أسرار إدارة الثروة.. كيف يبني الأثرياء إمبراطورياتهم؟
يُشير تقرير صادر عن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى أن 1% فقط من البشر يمتلكون أكثر من 30% من ثروة العالم، ويثير هذا الرقم تساؤلات حول العوامل التي تُمكّن هذه الفئة القليلة من تراكم ثروات هائلة بينما يعاني غالبية الناس من صعوبات مالية.
يُقدم الخبراء بعض التفسيرات المحتملة لهذه الظاهرة، والتي تشمل تمتعهم بمهارات استثنائية في إدارة أموالهم واستثماراتهم، وأنهم يُدركون كيفية استغلال الفرص وتحقيق أقصى استفادة من مواردهم، ويتبعون استراتيجيات ذكية لتقليل المخاطر وتعظيم العوائد.
سمات مشتركة تميز الأثرياء عن غيرهم
يُوضح "فارون دوج" أحد أشهر مخططي المال، أن جميع فئات الأثرياء يتشاركون سمات مميزة تميّزهم عن غيرهم، نذكر منها:
1. تجنب الديون والإنفاق غير الضروري:
يبتعد الأثرياء عن الديون بكلّ أشكالها، ويتجنبون إهدار الأموال على دفع الفوائد، ويُفضّلون شراء السيارة بدلاً من استئجارها، مع التخطيط للاحتفاظ بها على المدى الطويل، ويتبعون مبدأ "اكسبه ولا تنفقه"، ويحرصون على إنفاق الأموال بحكمة.
2. بناء احتياطي مالي:
يُخصص الأثرياء أموالاً احتياطية للطوارئ، تكفي نفقاتهم لمدة 9 أشهر على الأقل دون أي دخل، ويُعدّ هذا الاحتياطي بمثابة شبكة أمان تُقيهم من الأزمات المالية المفاجئة.
3. التخطيط الاستثماري بعيد المدى:
بمجرد إنشاء صندوق الطوارئ وصندوق التقاعد، يُنظم الأثرياء خطط استثمارية بعيدة المدى، ويُنوعون في استثماراتهم، ويُغامرون بحذر لتحقيق عوائد مالية مُجزية.
4. الاستفادة من برامج العمل:
يُشارك الأثرياء في برامج التأمين والاستثمار التي يُقدمها عملهم، دون أن يتحملوا تكاليف باهظة، ويُدركون أهمية هذه البرامج في تأمين مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم.
5. العيش ضمن الميزانية:
لا يُحاول الأثرياء مواكبة الآخرين أو مقارنة أنفسهم بغيرهم، بل يُخططون لحياتهم وفقًا لميزانياتهم المحددة، وقد يلجؤون إلى التأجير بدلاً من التملك إذا لزم الأمر، وذلك لحماية أموالهم من الالتزامات المالية المُكلفة.
6. الاستفادة من التخفيضات الضريبية:
يبحث الأثرياء عن فرص الاستفادة من التخفيضات الضريبية بصورها المختلفة، ويُدركون أهمية التخطيط الضريبي في توفير أموالهم وتحقيق أقصى استفادة من المزايا الضريبية.
7. تنويع مصادر الدخل:
لا يعتمد الأثرياء على مصدر دخل واحد، بل يسعون لتنويع محافظهم الاستثمارية وشراكاتهم، فقد يُستثمرون في مجالات مختلفة، مثل الأعمال الفنية، لزيادة دخلهم وتحقيق أرباح إضافية.
8. التخطيط الاستثماري الطموح:
يضع الأثرياء تصورات طموحة للاستثمار المستقبلي وتوسعاتهم، ويُخططون على المدى الطويل، ويُحددون أهدافًا واضحة لتحقيق ثروات هائلة.
9. الاستعانة بالمستشارين الماليين:
يُحيط الأثرياء أنفسهم بالمستشارين الماليين الثقات، يُقدمون لهم النصائح والإرشادات المُتخصصة، ويدرسون أوضاعهم الاستثمارية عن كثب قبل اتخاذ أي قرار، ويستفيدون من خبرة المستشارين في مجال الاستثمار.
