"لا تقتصر على تتبع المركبات".. كيف تعمل أجهزة الرادار؟
أصبحت أجهزة الرادار موجودة في كل مكان؛ الجو والأرض والبحر، لتُقدّر المسافات وتحسب السرعات، بل تُوجّه بعض المركبات مثل الطائرات العسكرية، ولكن تُرى ما هو الرادار بالضبط؟ ولماذا سُمّي بهذا الاسم؟ والأهم من ذلك؛ كيف يعمل؟
ما هو الرادار؟
بدايةً، تُعَد كلمة "رادار" (بالإنجليزية "Radar")، اختصارًا لعبارة "Radio detection and ranging"، والتي يُعنى بها كشف وتحديد مدى الأجسام باستخدام موجات الراديو. والرادار هو جهازُ استشعار كهرومغناطيسي يُستَخدم لتتبع مختلف المركبات وتحديد مسافاتها وسرعاتها وغيرها من المعلومات الأخرى.
وظيفة الرادار لا تقتصر على تتبع المركبات فحسب، وإنما تمتد لتشمل الطيور والحشرات وحتى الأمطار، كما أنه يتميز عن أجهزة الاستشعار البصرية والأجهزة التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء الأخرى بقدرته على رصد الأجسام من مسافات بعيدة، وتحديد مسافاتها بدقة، بغض النظر عن الظروف الجوية.
ويتكون نظام الرادار عادةً من جهازين، أحدهما لإرسال الموجات الراديوية والآخر لاستقبالها، ولكن هناك أنواع -مثل رادار WSR-88D الراصد للأحوال الجوية- الذي يجمع بين جهازي الإرسال والاستقبال في جهازٍ واحد.
لمحة خاطفة على تاريخ أجهزة الرادار
على الرغم من أن "الرادار" هو إحدى النتائج الثانوية التي اقتضت الضرورة العسكرية وجودها بعد الحرب العالمية الثانية، فإن فكرته تعود إلى قبل ذلك بكثير، وتحديدًا إلى عام 1886 عندما اكتشف الفيزيائي "هاينريش هيرتز" للمرة الأولى أن الموجات الكهرومغناطيسية يمكن أن تنعكس عن الأجسام المختلفة، بل تتركز في حِزَم بواسطة العاكسات المناسبة.
وفي عام 1904، أُضيفَت لبنة محورية أخرى في صرح أجهزة الرادار عندما حصل مهندسٌ ألمانيّ يدعى "هولسماير" على براءة اختراع في عديد من البلدان لابتكاره طريقة تُساعد على كشف العوائق الملاحية أمام السُفن. وفي عام 1922، يأتي المُخترع "غولييلمو ماركوني" ويُوظّف "الموجات قصيرة المدى" Short waves للكشف عن الأشياء باستخدام أشعة الراديو.
وفي العام نفسه (1922)، قُدِّمَ اقتراح لاستخدام الموجات الكهرومغناطيسية المنعكسة بشكلٍ عملي، وقام فريق من الباحثين بالوقوف على أحد ضفتي نهر ما، وبث إشارات لاسلكية عالية التردد نسبيًا إلى الضفة الأخرى من النهر فاكتشفوا أن جزءًا كبيرًا من الإشارة يُفقَد في أثناء مرور السفن بين المُرسل والمستقبل، ما دفعهم إلى استنتاج مفاده أن موجات الراديو يمكن استخدامها في الكشف عن وجود سفن العدو.
ظلت الأبحاث تتراكم وأصبح من المعروف أن موجات الراديو يمكن أن تُستَخدم في الكشف عن السفن والطائرات بسهولة، وخلال السنوات اللاحقة مرَّت رحلة الوصول إلى أجهزة الرادار بمحطات مهمة للغاية، مثل اقتراح الفيزيائي البريطاني روبرت واتسون وات "يُعَد مخترع الرادار" في عام 1935 لنظامٍ يُمَكن الجيش من تطوير أجهزة الرادار بسرعة، إذ كان عامل الوقت شيئًا ضروريًا للغاية وقتها. وفي عام 1937 بدأ البريطانيون بالفعل في بناء شبكة من محطات الإنذار المُبكر تعمل بالرادارات الأرضية، ما أعطاها السبق في تطور تكنولوجيا الرادار.
اقرأ أيضًا: أخطر الوظائف في العالم
فيمَ تُستَخدم أجهزة الرادار؟
تستخدم وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" الرادار لمسح كوكب الأرض والكواكب المجاورة، فضلاً عن تتبع الأقمار الاصطناعية وغيره من الاستخدامات الفضائية، في حين تستخدم الجيوش هذه التكنولوجيا للكشف عن وجود طائرات العدو وغير ذلك من الاستخدامات العسكرية، ولكن بشكلٍ عام، إذا أردنا أن نُحصي استخدامات الرادار فيمكننا أن نفعل ذلك في 3 استخدامات رئيسة هي:
- الكشف عن وجود الأجسام: سواء المتحركة، بل بالأخص المتحركة مثل الطائرات والسيارات وغيرهما، والساكنة أيضًا، حتى لو كانت مدفونةً تحت الأرض، وفي بعض الحالات يستطيع الرادار أن يتعرف على تفاصيل الأجسام التي يلتقطها.
