اضطراب الشخصية البارانوية (جنون العظمة).. الأعراض والأسباب وطرق التعامل
شخصٌ يشكّ فيمن حوله باستمرار، ولا يثق بأحد، بل يظنّ أنه تحت تهديد من أفراد أسرته، حتى لو لم يكن هناك أي دليل على ذلك الادعاء، ومن ثمّ يبدأ في معاداة من حوله وحمل ضغائن تجاههم، والواقع أنه أسير أفكاره، مُصاب بـ "اضطراب الشخصية البارانوية".
والمُصاب بهذا الاضطراب صعب التعامل معه، خاصةً في العلاقات الشخصية، لكن هذا الاضطراب له سمات عديدة تُميّزه، ويتطلّب علاجًا دقيقًا وقدرة عالية من الطبيب على التعامل مع المُصاب.
فما أعراض اضطراب الشخصية البارانوية؟ وكيف تتعامل مع أحد أقربائك لو كان مُصابًا به؟
ما هو اضطراب الشخصية البارانوية؟
أحد اضطرابات الشخصية المُصنَّفة من النوع أ، إذ لا يثق المصاب به في الآخرين ويشكّ فيهم على الدوام، بل ويعتقد أنّهم يتصرّفون بخبث تجاهه.
وقد يفترض المُصاب باضطراب الشخصية البارانوية أنّ الآخرين يريدون خداعه أو إيذاءه مرارًا وتكرارًا، حتى لو لم تكُن هناك أدلة على ذلك، بل قد يحمل ضغائن تجاههم ولا يُسامِحهم بسهولة.
أعراض اضطراب الشخصية البارانوية
الشك وعدم الثقة من السمات الرئيسية لاضطراب الشخصية البارانوية أو جنون العظمة، وهذه الصفات قد تُشكل للإنسان حواجز تحول بينه وبين الحفاظ على عمله.
بل أظهرت الأبحاث أن أولئك الذين تم تشخيصهم باضطراب الشخصية البارانوية أكثر عرضة لترك العمل في سن أصغر.
ومن المحتمل أن الأعراض التي تنشأ عن هذا السلوك هي طريقة لحماية المصابين باضطراب الشخصية البارانوية من الأشخاص الذين يخدعونهم، حسب اعتقادهم.
كما قد تزداد حدة الأعراض عندما يستجيب الآخرون سلبًا لسلوكيات المصاب، ما يزيد تعقيدها.
وهذه الأعراض تشمل:
- الاعتقاد بأنّ الناس لديهم دوافع حاقدة يُخفُونها بقصد أذيتك.
- العزلة الاجتماعية.
- اللامبالاة بشأن الآخرين وعدم التعاطف معهم.
- إساءة تفسير نوايا الآخرين واتّهامهم بالخيانة أو عدم الإخلاص له.
- قد يُوصَف المُصاب باضطراب الشخصية البارانوية أيضًا بالخيانة.
- صعوبة الاسترخاء.
- الاستعلان بعداوة الآخرين.
وعادةً ما تبدأ أعراض اضطراب الشخصية البارانوية في أواخر سن المراهقة حتى مرحلة البلوغ المبكرة، فلا يُشخَّص ذلك الاضطراب قبل البلوغ، ومن العلامات التحذيرية له في مرحلة البلوغ المبكر أو المراهقة:
- العزلة الاجتماعية.
- القلق الاجتماعي.
- ضعف العلاقات الشخصية مع أقرانهم من نفس العمر.
- ضعف الإنجازات الدراسية.
- السلوك غريب الأطوار.
أسباب اضطراب الشخصية البارانوية
لا يُعرَف سبب اضطراب الشخصية البارانوية حتى الآن، لكن تُشِير بعض الأبحاث إلى أنّ هناك أسباب وراثية وراء ذلك الاضطراب، بما في ذلك لو كان أحد أفرد الأسرة مُصابًا بالفصام أو الاضطراب الوهامي، وليس فقط اضطراب الشخصية البارانوية.
ودلّت أبحاث أخرى على أنَّ التعرُّض لصدمة في الطفولة قد يكون من العوامل المُسبِّبة لاضطراب الشخصية البارانوية، وكذلك إصابة الدماغ، فنحو 26% من إصابات الدماغ تستوفي المعايير التشخيصية لاضطراب الشخصية البارانوية.
كذلك فإنّ المُصابين باضطراب ما بعد الصدمة، أكثر عُرضةً للإصابة باضطراب الشخصية البارانوية.
عوامل خطر الإصابة باضطراب الشخصية البارانوية
قد تزيد بعض العوامل خطر الإصابة باضطراب الشخصية البارانوية، مثل:
- التاريخ العائلي: قد يؤدي سبق إصابة أحد أفراد الأسرة باضطراب الشخصية البارانوية، أو غيره من الاضطرابات النفسية، مثل الفصام، إلى زيادة خطر إصابتك باضطراب الشخصية البارانوية.
