استراتيجية المحيط الأزرق.. ابحث عن سوق لا ينازعك فيه أحد
لطالما بدت المنافسة الشرسة هي البيئة المسيطرة على عالم الأعمال، إذ تبذل المشروعات المختلفة جل ما بوسعها في سبيل السيطرة على أكبر حصة ممكنة من الأسواق، ما قد يعرضها لعددٍ كبير من الضغوط والتحديات، التي ينبغي تجاوزها وإلا انتهت المؤسسة وخرجت من السباق -ربما- للأبد- إلا إذا تمكنت من إيجاد حلول خارج الصندوق لتتمكن من الاستمرار.
هنا جاءت استراتيجية المحيط الأزرق، التي وضعها خبيرا التجارة وأستاذا الاستراتيجيات "رينيه ماوبورن" و"دبليو. تشان كيم"، بعد دراسة طويلة رصدت نحو 100 عام من الأعمال في 30 قطاعًا مختلفًا، ومن ثم استنتجا أفضل طريقة لذلك، والتي تتلخص في توليد طلب جديد في السوق بدلاً من المنافسة، ومنذ نشر كتابهما الذي صدر بعنوان "Blue Ocean Strategy" أو "استراتيجية المحيط الأزرق: كيف تنشئ مجال سوق لا ينازعك عليه أحد وتجعل المنافسة ليست ذات أهمية"، أصبح الكتاب مرجعًا لهذه الاستراتيجية التي حملت اسمه، وغيّرت مفاهيم سادت لزمن طويل.
تجنب المنافسة!
كلما تطورت الحياة ازدادت سرعة تغير وتطور بيئة الأعمال، ومن ثم شدة المنافسة وقسوتها في سبيل تحقيق رضا الجمهور، وهي المتغيرات التي أدت إلى ظهور فکرة استراتيجية المحيط الأزرق، التي تركز على البعد عن المنافسة والبحث عن أسواقٍ جديدة بينما تعمل على ابتکار القيمة، فالمحيط الأزرق هو سوق جديد تمامًا لا يوجد فيه منافسة، وربما لا يوجد به عملاء أيضًا، فهو سوق لم يُكتشف بعد، يعمل تحت شعار "ابتكر ولا تنافس"، ومن ثم فإنه محيط بكر صافٍ، عليك أن تعثر عليه بتجاوز كل المحيطات الحمراء من حوله.
إنها باختصار الفكرة التي تحاول استراتيجية المحيط الأزرق الوصول إليها، من خلال تجنب المنافسة، بالتركيز على التواجد في الأسواق ذات الحد الأدنى منها، أو تلك التي لا يوجد بها أي منافسة، بهدف البحث عن فرص في المناطق التي يتواجد فيها عدد قليل جدًا من الشركات العاملة والمنافسة في قطاع معين، وبينما تحاول الشركات في القطاعات الأخرى التفوق على المنافسين باستخدام أساليب وتكتيكات متنوعة، تستخدم استراتيجية المحيط الأزرق مناهج مختلفة للدخول والبقاء في الأسواق، بإيجاد الفرص التي يمكن أن تلبي احتياجات العملاء ورغباتهم، دون التعرض لضغوط الأسعار، ومن ثم تقدم أفضل مسار لرواد الأعمال، بعيدًا عن محيط الكبار وأخطاره التي لا تنتهي.
تسعى الاستراتيجية كذلك وراء التمايز والتكلفة المنخفضة، بإيجاد مساحة سوق وطلب جديدة لا جدال فيها ولا تنافس، ما يجعل المنافسة بين شركتك والسوق القائم غير ذات صلة، فهي تعتمد على منظور مختلف لحدود السوق، فيما لا تسلم بأي معطيات مسبقة، إذ يمكن إعادة بناء تلك المعطيات من خلال ابتكار القيمة، من خلال التركيز على التمايز وتخفيض التكاليف وابتكار عناصر لم يقدمها السوق من قبل، مع إيجاد قيمة تتجاوز السوق التقليدية.
ومن ثم فقد جاءت استراتيجية المحيط الأزرق لتقدم نقيضًا ثوريًا لكل ما هو متعارف عليه في عالم الأعمال، وقد نجحت بسبب أسسها المتينة القائمة على البيانات، والسعى لتحقيق ذلك التمايز والتكلفة المنخفضة معًا، على عكس مبدأ إما التمايز أو التكلفة المنخفضة، مع خلق مساحة سوقية خالية من المنافسة، عن طريق إعادة بناء حدود قطاعات العمل، لخلق محيطات زرقاء لا تتواجد فيها منافسة كبيرة.
