اضطراب هوس السرقة.. أسبابه وكيفية علاجه
قد تكون السرقة اضطرابًا نفسيًا عند بعض الناس؛ إذ يُعانِي المرء رغبة لا تُقاوَم في سرقة أشياء قد لا تكون ذات قيمة ولا نفع بالنسبة له، لكنّه سُرعان ما يشعر براحةٍ ومُتعةٍ بعد ذلك الفعل، وإن أعقب ذلك ندم أو إحساس بالعار نتيجة تلك السرقة، وهذا السلوك الاندفاعي الذي يصعب السيطرة عليه، يُعرَف بـ "هوس السرقة"، فما ذلك الاضطراب؟ وما أسبابه؟ وهل يمكن علاجه؟
ما هو هوس السرقة؟
هوس السرقة هو اضطراب نفسي يشعر معه المرء برغبةٍ عارمة لا يقدر على مقاومتها في سرقة الأشياء، رغم علمه بأنّ السرقة تصرُّف خاطئ وقد يُوقِعه في مشكلاتٍ لا حصر لها، ومع ذلك فهو عاجز عن إيقاف نفسه.
فالمُصاب بهوس السرقة لا يسرق بسبب ضعف الإرادة، أو عدم قدرته على ضبط نفسه، أو لخللٍ في شخصيته، بل هي حالة مرضية يعجز معها المرء عن مقاومة الرغبة المُلحّة في السرقة، وغالبًا ما يشعر هؤلاء بالذنب أو العار تجاه السرقة.
وكثيرٌ منهم قد يُحاوِل تعويض ذلك عن طريق إعادة ما سرقه، أو التبرّع به لجمعيات خيرية.
من الأكثر عُرضةً للإصابة بهوس السرقة؟
يُصِيب هوس السرقة السيدات أكثر من الرجال بثلاثة أضعاف، حسب ما ذكره "Cleveland Clinic"، كما أنّه قد يُصِيب الناس من جميع الأعمار، بدءًا من 4 سنوات وحتى 77 عامًا من العمر.
أعراض هوس السرقة
العرَض الرئيس لهوس السرقة هو الرغبة التي لا يقدر المرء على مقاومتها في سرقة أشياء أو مواد ما، كما قد تتضمّن الأعراض أيضًا:
- عدم سرقة الأشياء بدافع الضرورة والحاجة الحقيقة إليها أو بسبب قيمتها.
- شعور الشخص بالتوتر أو الترقّب قبل السرقة، يلي ذلك الشعور بمتعة أو راحة أو مشاعر إيجابية؛ أي بعد السرقة مباشرةً.
- بمجرد أن تتلاشى المشاعر الإيجابية، يشعر مُعظم المُصابِين بالذنب أو الخجل أو الندم.
- قد يرمي بعض الناس الأشياء المسروقة أو يعطونها للآخرين، أو حتى يتبرّعوا بها لجمعيات خيرية، والأقل شيوعًا تخزين الأشياء المسروقة أو إعادتها سرًا أو إعادتها ودفع ثمنها.
- عدم التخطيط للسرقة، فقد يسرق المُصاب بهوس السرقة بمفرده.
- معظم المتزوجين المُصابِين بهوس السرقة يُبقون الأمر سرًا عن أزواجهم.
اقرأ أيضًا:اضطراب التحكم في الاندفاع.. الأسباب والأنواع وطرق العلاج
أسباب هوس السرقة
لا يعرف الخبراء بعد سببًا مؤكدًا لإصابة بعض الناس بهوس السرقة، لكن قد تشمل الأسباب المحتملة لذلك:
- اختلافات بِنية الدماغ: قد يكون لدى المُصابين بهوس السرقة اختلافات مُعيّنة في بِنية أدمغتهم عن غيرهم، خاصةً في المناطق التي تتحكّم في الاندفاع أو تُثبِّطه.
- تغيُّر كيمياء الدماغ: يستخدم الدماغ مواد كيميائية مُخصّصة، تُعرَف بـ"النواقل العصبية"، لنقل الرسائل العصبية، وهناك بعض الحالات التي أُصِيب فيها الأشخاص بهوس السرقة بعد أن بدأوا في تناول الأدوية التي تُؤثّر في النواقل العصبية في أدمغتهم، ومع ذلك، فهذه الحالات نادرة، ولا تزال هناك حاجة إلى المزيد من الدراسة.
- عرَض لاضطرابٍ نفسيٍ آخر: صنَّف بعض الخبراء هوس السرقة على أنَّه عرَض وليس اضطرابًا مُستقلاًّ، فمن الشائع جدًا أن يُعانِي المُصابون بهوس السرقة مشكلات الصحة النفسية، خاصةً القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل واضطرابات تعاطي المخدرات، كما أنّ خطر إيذائهم أنفسهم أو انتحارهم أعلى.
- الجينات: لا يعرف العلماء ما إذا كان بإمكان الشخص أن يرث هوس السرقة من أحد أبويه، وغالبًا ما يكون لدى المُصابِين بهوس السرقة تاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية الأخرى، مثل معاناة أحد أفراد أسرته من بعضها، خاصةً اضطرابات القلق والمزاج واضطرابات تعاطي المخدرات، لكن لا يُوجَد دليل حاسِم على أنّ سبب هوس السرقة وراثي.
