الجيل Z في مجالات العمل.. كيف تستقطبهم وتستفيد من مهاراتهم المهنية؟
يدخل الجيل زد Gen Z، وهو الجيل الذي وُلد بين عامي 1997 و2012، إلى سوق العمل بمعرفةٍ تقنية لم نشهدها مع الأجيال السابقة؛ نشأة هذا الجيل جاءت في بيئة تعج بالتطور التكنولوجي يصنف البعض فيها الأميّ بالشخص الذي لا يستطيع التعامل مع الحاسوب وليس المُفتقر للقدرة على القراءة والكتابة.
فهم هذا الجيل الجديد واحتياجاته يُعد أمرًا بالغ الأهمية لكل صاحب عمل يريد أن يجذب هذه الفئة الموهوبة والاستفادة من قدراتها المتنوعة والمرنة.
صحيحٌ أن الجيل زد قد يعاني بعض المشكلات فيما يتعلق بالنفس الطويل والعمل بالشكل الروتيني والتقليدي -الذي يكون مهمًا في كثيرٍ من الأحيان-، إلا أن ما يقدمونه يفوق ما يفتقرون إليه، وهذا ما سنحاول إيضاحه في هذا المقال من خلال تحليل سلوك العمل لديهم، وفهم احتياجاتهم في مكان العمل، بالإضافة إلى الحديث عن كيفية جذبهم إلى الوظائف والاستراتيجيات اللازمة لذلك.
مدخل لفهم الجيل زد
قبل أن نتحدث عن الجيل زد وعلاقتهم بسوق العمل تحديدًا، علينا أولاً أن نأخذ فكرة سريعةً عنهم، أقله من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
بدايةً، ترعرع الكثيرون من أبناء هذا الجيل في أحضان الهواتف الذكية والحواسيب الشخصية، وإن كان الجيل ألفا Generation Alpha "المولود منذ 2010 وحتى 2024" قد فاقهم في هذا الأمر، ولهذا لا عجب أن كلا الجيلين يُفضل المحتوى المرئي في أغلب الأحيان، فتجدهم يرفهون عن أنفسهم باستخدام منصات التواصل مثل TikTok وSnapchat وغيرهما، وفي الوقت نفسه يستفيدون من التكنولوجيا في التعليم والعمل إلخ.
على المستوى الاقتصادي، يعي الجيل زد قيمة المال جيدًا لأسباب عديدة منها شهادته، بل ومعاصرته، للعديد من الأزمات والكوارث الاقتصادية مثل الأزمة المالية العالمية 2008، ورغبته العارمة في بدء عمله الخاص، ناهيك عن حلم الاستقلالية الذي ينشده عدد جرار منهم. ومع ذلك، يُقدر الجيل زد التوازن الإيجابي بين العمل والحياة أيما تقدير، فتجدهم كما أشرنا في البداية لا يطيقون العمل التقليدي والروتيني ويقدرون الحياة بشدة، وهذا لا ينفي وجود استثناءات بالطبع.
بالنسبة للمستوى الاجتماعي، فالجيل زد أصبح مؤثرًا أكثر من أي وقتٍ مضى، وهذا يتجلى في دعمهم للحركات المناهضة للعنصرية مثلاً كحركة "Black Lives Matter" المناهضة لاضطهاد ذوي البشرة السمراء؛ والشيء نفسه ينطبق على اهتمامهم بالتغير المناخي والسعي لمجابهته، وغيرها الكثير من القضايا الأخرى.
تحليل سلوك العمل لدى جيل زد
- على الرغم من ترعرعهم في بيئة تكنولوجية واعتيادهم على التواصل الرقمي، فإن أبناء الجيل زد يميلون إلى التواصل البصري في أماكن العمل، وهذا قد يرجع لعدة أسباب على رأسها -ببساطة- أن هذا النوع من التواصل أكثر فاعلية من غيره.
- يعتمد الجيل زد بشدة على الهواتف الذكية وتطبيقاتها، فضلاً عن التكنولوجيا عمومًا، لإنجاز أعمالهم وزيادة إنتاجيتهم.
- يُفضل الجيل زد العمل على المشاريع بشكلٍ مستقل حتى يبرزوا مهاراتهم ويثبتوا أنفسهم كموظفين، ولكن الاستثناءات في هذه الجزئية كثيرة حيث يُفضل البعض أن يعمل ضمن فريق للظفر بمميزات العمل الجماعي.