فيما تقدم لقادة المشروعات أطرًا للعمل وأدوات مناسبة وتوجيهات عملية في جميع المراحل، بدءًا من تقييم الوضع الحالي للعمل في القطاع، مرورًا باستكشاف مسارات المساحة السوقية الجديدة، وفهم العملاء، وصولاً إلى العملية المنهجية لإنشاء سوق لصناعتك الخاصة، مع تقليل المخاطر باختبار الجدوى التجارية لأفكارك، ومواءمة المقترحات والربح وتحديد مراحل التنفيذ بدقة واتساق، من خلال إطار عمل محكم لإعادة بناء القيمة، واكتشاف سوق جديد، ليس بهدف التغلب على المنافسة، بل لجعلها غير ذات صلة، ومن ثم إعادة بناء منطق التمايز والتكلفة، مع زيادة مكاسب البائع وتقليل استنزاف المستهلك، بالحصول على أقصى استفادة بأقل سعر ممكن.
اقرأ أيضًا: لكل رائد أعمال.. 8 مفاهيم أساسية في علم الاقتصاد يجب الإلمام بها
المبادئ التوجيهية للاستراتيجية
تأتي بعد ذلك المبادئ التوجيهية لاستراتيجية المحيط الأزرق كما حددها واضعوها، وتنقسم إلى مبادئ تتعلق بالصياغة وأخرى بالتنفيذ. وتتمثل مبادئ الصياغة في إعادة بناء حدود السوق بالنظر إلى ما هو أبعد من الأسواق والمنافسين والعملاء التقليديين، عن طريق فحص الصناعة البديلة، والمجموعات الاستراتيجية، وتفرعات المشترين، والخدمات التي قد تؤثر على منتجاتك، والجاذبية، والاتجاهات المؤثرة، وكذلك التركيز على الصورة الشاملة وليس على الأرقام فقط، بالتعرف على كيفية استخدام العملاء لمنتجاتك، ثم الوصول إلى ما هو أبعد من الطلب الحالي بالنظر إلى غير العملاء، وتصنيفهم حسب إمكانية جذبهم، ثم الحصول على التسلسل الاستراتيجي الصحيح لخطواتك.
بينما تتناول مبادئ التنفيذ التغلب على العقبات التنظيمية من خلال التركيز على تحديد أسوأ ما في المؤسسة، لفهم التغيرات المطلوبة والاستفادة من ذلك في تحقيق أكبر قدر ممكن من الاختلاف بمساعدة القادة، ومن ثم البدء تدريجيًا في تنفيذ الاستراتيجية من خلال مشاركة الموظفين وتفسير التغيرات التي يتم إجراؤها للجميع، مع توضيح القواعد والمعايير الجديدة التي سيتم الحكم بناء عليها، بالإضافة إلى مواءمة القيمة والربح وافتراضات الأشخاص، وبالتأكيد ستكون بحاجة دائمة إلى إضفاء الطابع المؤسسي على استراتيجيتك كعملية قابلة للتكرار.
وحسب واضعي استراتيجية المحيط الأزرق، إذا قمت بتنفيذ الاستراتيجية بشكل جيد، فقد لا تواجه منافسة تذكر لسنوات عديدة، ولكن في النهاية سيتحول محيطك الأزرق أجلاً أم عاجلاً إلى الأحمر، عندما يبدأ منحنى القيمة الخاص بك في التقارب مع المنافسين، لتبدأ مرة أخرى رحلة البحث عن محيط أزرق آخر.
وبشكل عام يجب أن تضع في اعتبارك أنه أيًا كان المحيط الذي تقرر دخوله، فمن المهم خلق قيمة للعميل ومواصلة تحسينها بشكلٍ مستمر، إذ يمكن أن تحدث اضطرابات في السوق لأي سبب كان، ما قد يجعل محيطك الأزرق محيطًا أحمر، كما يمكنك استخدام الاستراتيجيتين معًا، مثلما فعلت شركة Apple على سبيل المثال، عندما استخدمت كلاًّ من استراتيجية المحيط الأزرق واستراتيجية المحيط الأحمر معًا بإطلاقها جهاز iPhone في سوق الهواتف الذكية المزدحم بالمنافسين، ومن ثم فقد خلقت محيطًا أزرقَ داخل المحيط الأحمر الذي تنتمي إليه.
وأخيرًا عليك أن تعلم أن المحيطات الحمراء هي جميع الصناعات الموجودة في الوقت الحالي، وهي مجالات السوق المعروفة، فيما تشير المحيطات الزرقاء إلى جميع الصناعات غير الموجودة في الوقت الراهن، وهي مجالات السوق المجهولة التي تخلو من المنافسة، وتستهدفها تلك الاستراتيجية الثورية، التي تقدم ببساطة فرصة لاكتشاف مجال جديد والخوض فيه، وإنشاء سوق له وتوفر جهد المنافسة، بينما تطرح أمامك خيارات لا نهائية هائلة في عالم الأعمال.