كذلك، هناك بعض التفسيرات التي قد تُوضِّح سبب معاناة بعض الناس هوس السرقة ومنها:
- نهج التحليل النفسي: ثمّة بعض التفسيرات النفسية التحليلية لهوس السرقة، فقد اقترح البعض بأنّ الناس مدفوعون للحصول على الأشياء من أجل التعويض رمزيًا عن نوعٍ من الخسارة أو الإهمال المبكر في مرحلة الطفولة مثلاً، وتبعًا لهذا النهج، يمكن علاج الاضطراب باكتشاف الدوافع الأساسية للسلوك.
- النهج المعرفي السلوكي: بعد حدوث السرقة الأولى دون عواقب سلبية، فمن المُرجّح أن يحدث ذلك السلوك مرة أخرى في المستقبل، وفي النهاية، تُصبِح الإشارات المُرتبطة بأعمال السرقة قوية جدًا، ما يزيد احتمالية استمرارها، فعندما يجد الشخص نفسه في موقف تُوجَد فيه إشارات بيئية مماثلة، تكون رغبته كبيرة في السرقة لدرجة لا تُقاوَم، كما أنّ فعل السرقة يُخفِّف التوتر الذي كان يُعانِيه الفرد. وبمرور الوقت، قد ينخرط المرء في السرقة للتعامل مع التوتر وتخفيفه.
هل يمكن علاج هوس السرقة؟
لا تُوجَد طريقة محددة لعلاج هوس السرقة، وهناك أبحاث محدودة حول العلاجات التي تعمل بشكلٍ أفضل، خاصةً أنّ المُصابِين بهوس السرقة نادرًا ما يطلبون العلاج بمفردهم، وغالبًا ما ينحصر العلاج في:
1. الأدوية
تُعدّ مضادات المواد الأفيونية أحد خيارات العلاج الأولى لهوس السرقة، فقد دعّم بحث فاعلية تلك الأدوية تحديدًا؛ إذ تمنع المشاعر الإيجابية التي يشعر بها الشخص عند السرقة، ما يُساعِده على مقاومة الرغبة في السرقة.
كذلك، قد تساعد أدوية أخرى في التغلب على ذلك الهوس، مثل مضادات الاكتئاب أو الليثيوم أو الأدوية المضادة لنوبات الصرع.
2. العلاج النفسي
يُعرَف أيضًا بالعلاج السلوكي؛ إذ يُساعِد الطبيب المريض على فهم سبب قيامه بسلوكيات مُعيّنة، كالسرقة، ثُمّ مساعدته على تطوير طرق لتغيير هذه السلوكيات أو تجنّبها، ومن طرق العلاج المُتّبعة العلاج المعرفي السلوكي، أو العلاج الجماعي، أو حتى التنويم المغناطيسي.
إلى متى يستمر هوس السرقة؟
عادةً ما يستمر هوس السرقة مدى الحياة بمجرد أن يُصاب به الشخص، لكن قد تكون الرغبة في السرقة قوية في بعض الأحيان وضعيفة في أوقات أخرى.
اقرأ أيضًا:هل تعرف "اضطراب التكيف"؟ عندما يصعب التأقلم مع تقلّبات الحياة
كيف تتعامل مع هوس السرقة؟
يمكن التعامل مع هوس السرقة والعيش بشكلٍ جيد من خلال النصائح الآتية:
1. التتبُّع
قد يُساعِدك تتبُّع أنماط هوس السرقة في فهم ما يحدث لك بشكلٍ أفضل ومِنْ ثَمّ معرفة كيفية التغلب عليه، لكن الخطوة الأولى هي تتبع الأعراض عند حدوثها والأفكار والمشاعر المُرتبطة بتلك الأعراض، فهذا يجعل من السهل تحديد المواقف والأفكار والمشاعر التي من المُرجّح أن تُحفِّز سلوك السرقة.
كما أن تدوين اليوميات هي خيار مناسب لتتبع تلك المواقف والأفكار، أو يمكن الاعتماد على الأدوات التقنية، مثل تطبيقات الرعاية الذاتية والتقويمات الرقمية.
2. إدارة التوتر
التوتر مُرتبط بصعوبة التحكم في الاندفاع لدى الإنسان، ومِنْ ثَمّ فقد يُحفِّز التوتر هوس السرقة، لذا فإنّ إدارة ذلك التوتر بفعل أي شيءٍ مُريح بالنسبة لك أو يدفع عنك ذلك التوتر، مثل ممارسة هوايتك المُفضّلة أو المشي في الطبيعة، فهذا قد يُساعِد على إبعاد هوس السرقة عنك، خاصةً لو كان التوتر يُحفِّزه.
3. الاعتناء بصحتك الجسدية
الاهتمام بصحتك هو أفضل ما يمكن فعله لدفع هوس السرقة بعيدًا عنك، وذلك من خلال المواظبة على نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام والنوم جيدًا، فهذه الأنشطة تُساعِد على تنظيم مستويات السيروتونين، ما قد يُساعِد على تخفيف أعراض هوس السرقة، استنادًا إلى أنّ اختلاف كيمياء الدماغ قد يكون من أسباب هوس السرقة.
4. الالتزام بالعلاج
قد تكون مُحبطًا من تلقّي علاج لهوس السرقة، وقد ترغب في عدم زيارة الطبيب أو التوقف عن تناول الدواء، لكن الالتزام بالعلاج هو أفضل طريقة للتخلص من هوس السرقة والحصول على نتائج طيّبة، ولا بأس بإعلام طبيبك بأنّك مُحبَط، فقد يُساعِدك على إيجاد طرق أخرى لمساعدتك على التغلب على ذلك الاضطراب.