عندما تنقلب العادة الجيدة إلى داء.. ماذا تعرف عن هوس الغذاء الصحي؟
مَنْ مِنَّا لا يرغب في الاستمرار على نظامٍ غذائي صحي؟ إن لم يكن لفُقدان الوزن فلتحسين الصحة على الأمد الطويل، لكن قد تنقلب هذه العادة الصحية إلى هوسٍ يُعرَف بـ"هَوس الغذاء الصحي"، الذي يستبعد فيه الإنسان كثيرًا من الأطعمة - التي قد تكون نافعة - كما قد يتعرَّض لسوء تغذية وخسارةٍ شديدةٍ للوزن "ضارة" نتيجة ذلك الهوس، فهل أنتَ مِمّن يلتزمون نظامًا غذائيًا صحيًا باعتدال؟ أم أنَّ الهوس قد حلّ ببابك؟
ماذا يعني هوس الغذاء الصحي؟
هوس ينتاب الإنسان تجاه الأكل الصحي، ومدى جودة الطعام الذي يتناوله في نظامه الغذائي، وهو ليس مُصنّفًا كأحد اضطرابات الأكل في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الإصدار الخامس "DSM-5".
يُعانِي المُصاب بهوس الغذاء الصحي "Orthorexia Nervosa" وسواسًا تجاه كُلّ مُكوِّن في النظام الغذائي، كما يميل إلى تقييد أنواع الطعام التي يتناولها بشدة، ويُحاوِل الوصول إلى نظامٍ غذائيٍ مثالي، لكن مع الأسف قد يضر ذلك صحته الجسدية والنفسية.
وقد انتشر هوس الغذاء الصحي، مع رواج الأنظمة الغذائية التي تهدف إلى الحد من تناول الأطعمة المُصنّعة، وكذلك الأطعمة عالية السكر والدهون غير الصحية، وأيضًا تهدف إلى تناول الأطعمة ذات العناصر الغذائية، كما في النظام الغذائي النباتي، أو الحمية الخالية من الغلوتين، لكن هوس الغذاء الصحي قد يتطوّر عند بعض الناس من التزام بعض الأنظمة الغذائية، مثل حمية باليو أو حمية الكيتو.
وهذه الأنظمة الغذائية صحية لا غبار عليها، لكن المُصاب بهوس الغذاء الصحي، يتطرَّف في ذلك الأمر، ويُقيِّد طعامه بصورةٍ مفرطة، ما يُؤدِّي إلى فقدان الوزن بكثافة، وسوء التغذية، وربّما المعاناة من مشكلات صحية أخرى.
علامات هوس الغذاء الصحي
تشمل العلامات الدالّة على هوس الغذاء الصحي ما يلي:
1. التزام قهري بنمط مُعيّن للأكل
بالتأكيد يملك أي إنسانٍ الاختيار في تناول ما يُرِيد من الطعام - حتى لو أضرّ بصحته - لكن في حالة هوس الغذاء الصحي، يصير ذلك اضطرارًا لا اختيارًا، فلا يعود المرء قادرًا على التخلِّي عن قواعده الخاصة التي وضعها للأكل.
2. الاقتصار على الأطعمة الصحية فقط
يقتصر المُصابون بهوس الغذاء الصحي على الأطعمة الصحية فقط - هذا مُفيد بكل تأكيد لأي شخص - بل ينظرون إلى بعض الأطعمة على أنَّها "أطعمة خارقة" تحمل فوائد خاصّة لصحتهم، لكن هذا التقييد الشديد قد يُفضِي بهم إلى التخلِّي عن مجموعات واسعة من الطعام، قد تكون مُفيدة لهم أيضًا.
3. قضاء كثير من الوقت في البحث عن المُكوّنات الغذائية
ينسى المرء نفسَه عندما يصير مهووسًا بشيء، وهذا هو الحال مع هوس الغذاء الصحي، فقد ينشغل الإنسان بشدّة في التفتيش عن المُكوّنات الغذائية للطعام إلى درجةٍ قد تجعل ذلك يأخذ مكان بعض الأنشطة الطبيعية اليومية للإنسان، كما يصحب ذلك هوس بمُدوّنات "أسلوب المعيشة الصحي"، أو الانضمام إلى غرف الدردشة التي تتناول نفس الموضوع على الإنترنت.
4. الشعور بالخزي والذنب!
