية التي تسير على الخط الفاصل بين الطموح وبأسعار معقولة.
وتحتل جمعية البولو الأمريكية، التي يعود تاريخها إلى عام 1890، مكانة فريدة باعتبارها العلامة التجارية الرسمية للهيئة الحاكمة غير الربحية للرياضة التي تحمل نفس الاسم.
وفي حين تركز العلامة التجارية على القمصان ذات الياقات الأيقونية التي تُجسّدُ أخلاقيات الكلاسيكيات، فإنّ الرياضة نفسها تُضفي صورة نمط حياة النخبة، وذلك لِإقامَة مبارياتها على ملاعب كبيرة في وجهاتٍ بعيدةٍ يجتمع فيها جمهورٌ من عشاق الفروسية.
وبلغت مبيعات العلامة التجارية العالمية 2.3 مليار دولار العام الماضي، مرتفعة عن 1.9 مليار دولار في عام 2021 وتجاوزت هدفها المتمثل في الوصول إلى 2 مليار دولار بحلول عام 2025 بثلاث سنوات.
ومع تواجدها في 190 دولة، كان جزء كبير من النمو مدفوعًا بالمبيعات الدولية، بما في ذلك إضافة متاجر في المملكة المتحدة والبرازيل. وحتى الآن هذا العام، تمّ تحقيق مبيعاتٍ بقيمةٍ تقارب نصف مليار دولار في الهند وحدها.