- الجنس: يظنُّ الباحثون أنَّ اضطراب الشخصية البارانوية أكثر شيوعًا لدى الرجال مُقارنةً بالنساء.
- صدمة الطفولة: تزيد صدمة الطفولة، أو التعرُّض للإساءة أو سوء المعاملة، خطر الإصابة بالعديد من الاضطرابات الشخصية في مرحلة البلوغ، بما في ذلك اضطراب الشخصية البارانوية.
- عوامل أخرى: العيش في أسرة منخفضة الدخل، أو الطلاق أو الانفصال، أو عدم الزواج.
تشخيص اضطراب الشخصية البارانوية
لا يعتقد المُصاب باضطراب الشخصية البارانوية أنّه يُعاني أي مشكلة، أو أنّ هناك شيء غير عادي في سلوكه، لذلك قد يكون من الصعب تشخيص تلك الحالة.
إذ لا يطلب المصابون باضطراب الشخصية البارانوية أي مساعدة بشأن سلوكهم، فهو المُعتاد من وجهة نظرهم، وإن تذمّر من حولهم.
ومع ذلك، فقد يلجؤون أحيانًا إلى الطبيب في حالة المعاناة من مشكلات ناجمة عن اضطراب الشخصية البارانوية، مثل الاكتئاب أو القلق أو مشكلات العلاقات مع الآخرين. ولكي يُشخِّص الطبيب الاضطراب، يبدأ بطرح بعض الأسئلة حول الأعراض التي يُعانيها الشخص.
ومع ذلك، فهذا قد يكون صعبًا جدًا أيضًا، لأنّ طريقة السؤال قد تُوحِي للمُصاب بأنّ هذا استجواب، فيتصرّف بعدوانية أو يشكُّ في الطبيب.
ولذلك قد يستخدم مُختصوا الصحة النفسية تقييمات نفسية للبحث عن الأعراض المطلوبة، كما يعتمدون على المعايير التشخيصية لاضطراب الشخصية البارانوية، تبعًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية "DSM-5"، التي تشمل:
- الشكّ في إيذاء أو استغلال أو خداع الآخرين لهم دون دليل يدعم هذا الاعتقاد.
- الانشغال بالتفكير حول جدارة الأصدقاء بالثقة.
- صعوبة الوثوق بالآخرين، خشية أنّ يستخدموا ما يقوله ضده.
- تفسير ملاحظات أو سلوك الآخرين على أنّه إهانة أو تهديد له.
- حمل ضغينة تجاه الآخرين وعدم مُسامحتهم.
- قد يدرك أو يظن أنّ الآخرين يُهاجِمون شخصيته أو سُمعته.
- الشكوك المستمرة في الزوج/ة والظن بأنّه غير مُخلِص.
- التفاعل بغضبٍ أو هجوم مضاد إذا شعر بأنَّ أحدًا ما أساء لسُمعته.
علاج اضطراب الشخصية البارانوية
يُعالَج اضطراب الشخصية البارانوية بالعلاج النفسي بصفةٍ رئيسة، ومع العلاج المستمر والدعم المناسب يمكِن تخفيف الأعراض، لكن المشكلة أنّ المُصابِين لا يطلبون المساعدة غالبًا، بل لا يعتقدون أنّ لديهم مشكلة، فشكوكه تجاه الآخرين لها مبررات في ذهنه، وهؤلاء الآخرين هم المشكلة ليس هو.
كما أنّ عدم الثقة قد تجعل من الصعب على المريض الوثوق بطبيبه، وهذا قد يجعل العلاج أقل فاعلية، لأنّ العلاقة بين المريض والمُعالِج محورية للحصول على نتائج قوية للعلاج.
وتشمل طرق العلاج التي قد يلتزمها الطبيب مع المريض:
1. العلاج النفسي
يُركِّز العلاج النفسي على مساعدة المُصاب باضطراب الشخصية البارانوية على التعاطف والثقة والتواصل مع الآخرين، ومن طرق العلاج النفسي المُناسِبة لهم:
- العلاج المعرفي السلوكي: نوع من العلاج النفسي يُساعِد المريض على فهم أفكاره ومشاعره التي تُؤثِّر في سلوكه، فالمعتقدات المُتأصلة لديه والأفكار الدائرة في ذهنه هي التي تُبقِي ذلك الاضطراب موجودًا، وبتحدِّي تلك الأفكار وتغيير السلوكيات الضارة، قد يُصبِح المرء أقل شكًا في الآخرين، بما في ذلك الأصدقاء والعائلة، كما يساعدهم العلاج على إدارة استجاباتهم للآخرين بشكلٍ أفضل.
- العلاج السلوكي الجدلي: علاج فعّال أيضًا لاضطراب الشخصية البارانوية، إذ يُساعِده على تنظيم مشاعره، وتنمية مهارات التأقلم مع ذلك الاضطراب.
- العلاج القائم على التعقل: يجمع العلاج النفسي الديناميكي والعلاج المعرفي السلوكي، وغيرهم، إذ يزيد المهارة العقلية، ويُساعِد على فهم المشاعر والأفكار والسلوكيات الخاصة بالفرد.
2. الأدوية
ليس هناك أدوية مُعيّنة لعلاج اضطراب الشخصية البارانوية، لكنّها قد تُستخدَم لتخفيف الأعراض الشديدة أو المرتبطة بذلك الاضطراب، مثل الاكتئاب أو القلق، ومن الأدوية التي قد يصفها الطبيب لهذه الأغراض:
- مضادات الاكتئاب.
- مضادات الذهان.
- الأدوية المضادة للقلق.
والأدوية لا يُوصَى بها وحدها في علاج اضطرابات الشخصية، بل يُفضّل أن تكون مع العلاج النفسي.
كيف يؤثر اضطراب الشخصية البارانوية على العلاقات مع الآخرين؟
قد تشعر بتوترٍ شديد مستمر ما دُمت على علاقة بشخصٍ مُصاب باضطراب الشخصية البارانوية، خاصةً مع توجيهه أصابع الاتهام إليك من حين لآخر، والشك فيك والاعتقاد بأنك تُضمر له العداء، فضلًا عن الاعتقاد العنيد بأنه دائمًا على حق.
لذلك، فإنّ المُصاب باضطراب الشخصية البارانوية لا يرى شخصيات من حوله على حقيقتها، بل يظنّ أنّهم يحاولون إيذاءه ولا يثق بأحدٍ منهم، ويُصدِّق ذلك الاعتقاد حتى لو لم يكن عليه دليل.
فكيف سيتعامل مع من يظنّ أنهم يودون إيذاءه ولا يثق بهم أبدًا؟ ثمّ كيف سيكون رد فعلهم وهم يشعرون بالظلم من تصرفاته معهم؟
الحقيقة أنّ ذلك الاضطراب مُدمِّر للعلاقات، لأنّ العلاقات الصحية تزداد ثقة أطرافها بمرور الوقت وكلّما تعرّف الأشخاص إلى بعضهم بشكلٍ أفضل.
أمّا في حالة اضطراب الشخصية البارانوية، فكُلّما طالت فترة علاقتك معه، قلّت ثقته وزاد شكّه فيك!
طرق التعامل مع المُصاب باضطراب الشخصية البارانوية
ذكر موقع "medicalnewstoday" العديد من الطرق التي يُمكِن بها التعامل مع المُصاب بجنون العظمة أو اضطراب الشخصية البارانوية، منها:
- وضوح التواصل معه: التواصل هو خطوة مبكرة ضرورية لمساعدة المُصاب بالاضطراب على التأقلم معه، ويُساعِد الوضوح في التواصل عمومًا في تقليل سوء الفهم الذي قد يحدث، والذي قد يُؤدِّي إلى انعدام الثقة، كما يساعد في رسم حدود واضحة للعلاقة معه دون أذية لأي طرف.
- الاعتراف بمشاعره: يظنُّ المُصاب بجنون العظمة أنَّ مشاعره حقيقية، ومن المفيد الاعتراف بمشاعر الشخص، لكن مع محاولة إعادة توجيه مخاوفه، وقد يُساعِد إظهار الاحترام لمشاعره في تهدئة الموقف وتهدئة مخاوفه (فهو دائمًا يشك في الآخرين ويشعر بعدم الثقة).
- حاول ألّا تجادله أو ترفض معتقداته: لن يُفِيدك تعزيز الأوهام الدائرة في عقل المُصاب بجنون العظمة بجداله أو الإساءة إليه، لذلك فإنَّ جداله أو رفض معتقداته ليس مفيدًا، بل قد يؤدي اتّباع نهج جدلي إلى تأجيج الغضب وأفكار الشكّ لدى المُصاب بجنون العظمة.
- ضع حدودًا: من الضروري وضع حدود مع المُصاب باضطراب الشخصية البارانوية حتى لو كان أحد أفراد أسرته، فهذه الحدود تساعده على تحمّل المسؤولية كاملة عن أفعاله، كما قد تُعزِّز شعوره بالاستقلال (وربّما يكون ذلك مفيدًا له).
- اعتنِ بنفسك: لا تنس نفسك أيضًا بينما تتعامل مع مُصاب باضطراب الشخصية البارانوية، فستحتاج إلى الاسترخاء من وقتٍ لآخر وإعادة شحن طاقتك، لذلك من الضروري البقاء على تواصل مع العائلة والأصدقاء، أو ممارسة تقنيات الاسترخاء، مثل تمارين التنفس والتأمل، أو ممارسة الرياضة بانتظام لتخفيف التوتر، ولا تغفل عن الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم، لأنَّ قلة النوم قد تجعل التعامل مع التوتر أصعب.