تتطوّر الأعراض ولا تتوقّف عند حدّ مُعيَّن، ولذلك يصير احترام الشخص لذاته مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمدى التزامه بالنظام الغذائي - الذي قرَّره هو لنفسه - ومِنْ ثَمَّ فإنَّ أي انحرافٍ عن ذلك النظام الغذائي يُؤدِّي إلى الشعور بالخزي والذنب، وربّما القلق أيضًا.
5. علامات أخرى
ثمّة علامات أخرى أيضًا تدلُّ على هوس الغذاء الصحي، مثل:
- تجنُّب تناول الأطعمة التي يُعدّها الآخرون، بما في ذلك المطاعم وأفراد الأسرة ومحلات السوبر ماركت وما إلى ذلك.
- البحث الدائب والمستمر عن خطط للطعام والوجبات لبلوغ الكمال في النظام الصحي "وهذا قد يستغرق عِدّة ساعات في اليوم".
- انتقاد خيارات الآخرين للطعام، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى النأي بعيدًا عن الأشخاص الذين لا يأكلون طعامًا صحيًا.
- المعاناة من سوء تغذية رغم النظام الصحي "المفترض"، أو فقدان شديد للوزن بسبب التقييد الشديد للطعام.
أسباب هوس الغذاء الصحي
الأسباب الكامنة وراء هوس الغذاء الصحي مُعقَّدة ومُتشابكة إلى حدٍ كبير، ولكن قد تكون الأمور الآتية هي السبب وراء ذلك الهوس:
1. الخوف من المرض
يخشى بعض الناس الأمراض بشدة، خاصةً إذا كانوا يُعانُون أعراضًا مُتكرِّرة كالصداع مثلاً، وقد يرى هؤلاء تحسُّنًا لحالتهم مع الانقطاع عن بعض الأطعمة، وصحيحٌ أنَّ النظام الغذائي الصحي قد يُساعِد في إطالة العمر، لكن بنهاية المطاف لا أحد يعيش إلى الأبد.
2. الحاجة إلى خلق هوية
من السهل العثور على مجتمعات تميل إلى أطعمة مُعيّنة، فمثلاً يتبنَّى كثيرٌ من الناس النظام الغذائي النباتي في محاولة لمساعدة البيئة، كما أنَّ الإنسان كُلّما صار نظامه الغذائي صارمًا وأشدّ تقييدًا، صار بحاجةٍ إلى الارتباط بأشخاص لهم عادات مماثلة، لكن ذلك قد يتسبَّب في الانعزال عن الأصدقاء وأفراد الأسرة، خاصةً مع مُغايرة عاداتهم الغذائية لك بكل تأكيد.
اقرأ أيضًا:الصيام المتقطع.. نظام غذائي متعدد الأنواع والفوائد
3. أسباب أخرى
قد تزداد فرص الإصابة بهوس الغذاء الصحي نتيجة بعض العوامل، مثل:
- اضطراب الوسواس القهري.
- سبق الإصابة بأحد اضطرابات الأكل.
- السعي إلى الكمال "المثالية".
- القلق.
- استخدام "إنستغرام" ربّما لكثرة رؤية صور للطعام الصحي والأنظمة الغذائية الصحية".
مضاعفات هوس الغذاء الصحي
إذا زاد الشيءُ عن حدِّه انقلب إلى ضدّه، فكُلّ إنسانٍ يود أن يلتزم بنظامٍ غذائيٍ صحي، لكنَّ الشِدّة في ذلك إلى درجة الهوس، قد يُؤدِّي إلى ارتباط احترام الذات بمدى الالتزام بذلك النظام الغذائي، أو إنفاق جزء كبير من الدخل على الطعام، أو قد يُفضِي إلى ما خاف منه المرء وجعله مهووسًا بالنظام الغذائي الصحي، مثل:
مضاعفات جسدية
- بطء الهضم أو خزَل المعدة.
- الإمساك المزمن.
- بطء مُعدَّل ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم؛ بسبب قلة السعرات الحرارية "قد يزيد خطر الإصابة بقصور القلب والوفاة".
- جفاف البشرة وتساقط الشعر وتقصُّفه.
- عدم انتظام الدورة الشهرية لدى السيدات.
- تراجُع إنتاج الهرمونات الجنسية؛ إمّا لغياب الدهون أو لقلة السعرات الحرارية.