كيف يدير الأغنياء ثرواتهم وأعمالهم؟
يُمكن تلخيص سلوكيات الأثرياء في ثلاث خطوات أساسية: كسب المال، وتوفيره، واستثماره. ويُجيد الأثرياء هذه الخطوات بشكل مُتقن، بينما يُخطئها معظم الناس في خطوة أو أكثر، وفي هذا الجزء، سنُلقي نظرة على كيفية إدارة الأثرياء لثرواتهم وأعمالهم، ونستكشف أسرار نجاحهم في تحقيق الثروة والحفاظ عليها.
كسب المال وإعادة استثماره
يُعتقد خطأً أنّ الأثرياء يجنون أموالهم من الوظائف. في الواقع، يُساهم العمل الحر وتأسيس الشركات بشكل كبير في بناء ثرواتهم، ووفقًا لمجلة فوربس، أكثر من 70% من مليارديرات العالم لعام 2022 جمعوا ثرواتهم من خلال تأسيس شركة أو المشاركة في تأسيسها.
كيف يُحقق الأثرياء ذلك؟
يُطوّر الأثرياء مهاراتهم بشكل مستمر، ويُبنون أعمالًا تجارية قابلة للتطوير، ويُقدمون حلولًا تُلبي احتياجات السوق، ويُخلقون قيمة مُضافة للعملاء، كما يبحث الأثرياء عن طرق لزيادة أرباحهم دون بذل المزيد من الجهد، مثل الاستثمار في مشاريع تُدرّ دخلاً سلبيًا، ويخصصون جزءًا من دخلهم للاحتياطيات، ثم يُركزون على الاستثمارات ذات العائد المرتفع.
استخلاص أفكار المليونيرات
أجرى الكاتب "جيف ليمان" مقابلات مع 70 مليونيرًا في كتابه "المليونير المقتصد"، ونقل لنا أفكارهم ومعتقداتهم حول الثروة والحفاظ عليها، ومن أبرز الأفكار التي اتفق عليها جميع المليونيرات:
تجنب الإسراف والتباهي: يُعدّ الإسراف أسرع طريقة لخسارة الثروة، لذلك يُفضّل المليونيرات العيش بأسلوب حياة متواضع.
الاعتدال والعملية: يُدرك المليونيرات أنّ الثروة ليست مضمونة، لذلك يُخططون بعناية ويُديرون أموالهم بحكمة.
الأمان المالي: يُؤمن المليونيرات بأهمية بناء احتياطي مالي يُمكنهم من العيش بأمان مدى الحياة.
القيم: يُركز المليونيرات على قيم حقيقية تتجاوز المظاهر، ولا يُبذّرون أموالهم في أشياء غير ضرورية.
وارن بافيت.. رمز للبساطة والحكمة المالية
يُمثل رجل الأعمال الأمريكي "وارن بافيت" نموذجًا استثنائيًا في الحفاظ على الثروة، حيث يُجسّد مبادئ الاعتدال والذكاء المالي في حياته اليومية، فعلى الرغم من ثروته الهائلة، يعيش بافيت في نفس المنزل الذي اشتراه عام 1958، رافضًا الانجراف وراء مظاهر الثراء الفارغة، ويُحافظ على راتب ثابت لا يتجاوز 100 ألف دولار سنويًا، مُدركًا أنّ قيمة المال الحقيقية تكمن في الاستثمار وإعادة الاستثمار لبناء ثروة مُستدامة.
دقة مالية ووعي تام
يتمتع بافيت بدقة مالية استثنائية، حيث يتتبع كل قرش يُنفق ويعرف بالضبط أين يذهب، ويُدرك قيمة كل شيء في حياته قبل شرائه، ولا ينفق أمواله على أشياء لا تُضيف قيمة حقيقية، وتعلم بافيت أسرار الاستثمار وإعادة استثمار أرباحه بذكاء، مما ساهم في نمو ثروته بشكل هائل، كما يُدرك أنّ امتلاك الأشياء التي تُثقل ميزانيته سيُعيق تقدمه، لذلك يُفضّل العيش تحت إمكاناته.