اقرأ أيضًا: من الجيل الأعظم إلى "زد" و"ألفا".. إلى أيها تنتمي؟
- كغيرهم من الأجيال، يُفضل الجيل زد الاستقرار الوظيفي ويضعونه ضمن أهم الأولويات. قد يرجع ذلك لانتشار ما يسمى بديون القروض الطلابية student load debt، ناهيك عن شهادتهم للكثير من الأزمات أيضًا لا سيما بعد التسريحات التي تحدث بسبب الذكاء الاصطناعي.
- لا يخشى الكثير ممن ينتمون إلى الجيل زد المنافسات والمقارنات، بل الحقيقة أنهم يستمتعون بذلك ويصفون أنفسهم بالطموحين، فهم يعلمون جيدًا أن طبيعة معظم البيئات تنافسية، ويجب ألا ننسى دور وسائل التواصل التي أصبحت تضع المستخدمين في مقارنات دائمة مع غيرهم.
- على الجانب الآخر، يعيب أبناء الجيل زد عدم اندماجهم أو انخراطهم في العمل وفقًا لمؤسسة "غالوب"، التي وجدت أن 31% فقط من هذا الجيل هم من يجدون أنفسهم منخرطين في العمل، بينما يقول 54% منهم إنهم ليسوا كذلك، في حين يقول 15% إنهم غير راضين أو سعداء بوظائفهم من الأساس.
- وفق تقريرٍ صدر عن جامعة ستانفورد، فإن أبناء الجيل زد براجماتيون "البراجماتي هو الشخص الذي يتبنى نهجًا عمليًا وواقعيًا في التعامل مع الأمور"، كما أنهم يميلون إلى معرفة سبب وطريقة سير كل شيء تقريبًا في العمل.
- أخيرًا وليس آخرًا، يعطي الجيل زد الأولوية للصحة العقلية والتوازن بين العمل والحياة مُدركين أنها -الحياة- أكثر من مجرد سباقٍ وراء المال.
فهم احتياجات جيل زد في مكان العمل
كصاحبِ عمل، عليك أن تفهم جيدًا احتياجات الجيل زد في بيئات العمل لتحظى بالاستفادة القصوى من قدراتهم على النحو التالي:
يُقدر الجيل زد الشعور بأنهم جزء من منظومة عمل صحية. غالبًا ما يُفضلون العمل في المكتب بانتظام والمشاركة في أنشطةِ اجتماعية، كما يحبون أن تكون البيئة مُعززة على المستوى الرقمي ودائمًا ما يبحثون عن مسارات وظيفية واضحة تعطيهم فرصًا للنمو، ويقدرون المراجعات المنتظمة لأداءاتهم وبرامج الإرشاد حتى يطوروا من أنفسهم.
ونظرًا لاهتمامهم الكبير بالموازنة بين العمل والحياة، فإنهم يقدرون جدًا ساعات العمل المرنة، وخيارات العمل عن بُعد، والوصول إلى موارد الصحة النفسية، وأي شيء يعزز من الجمع بين الأمرين، ولهذا لا عجب أنهم يربطون اختياراتهم المهنية بقيمهم الشخصية ويفضلون أصحاب العمل الذين تتوافق مهماتهم وتأثيرهم المجتمعي معهم. كذلك لو خيّرت أحدًا من أبناء الجيل زد بين بيئات عملٍ مختلفة، فأغلب الظن أنه سيفضل البيئات التي تحتضن المساواة والاختلافات الفردية.
بفهمك -كصاحب عمل- لهذه الاحتياجات وغيرها ستستطيع أن تخلق بيئة داعمةً وجذابة تُلبي تفضيلات وقيم جيل زد الفريدة، ومن ثم ستستفيد من طاقاتهم المتفجرة وابتكاراتهم المميزة كما ينبغي.
كيفية جذب جيل زد إلى الوظائف
لجذب جيل زد والاستفادة من مواهبهم في مختلف الوظائف، فلا بد من التركيز على خلق بيئة عمل تتماشى مع قيمهم وتوقعاتهم. إحدى الاستراتيجيات الرئيسة لذلك هي توفير فرص واضحة للتطور في السلم الوظيفي وذلك من خلال خطط تطوير شخصية، وتدريب وإرشاد مستمرين، ومسارات واضحة للتطور. تُساعد التغذية الراجعة feedback المستمرة الموظفين من جيل زد على تعديل أدائهم وبناء الثقة في عملهم، فضلاً عن تعزيز ثقافة عمل شاملة من خلال التأكيد على التنوع والإنصاف والشمول.