مضاعفات نفسية
- الوسواس وآلام الجوع قبل النوم، والتي قد تمنع الإنسان فعليًا من النوم.
- الانشغال الدائم بالصحة والمخاوف المتعلقة بشأن الغذاء.
- الرعب الشديد من المواد الغذائية "غير الصحية"، ومُكوِّنات تصنيع الأغذية.
تشخيص هوس الغذاء الصحي
يعتمد تشخيص هوس الغذاء الصحي على أحد المعايير الآتية، حسب "verywellmind":
المعايير "أ"
تشمل كل ما يلي:
- سلوكيات قهرية والانشغال المُتزايد بنظام غذائي تقييدي لتعزيز الصحة.
- يشعر الإنسان بذعرٍ شديد، وقلقٍ وعار لا يتناهى عند انتهاك القواعد الغذائية التي فرضها على نفسه.
- زيادة التقييد الغذائي بمرور الوقت، وقد يتضمّن ذلك استبعاد مجموعات كاملة من الأطعمة، مثل منتجات الألبان أو اللحوم، كما يُفقَد الوزن غالبًا، وإن كانت رغبة الإنسان ليست مُركَّزة عليه.
المعايير "ب"
إمّا المعايير السالفة معًا، وإما أيٍ مما يلي وحده كافٍ للتشخيص:
- سوء التغذية، أو فقدان الوزن الشديد، أو مضاعفات صحية أخرى جراء التزام نظامٍ غذائيٍ صارم.
- ضعف الأداء الاجتماعي، أو المهني، أو الأكاديمي بسبب السلوكيات المُتعلّقة بالنظام الغذائي الصحي.
- اعتماد القيمة الذاتية للفرد أمام نفسه على مدى الامتثال بالنظام الغذائي الصحي الذي قرَّره.
هل يحتاج هوس الغذاء الصحي إلى علاج؟
ينبغي بدايةً الاعتراف بأنَّ هناك مشكلة يُعانِيها الإنسان بحاجةٍ إلى علاج، ويُرجِّح الخبراء تلقِّي المرء رعاية مناسبة من فريقٍ مُتعدِّد التخصصات، يشمل اختصاصي الصحة النفسية، وطبيب، واختصاصي التغذية، وقد يتضمَّن علاج هوس الغذاء الصحي ما يلي:
- العلاج النفسي للتغلُّب على الاضطرابات النفسية المُصاحبة، مثل الاكتئاب، أو القلق، أو الوسواس القهري.
- التدرُّج في التعرُّض للأطعمة الأخرى وإعادة تقديمها إلى الإنسان.
- إعادة التأطير المعرفي بشأن النظام الغذائي الصحي.
- استعادة الوزن المفقود.
- أدوية القلق أو الاكتئاب حسب الحاجة الفعلية إليها.
كيف تبني علاقة صحية مع الغذاء؟
بصورةٍ عامةٍ يحتاج أي إنسانٍ إلى البروتين والدهون والكربوهيدرات، والمعادن والفيتامينات؛ لتعزيز طاقة الجسم والحفاظ على صحته، وبدلاً من النزوع إلى المثالية، يُمكِنك تضمين كل عنصر من هذه العناصر الغذائية في وجبتك، ومن المهم أيضًا عدم التفكير في بعض الأطعمة على أنّها محظورة، بل ينبغي أن تُؤخَذ كل الأمور باعتدال دونما إفراطٍ ولا تفريط، وبذلك الصدد يُنصَح بما يلي:
- عدم الأكل إلّا لو كُنتَ جائعًا.
- تناول الطعام ببطء والتوقف عن الأكل عندما تمتلئ معدتك أو تقترب من الامتلاء.
- كُن حذرًا في التعامل مع تقنيات وتطبيقات تتبُّع التغذية واللياقة؛ لأنّها قد تكون تقييدية جدًا، وكثرة استخدامها، قد يزيد القلق والسلوكيات الوسواسية تجاه التغذية.
- لا تترك نفسك للجوع.
- لا تتجاهل الرغبة الشديدة في الأكل "طبعًا في حدود المعقول"، فمثلاً إذا تناولت عشاءً صحيًّا، فلا بأس بقليلٍ من الآيس كريم بعده ما دُمت تمتلك رغبة في الأكل "باتزان".
الفرق بين هوس الغذاء الصحي والأكل الصحي
يُمكِن التفريق بين هوس الغذاء الصحي والأكل الصحي في النقاط الآتية: