العلاج بالواقع الافتراضي.. حل واعد لاضطرابات الصحة النفسية
ليس الواقع الافتراضي للألعاب فحسب، بل قد أظهر نتائج واعدة في تحسين الصحة النفسية، وعلاج مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية. فأن تجِد نفسك في قلب عالمٍ افتراضيٍ جديد تشعر به وتتفاعل معه بلا فارقٍ كبيرٍ بينه وبين العالم الحقيقي، فذلك له كبير الأثر على الدماغ وكيفية تفاعلها مع ما تشعر به، بما قد يساعد على تجاوز القلق والرهاب مثلًا، فهل يحمل العلاج بالواقع الافتراضي ثورة في عالم الصحة النفسية مستقبلًا؟
ما هو العلاج بالواقع الافتراضي؟
نوع من العلاج يستخدم العوالم الافتراضية والسيناريوهات لعلاج الاضطرابات النفسية، إذ يرتدي الشخص سمّاعة رأس أو يستخدم جهازًا للانغماس في العالم الافتراضي والتفاعل معه.
والتجارب التي يخوضها المرء لا تبدو حقيقية فحسب، بل يشعر أيضًا بالأشياء جسديًا في ذلك العالم الافتراضي، إذ تعمل مكونات نظام الواقع الافتراضي معًا لإنشاء أوهامٍ حسّية مُحاكية للواقع، وتُحقِّق استجابات دماغية وسلوكية بالفعل.
ويتسم الواقع الافتراضي بإمكانية محاكاة مجموعة متنوعة من العوالم والسيناريوهات، ما يجعلها مفيدة لبناء المواقف التي يصعب إنشاؤها في الحياة الواقعية. وقد يستخدم المُعالِجون الواقع الافتراضي للسماح بالتعامل مع تحدّيات الحياة الواقعية، أو مساعدة الشخص على مواجهة مخاوفه في بيئة خاضعة للرقابة.
إنَّ إمكانية الواقع الافتراضي لمحاكاة المواقف والتفاعلات الاجتماعية لا حد لها، وقد نجح العلاج بالواقع الافتراضي في علاج القلق واضطراب ما بعد الصدمة، والرهاب وأيضًا الاكتئاب.
كيف يعمل العلاج بالواقع الافتراضي؟
السرُّ في عمل العلاج بالواقع الافتراضي أنّ ردود الفعل الحسية المُنشأة رقميًّا من العالم الاصطناعي أو الافتراضي تحل محل تجاربنا اليومية، إذ تشتمل الأنظمة عادةً على شاشتين بصريتين (واحدة لكل عين).
ويلتقط الدماغ المُدخلات (اصطناعية كانت أو حقيقية) من كلتا العينين لإنشاء تمثيلٍ عقلي ثلاثي الأبعاد. والعالم الافتراضي اليوم قد صار أكثر واقعية، وبإمكان مُستخدِمه التفاعل مع البيئة سواء من خلال تحريك الرأس أو الإشارة إلى شيءٍ ما، أو الإمساك به أو غير ذلك.
ومن خلال إزالة مخاطر العالم الحقيقية، يُمكِن للواقع الافتراضي أن يجعل شيئًا مُخيفًا للإنسان غير مُخيف أو سهل التعامل معه واعتياده.
فمثلًا قد لا يكون الشخص المُصاب بالرهاب مستعدًا لمواجهة مخاوفه في الواقع الحقيقي، وقد يساعده التفاعل مع المحاكاة في الواقع الافتراضي على التعوُّد تدريجيًّا على ما يخافه ومعرفة أنّه لا يُشكِّل تهديدًا بالنسبة له.
العلاج بالواقع الافتراضي والاضطرابات النفسية
قد ساعد الواقع الافتراضي بالفعل في علاج العديد من الاضطرابات النفسية، على رأسها الرهاب، واضطراب ما بعد الصدمة، والقلق والاكتئاب، وقد استخدمه المُعالِجون في الأصل لعلاج الرهاب، لكن بمرور الوقت جرّبوه لمعالجة مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية.