اقرأ أيضًا: استراتيجيات فعّالة لتحفيز الإنتاجية الشخصية
فنون إدارة الثروة.. أسرار كبار الأثرياء
يُجمع الخبراء والمتابعون الماليون على أنّ كبار الأثرياء لا يعتمدون على الحظ فقط في بناء ثرواتهم، بل يُمارسون فنونًا خاصة لإدارة أموالهم والحفاظ عليها.
من أهمّ هذه الفنون:
تكوين فريق من الخبراء: يُحيط كبار الأثرياء أنفسهم بفريق مُتخصص من المخططين الماليين والمحاسبين والمحامين ومستشاري الأسواق.
ويلعب هذا الفريق دورًا حيويًا في وضع خطط استثمارية ذكية تساعد على تقييم الفرص الاستثمارية المختلفة واختيار أفضلها لتناسب أهداف كبار الأثرياء المالية، ويُساعد الفريق في تقييم المخاطر المُرتبطة بكل استثمار وتقليلها قدر الإمكان، كما يُساعدون في ضمان نمو ثروة كبار الأثرياء على المدى الطويل وحمايتها من التضخم والتقلبات الاقتصادية، ووضع خطط شاملة لتغطية احتياجات كبار الأثرياء المستقبلية، مثل التقاعد والتعليم ورعاية الأسرة.
العدد المثالي للمستشارين:
يُشير بعض الخبراء إلى أنّ العدد المثالي لمستشاري كبار الأثرياء هو ثلاثة على الأقل؛ المستشار المالي الذي يُركز على وضع خطة مالية شاملة تُغطي جميع جوانب حياة كبار الأثرياء، والمستشار الضريبي الذي يُساعد في تقليل التزامات كبار الأثرياء الضريبية إلى أدنى حد ممكن، ومستشار الاستثمار الذي يُساعد في اختيار أفضل الفرص الاستثمارية وتنويع محفظة كبار الأثرياء.
يُدرك رجال الأعمال الأثرياء أنّ المنزل ضروري، لكنّه ليس أساسًا للثروة، ويُمكن النظر إلى المنزل بعدة طرق:
خط ائتماني: يُمكن استخدام المنزل كضمان للحصول على قروض لتمويل استثمارات مُربحة.
استثمار: يُمكن اعتبار العقارات استثمارات جيدة على المدى الطويل، حيث تُدرّ عائدًا من خلال البيع أو التأجير.
الأرباح الضريبية: يُمكن الاستفادة من الرهن العقاري للحصول على تخفيضات ضريبية.
يُميّز رجال الثروة تفكيرهم الاستراتيجي وإدارتهم المُخططة لأموالهم، حيث يُركزون على الأهداف طويلة المدى ولا ينجرفون وراء الأفكار اللحظية العابرة، ويُمكن تلخيص سمات تفكيرهم في النقاط التالية:
التفكير العقلاني: لا يتخذون قرارات عاطفية متهورة، بل يعتمدون على التحليل والتقييم الدقيق قبل اتخاذ أي خطوة.
الصبر: لا يُغريهم البريق اللحظي، بل يُركزون على الاستثمارات المُستدامة ذات العائد طويل المدى.
المخاطرة المُحسوبة: يُدركون أنّ المخاطر جزء من الاستثمار، لكنّهم يُخاطرون بحذر ودراسة.
الاستثمار في الشغف: يُفضلون الاستثمار في مجالات تُثير اهتمامهم وشغفهم.
الرقابة: يُطبّقون أساليب مُحكمة للرقابة على الإنفاق والادخار والاستثمار.
لا يُسارع الأثرياء إلى تنويع استثماراتهم في بداية مسيرتهم، بل يُركزون على بناء قاعدة قوية من الثروة أولاً. مثال على ذلك:
إيلون ماسك: استثمر 22 مليون دولار من بيع شركته الأولى Zip2 في شركته التالية X.com، وبعد اندماج X.com مع PayPal، حصل على 180 مليون دولار من بيع PayPal إلى eBay، واستخدم هذه الأموال لتمويل Tesla وSpaceX ومشاريع أخرى.
يُطبّق الأثرياء استراتيجيات ذكية للتوفير، تُركز على:
الشراء بكميات كبيرة: يُفضلون شراء كميات أكبر من السلع الأساسية للحصول على سعر أفضل لكل وحدة، وتوفير الوقت والجهد المبذول في التسوق المتكرر.
استثمار الوقت: يُدركون قيمة الوقت، ويُركزون على الأنشطة المُدرّة للربح بدلًا من إضاعة الوقت في مهام غير ضرورية.
تفويض المهام: يُعيّنون أشخاصًا كفوئين لإنجاز المهام بدلًا من محاولة القيام بكل شيء بأنفسهم، مما يُوفّر لهم الوقت والطاقة للتركيز على الأمور الأهم.
ومما يُميّز الأثرياء أيضًا النهج الاستثنائي في بناء ثرواتهم، الذي يعتمد على:
توسيع شبكاتهم: يُدركون قيمة العلاقات، ويُسعون لبناء شبكات اجتماعية قوية تضم رواد أعمال وقادة صناعة ومستثمرين وأفرادًا بارزين.
اكتساب المعرفة: يُستفيدون من شبكاتهم للحصول على رؤى قيمة حول فرص الاستثمار واتجاهات الصناعة والشراكات التجارية المحتملة.
البحث عن فرص جديدة: يُطاردون الفرص بدلًا من انتظارها، ويُبادرون إلى الاستثمار في مشاريع واعدة مبكرًا.
اتخاذ قرارات مستنيرة: يُحللون المخاطر بدقة ويُخططون بعناية قبل اتخاذ أي قرار استثماري.
الطموح الدائم: لا يكتفون بما حققوه، بل يُفكرون باستمرار في توسيع أعمالهم وابتكار فرص جديدة لمضاعفة ثرواتهم.
الاستثمار طويل المدى: يُدركون قيمة الصبر، ويُحافظون على استثماراتهم لفترات طويلة للاستفادة من التأثير المُضاعف.
التثقيف المستمر: يُثقفون أنفسهم باستمرار ويُطوّرون مهاراتهم الاستثمارية لاتخاذ قرارات مُستنيرة.
ويُؤكّد الخبير المالي توماس كورلي، مؤلف كتاب "العادات الغنية"، على أهمية تحديد الأهداف والتركيز على تحقيقها لدى الأثرياء، حيث وجد في استطلاعه أن 67% من الأثرياء يكتبون أهدافهم بوضوح، و81% منهم يُحافظون على قائمة مهام مُنظّمة.
يُشير ذلك إلى أنّ الأثرياء يتمتعون بمهارات استثنائية في تحديد أهدافهم المالية بدقة ووضوح، والتركيز على تحقيق أهدافهم دون تشتت، وأنهم يُخططون بدقة لخطواتهم ويبادرون إلى تنفيذها.
من ناحية أخرى، يُقدّم روجر لونستين في كتابه "بافيت: صناعة رأسمالي أميركي" نصائح استثمارية مُهمة للأثرياء، حيث يُوصي بالشراء عندما يكون الآخرون خائفين؛ أي الاستثمار في الأوقات التي يسود فيها الخوف في السوق، حيث تُصبح الأسعار مُخفضة، والبيع عندما يكون الآخرون جشعين؛ أي تجنّب الاستثمار في الأوقات التي يسود فيها التفاؤل المفرط في السوق، حيث قد تكون الأسعار مُبالغًا فيها.