- قياس سرعة الأجسام: وهذا أحد أكثر الاستخدامات شيوعًا وعلى الأرجح أن الجميع صادف ولو جهاز رادار واحدٍ على الأقل عندما كان يسير بسيارته على طريقٍ سريع، إذ تستخدم الشرطة هذه الأجهزة للتأكد من عدم تخطي المركبات لسرعات مُعينة لتحافظ على سلامة المواطنين.
- مسح الأشياء كليًا أو جزئيًا: كما تفعل "ناسا" مثلاً، وعلى نطاقات أضيق، سنجد أن الأقمار الاصطناعية تستخدم أجهزة الرادار لإنشاء خرائط طبوغرافية لسطح الكواكب والأقمار وما إلى ذلك.
كيف تعمل أجهزة الرادار؟
تستطيع هذه الأجهزة أن تؤدي وظائفها الأساسية الثلاث المذكورة بالاعتماد على مفهومين رئيسين نألفهما جميعًا؛ هما "صدى الصوت" Echo، و"تأثير دوبلر" Doppler effect، اللذان تُصادفهما آذاننا يوميًا إلى أن أصبحت مُعتادة عليهما.
أما المفهوم الأولى، وهو صدى الصوت، فهو ذلك الذي يتحقق عندما نصرخ في مكانٍ فارغ فترتد موجات الصراخ الصوتية عائدةً إلينا. المُدة الزمنية بين وقت إطلاق الصرخة ووقت عودتها إلينا تُقدَّر بالمسافة بيننا وبين الشيء الذي ترتد عنه الصرخة، ولذلك الشيء تطبيقات في غاية الأهمية ومنها القدرة على تحديد المسافات.
على سبيل المثال: إذا أراد أحدهم أن يُقدَّر عمق بئر ما، فبإمكانه أن يصرخ فيه ويقيس الوقت الذي احتاجت إليه الصرخة لترتد عن قاع البئر "السطح الذي ارتدت عنه" إليه، وأيضًا يقيس سرعة الصرخة، وبهذا سيستطيع أن يُقدر عُمق البئر "المسافة" بضرب حاصل السرعة في الزمن.
أما المفهوم الثاني؛ تأثير دوبلر Doppler effect، فهو أيضًا مفهومٌ مألوف لدينا وهو ذلك الذي يحدث عندما تمر سيارة إسعافٍ -مثلاً- بجانبنا؛ عندما تكون هذه السيارة قريبةً منا فإننا نسمع صوت صافرة الإنذار بنغمات عالية، وما أن تمر السيارة حتى نلاحظ خفوت الصوت بشكلٍ تدريجي يتناسب طرديًا مع بعدها عنا.
إذًا كيف يُوظّف الرادار هذين المفهومين؟
باختصار، يُرسِل جهاز الرادار موجات راديوية باتجاه هدفٍ ما، تصطدم هذه الموجات بالهدف فتنعكس عنه عائدةً إلى الجهاز فيُحللها ومن ثم يُحدد المسافة بينه وبين الهدف "مبدأ صدى الصوت".
أما لمعرفة سرعة الجسم، فيستخدم نظام أو جهاز الرادار نفس المبدأ؛ بإرسال الموجات الراديوية ومن ثم استقبالها وتحليليها، ولكن هذه المرة يُحلل الترددات والتغيرات الحاصلة فيها ليحسب سرعة حركة الهدف "مبدأ تأثير دوبلر".
ما الفرق بين أجهزة الرادار الجوية والأرضية؟
على عكس أجهزة الرادار الموجودة في الجو، تُقابَل أجهزة الرادار الأرضية بالكثير من العوائق، إذ لا تنعكس موجات الراديو عن الأهداف المُراد رصدها فحسب، بل عن كل العوائق الأخرى تقريبًا مثل الأسوار والكباري والجبال والبنايات وغيرهم، ما يؤثر على دقة الرصد.
لحل هذه المشكلة، تُستَخدم أجهزة الرادار -وبخاصةً من قِبل الشرطة- المُرتكزة على تأثير دوبلر، والتي تُعرَف بـ Doppler radars؛ إذ تستطيع هذه الأجهزة أن ترصد الأجسام المتحركة والتغيرات الحاصلة على مستوى الترددات كما شرحنا أعلاه، ونظرًا لأن البنايات وغيرها من الجمادات لا ينتج عنها تأثير دوبلر، فإنها لم تعد تشكل عائقًا حقيقيًّا أمام أجهزة الرادار، أضف إلى ذلك أن البعض أصبح يستخدم أجهزة تعتمد على إرسال نبضات ضوئية بدلاً من موجات الراديو فيما يُعرَف بـ "الليدار- Lidar".