الرهاب
الرهاب هو خوف شديد يُهيمن على الإنسان بسبب موقف ما أو شيءٍ مُعيّن، فبعض الناس يخافون من الطيران، وغيرهم يخافون من البحار، وهذه المخاوف تختلف من إنسانٍ لآخر.
وقد كان العلاج بالتعرُّض "تعريض الإنسان لما يخاف منه تدريجيًّا إلى أن يعتاده ولا يعود خائفًا منه" هو حجر الزاوية في علاج الرهاب، وبالإمكان فعل ذلك دون الواقع الافتراضي بالطبع، لكنه قد يكون صعبًا على بعض الناس في بعض الأحيان.
فمثلًا لا يمكن للشخص الذي يخشى الطيران أن يطير على متن طائرة لبضع ثوانٍ مثلًا ويتدرّج في ذلك إلى أن يعتاده، أو لمن يخاف الحيوانات البرية أن يُعرِّض نفسه أو أي شخصٍ غيره للخطر كي يتخلّص من ذلك الخوف.
فالواقع الافتراضي يُوسِّع إمكانيات العلاج بالتعرُّض، وقد وجدت مراجعة منهجية عام 2022 لـ 18 مقالة أنَّ هذا النهج العلاجي حسَّن جميع أنواع الرهاب التي تضمّنها البحث، مثل رهاب الحيوانات ورهاب الدم أو الحقن.
اقرأ أيضًا: البثور ضيف البشرة الثقيل.. كيف تتخلص منها نهائيًا؟
اضطراب ما بعد الصدمة
اضطراب يُصِيب من تعرَّضوا لصدمةٍ ما أو حادث مؤلم، إذ يستعيدون ذكريات ذلك الحادث مرارًا وتكرارًا وربّما يرون كوابيس أو يشعرون بالحزن والخوف، كما قد يتجنّبون الأماكن أو الأشخاص الذين قد يُذكّرونهم بذلك الحادث.
وقد أثبت الواقع الافتراضي فاعليته في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، لكن يبدأ المُعالِج بتقييم احتياجات المريض بناءً على نوع ودرجة الصدمة التي عاينها.
وقد قارنت مراجعة عام 2019 وتحليل تلوي لـ 9 دراسات سابقة في مجلة الاضطرابات العاطفية "Journal of Affective Disorders" تأثير العلاج بالتعرّض للواقع الافتراضي وعدم الحصول على علاج.
وكانت المُحصِّلة أنّ العلاج بالواقع الافتراضي قلّل من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، واستمرّت فوائده لمدة 3 أشهر على الأقل بعد انتهاء العلاج.
القلق
يُعدّ العلاج بالواقع الافتراضي فعّالًا للتغلب على الخوف والقلق، ويُعتقَد أنّ ذكريات الخوف التي تحتلّ جزءًا من دماغ الإنسان قد تكون سبب القلق، وتُسهِّل أنظمة العلاج بالواقع الافتراضي المُعالجة العاطفية من خلال غمر المريض في بيئة مُخصّصة حسب مخاوف كل إنسان.
وقد كانت وتيرة القلق تتراجع في البيئة الافتراضية مع كثرة التعرُّض، بما كان أثره جيدًا أيضًا على الحياة الواقعية، لذلك فقد يكون الواقع الافتراضي جزءًا من العلاج الإلكتروني لاضطراب القلق مستقبلًا.
الاكتئاب
يُعانِي المُكتئبون مزاجًا سيئًا، وضعفًا في الشهية، واضطرابًا بالنوم، ونقصًا في الطاقة، وتدنيًا في احترامهم لذواتهم، وتُؤكِّد الأبحاث الجارية قيمة الواقع الافتراضي في علاج الاكتئاب.
فقد أدّى استخدامه إلى انخفاض كبيرٍ في الأعراض لدى المُصابِين بالاكتئاب، لكن لا تزال هناك حاجة إلى مزيدٍ من البحث لإيجاد أمثل توازن لاستخدامه مع العلاجات الحالية.