كذلك من المهم أن يتم تطبيق استراتيجيات فعّالة لإدارة الوقت، وهذا يتضمن وضع جداول مرنة قابلة للتعديل، وإتاحة خيارات العمل عن بُعد، وغير ذلك من الخيارات التي تساعد على الإنتاجية. يجب أيضًا أن نُرضي طموحات جيل زد فيما يتعلق بمعادلة العمل والحياة وذلك من خلال منحهم إجازات منتظمة، وتعزيز مبادرات الصحة النفسية والجسدية كفترات التأمل وخدمات الاستشارة وحتى توفير الصالات الرياضية، إلى جانب إجراء استطلاعات منتظمة لفهم مستويات التوتر، ومن ثم تعديل سياسات العمل إن تطلب الأمر.
اقرأ أيضًا: مهارات القيادة في العمل.. هكذا تكون قائدًا ناجحًا "كما يقول الكتاب"
ومن الاستراتيجيات الإضافية لجذب جيل زد إلى بيئات العمل الاستثمار في أحدث التقنيات، وإعادة التفكير في متطلبات الوظائف، وهذا بالمناسبة لن يعود بالنفع على Gen Z فحسب، وإنما على العمل ككل. ويتضمن هذا التطوير التقني توفير منصات تعاونية، واستخدام أساليب التوظيف الرقمية، وبالطبع تبني الذكاء الاصطناعي والأتمتة قدر المستطاع.
لماذا يجب على أصحاب العمل الاهتمام بالجيل زد؟
يتمتع الجيل زد تحديدًا بمجموعة من المهارات الحديثة والدوافع القوية للابتكار والتأثير الاجتماعي. فكونهم أول جيلٍ ينشأ بالكامل -تقريبًا- في بيئة رقمية ونظرًا لمعاصرتهم لجميع التطورات التقنية، بما في ذلك الأيام الأولى للإنترنت، يعني تمتعهم بمهارات عالية في التكنولوجيا مقارنة بمن سبقوهم من الأجيال، وكما نعرف جميعًا فإن المهارات الرقمية والتحول الرقمي من أهم الأشياء التي يجب أن تسعى الشركات إلى تبنيها إن لم تكن أهمها.
علاوة على ذلك، يمتلك أبناء الجيل زد وجهات نظر فريدة وأفكارًا عصرية تشكلت بفعل العولمة والوعي الاجتماعي، وهذه العناصر عندما تجتمع مع الطابع التنافسي الذي لديهم ورغبتهم الشديدة في التعلم والتفوق، فإنهم سيضيفون قيمةً كبيرة للشركات ولا ريب.
ويدفع تقدير الجيل زد للتنوع والشمولية الشركات إلى خلق بيئات عمل أكثر عدلاً ودعمًا، وهذا يؤدي بالتبعية إلى تحسين الابتكار، وزيادة التنافسية، فضلاً عن تعزيز التنوع الثقافي.
خلاصة القول: يجلب جيل زد لبيئات العمل مجموعة متنوعة من المهارات والمزايا التي لا يمكن تجاهلها. بفضل نشأتهم في بيئة رقمية، فإنهم يتمتعون بقدرة فطرية على استخدام التكنولوجيا والتكيف مع التطورات السريعة في هذا المجال. كما أن وجهات نظرهم الفريدة، الممزوجة بتقديرهم العميق للتنوع والشمولية، تجعلهم قادرين على إضافة قيمة كبيرة للشركات من خلال تعزيز الابتكار وتحفيز التغيير الإيجابي.
في الوقت نفسه، يشكل تقديرهم للتوازن بين العمل والحياة، والتزامهم بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية، عوامل تجعلهم يسعون للعمل في بيئات تتوافق مع قيمهم الشخصية والمهنية. لذا، فإن أصحاب العمل الذين يدركون هذه الاحتياجات ويستجيبون لها بفعالية، سيجدون أنفسهم قادرين على جذب واستبقاء هذه المواهب الشابة، ما سيؤدي في النهاية إلى تحقيق نجاح طويل الأمد للمؤسسة. بتفهمك لاحتياجات جيل زد وخلق بيئة عمل تلبي هذه الاحتياجات، ستحظى بفرصة الاستفادة من طاقاتهم المبدعة وقدراتهم الابتكارية كما يجب.